يقول العماد مصطفى طلاس: في
الساعة التاسعة صباحاً كان في مكتبي العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن
سليمان وأعطيتهما فكرة عن الموقف وقلت لهما لابدّ من قلب معادلة الأمن القريب وهذا
لا يكون بعناصر الشرطة العسكرية وإنّما برجال من المغاوير المتمرّسين على القتال
ولذلك أطلب إليكما باسم الرئيس حافظ الأسد أن تأمرا الجنود والضباط كافة الذين
بإمرتكم أن يتوجهوا فوراً من مكان تمركزهم إلى معرض دمشق الدولي وهو المكان الذي
حدّدته كنقطة ازدلاف للجميع، وذلك لقربه من القيادة العامة ولأنّ أجنحته المتعددة
والواسعة تسمح بمبيت الرجال دون أنْ نلفت انتباه أحد, وعندما سألني العقيد محسن:
كيف نتصرّف إذا حاولت مفارز سرايا الدفاع من الألوية المحيطة بدمشق منعنا؟ وكان
جوابي: إنّ الحركة يجب أن تكون إفرادية على السيارات العابرة وبوساطة عربات المبيت
شريطة ألا تشكّل العربات أي رتل إطلاقاً وعندما تواجهون عناصر سرايا الدفاع عليكم
بضربهم بأخمص البندقية واذا استمرّوا في الممانعة فما عليكم إلاّ أن تقلبوا لهم
ظهر المجن ووجّهوا نحوهم فوهة البندقية التي تنبع منها السلطة السياسية في الحالات
الثورية كما قال الرفيق «ماوتسي تونغ»، عند ذلك سوف تجدونهم يفرّون من المجابهة لأنّ
إرادة القتال لديكم أقوى بكثير وأنتم حُماة السلطة وهم الخارجون على القانون.
وأخيراً سألني العميد صبحي الطيب
والعقيد محسن سليمان: طيّب ماذا سنقول للّواء علي حيدر إذا سألنا عن سبب إرسال
قواتنا إلى دمشق من دون علمه؟ فقلت لهم: الجواب في منتهى البساطة لقد سأل عنك
العماد طلاس فلم يجدك ونظراً لخطورة الحالة فقد استدعانا إلى مكتبه وطلب إلينا
تنفيذ توجيهات الرئيس الأسد وهكذا صار، وصافحتهما متمنيّاً لهما التوفيق، وتوجّه
قائد الفوج ورئيس أركانه إلى منطقة عنجر وقاما بتنفيذ المهمة على أكمل وجه.
في الساعة التاسعة والنصف صباحاً
حضر إلى مكتبي العماد حكمت الشهابي والعماد علي أصلان حيث وضعتهما في صورة الموقف
وقلت لهما إنّ سبب عدم استدعائهما كان أولاً من أجل تنفيذ عملية الاستنفار بشكل
سرّي بحيث لا تعرف به شعبة العمليات إلا لاحقاً حتى لا يعرف العميد رفعت الأسد
بالموضوع، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم يكلّفني ذلك سوى بضعة اتصالات هاتفية مع
قادة الفرق وقادة التشكيلات وأنتما معتبران حكماً مع الرئيس حافظ الأسد قولاً
واحداً, وكان جوابهما: إنّ هذا الموضوع لا يحتاج أبداً إلى نقاش فنحن مع القائد
حافظ الأسد على السرّاء والضرّاء.
في الساعة الرابعة والنصف بعد
الظهر حاولت أنْ أخلد إلى النوم بعد عمل أربع عشرة ساعة متواصلة ولكن مدير مكتبي
بعث إليّ بقصاصة يُعلمني بها بأن اللواء علي حيدر يرغب في مقابلتي، قلت له: دعه
يدخل، واستقبلته كالعادة لكنّني لاحظت علائم الاضطراب على وجهه فبادرني قائلاً:
سيدي ماذا صنعت أنا لكم وللرئيس حتى تعاملوني كالزوج المخدوع أي آخر من يعلم؟ وكان
الرئيس الأسد قد رسم لي خطّة لمعالجة هذا الموقف الطارئ, قلت له بوضوح: إذا كنت
حقّاً معنا فما عليك إلاّ أن تطلب من مكتبي العميد رفعت الأسد وتقول له بصراحة موقفك
وعند ذلك فقط سوف أتّصل أمامك بالرئيس وسوف أرسلك لمقابلته فوراً لجلاء أي موقف
غامض في قناعة السيد الرئيس، فقال لي: اطلب لي العميد رفعت حالاً، وطلبت العميد
رفعت على الهاتف المباشر وكان على الخط في أقل من ثوانٍ وقلت له: أخي أبو دريد
اللواء علي حيدر يريد أن يكلمك فسألني: هل هو عندك! فأجبته طبعاً، فقال لي: صار لي
من الصبح وأنا أفتش عنه دونما جدوى (في الوقت الذي كان رجال الوحدات الخاصة
يتوجهون إلى دمشق من كل فج عميق كان اللواء علي حيدر يتناول الغداء في منزل علي
حمية في حور تعلا بالبقاع، وعندما علم بالموضوع قال لعامل المقسم: أريد صبحي الطيب
حيا, أو ميتاً، وعندما أخذ الهاتف العميد صبحي الطيب قال للواء علي حيدر: لقد
استدعاني العماد طلاس إلى مكتبه مع العقيد محسن سليمان وطلب إلينا نقل الفوج /35/
إلى المعرض لمواجهة عناصر رفعت الأسد وإن هذه الأوامر عكس توجيهات الرئيس الأسد
شخصياً فماذا تريدنا أن نفعل؟, فقال له: نفذ أوامر نائب القائد العام) وناولته
سمّاعة الهاتف فقال له اللواء علي حيدر: «أبو دريد ما بتعرف أنه في هذا البلد لا
يوجد سوى قائد واحد هو الرئيس حافظ الأسد, كيف يقوم عناصر من سرايا الدفاع بهذه
الأعمال المشينة التي تسيء إلى انضباط القـوات المسلحة وكان جواب العميد رفعت:
(أنت الآن تريد أن تعطيني درساً في الوطنية يلعن أبوك ابن كلب), وأغلق السماعة في
وجهه فقال لي اللواء علي حيدر «عجبك»، لقد شتمني وأغلق الهاتف بوجهي، قلت له: الآن
حقّ الحق.. واتّصلت بالسيد الرئيس وأعلمته بالحادثة فقال لي: أرسله فوراً إلى
القصر الجمهوري، وتوجّه من مكتبي إلى القصر وتمّ التأكيد على ولاء الوحدات الخاصة
للرئيس الأسد، وطبّق اللواء علي حيدر حكمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب «الرجوع
إلى الحق خير من التّمادي في الباطل»، وفي الساعة السابعة مساءً أخذت العلم بأن
ألفي ضابط وصف ضابط وجندي من الوحدات الخاصة أصبحوا متمركزين في معرض دمشق الدولي،
وبذلك أصبح الأمن القريب لمبنى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة جيداً
وانقلبت المعادلة لصالحنا كنسبة وتناسب في القوى والوسائط.
ولم أكتف بذلك فطلبت إلى العميد عدنان
الأسد أن يرسل سّريتي م/د واحدة «مالوتكا» حقائب والثانية من طراز (فاغوت) وتم
تمركزهما على سطح مبنى القيادة العامة، وبذلك غدت القيادة العامة قلعة محصّنة لا
تُنتهك.
اتفقت مع عدنان الأسد على تهريب
الصواريخ إلى منزل الرئيس في سيارة الإسعاف لأن سرايا الدفاع كانت تحيط بدمشق.
كان لابدّ من إصدار الأمر بتشكيل
الحرس الجمهوري لإفهام القوات المسلحة بخاصة وبقية فئات الشعب بعامّة بأنّ القصر
الجمهوري يحرسه الحرس الجمهوري ولم يعد لسرايا الدفاع أي دور في حماية السيد
الرئيس.
واتّفقنا على أنْ يكون قوام الحرس
الجمهوري فرقة مدرّعة يضاف إليها ثلاثة أفواج حراسة تماثل ملاكاتها أفواج المغاوير
في الوحدات الخاصة، وحتى يولد الحرس الجمهوري واقفاً على رجليه من لحظة تشكيله
اقترحت على سيادة الرئيس أن نأتي بوحدات جاهزة من الفرق والتشكيلات مباشرة، وضربت
مثلاً إذا أخذنا كتيبة مشاة أو دبابات أو مدفعية من أي فرقة فلن تتأثر جاهزيتها
ومن السهل عليها تشكيل كتيبة أخرى من قوام الفرقة وهكذا ظهر في أمر التشكيل للمرّة
الأولى اسم الوحدة التي ستنضم إلى الحرس الجمهوري, وقد حاول رفعت الأسد عرقلة هذا
التشكيل الذي اعتبره حربة موجّهة إلى عنقه، ومنع بالقوة بعض الكتائب من الالتحاق
بالحرس الجمهوري إلاّ أنّ وحدات الدبابات تمكنت من خرق الحصار له والتحقت بالتشكيل
الجديد، وكان في المقدمة الكتيبة «259» من اللواء «81» الفرقة الثالثة أول
الملتحقين وإنّي لأشعر بالزّهو والاعتزاز بأنّ هذه الكتيبة هي أول كتيبة دبابات تسلّمت
قيادتها في حمص بعد ثورة الثامن من آذار المجيدة, وهكذا بدأ الحرس الجمهوري يقف
تدريجياً على قدميه ليقوم بمهمّته النّبيلة.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق