هناك من يقتطع من روحه جذوة النار
ليضيء للأجيال .. هناك من راهن على نفائس مثابل كل أو بعض حلاوة الدنيا ومتاعها ..
هناك من يأبى أن يسير في درب مصالح ذاتية وقرر أن يحمل هم أمة فحمّلته الأمة همها الثقيل
حتى ناء به الحمل لينحني أمام الأمة عمره أو جزءً منه..
هناك من قدم هم الوطن وهم الأحرار
على همومه ورفض أن يكون بأي شكل من الأشكال في صف العبيد والأجراء .. هناك من أوقف
مسيرة طموحه الخاص وتوقف على حافة الزمان عند وطن يقال له سورية ووقف رائداً رامقاً
إخوانه بنظرة اتبعوني مشفقاً أن يتحملوا ما يتحمل .. هناك من استمر عاملاً بكافة حواسه
بكل عطائه بما يملك وسلم للواجب العنان ، واستهلك من نفسه الكثير .. هناك من تألم لكل
متألم وعاش مع جرح كل جريح ..
هناك من يعجزون عن سَجن روحه ويستعصي
عليهم اعتقال أتباع إخلاصه .. من تخجل أمام تواضعه كبرى المسميات .. وإن قتلوه كان
الحي بين ضلوع الوطن ، ينزف من القلوب سابغاً نعال الظالمين بدمائه الطاهرة .. هناك
من تنطق بأعماله الحروف ويعبّد له اليراع أكمل قصائد الصراع بين الحق والباطل .. وتدوس
الأقدام أمامه على صفحة الماء وتسير مع نقاء النوايا وصواب الأعمال .. هناك من يحمل
كل شفافية الصفاء ووضاءة وسمو الأخلاق لأنه يضحي صادقاً لأجل الوطن والقيم والمبادئ
بالغالي..
إنه جسر لا ينبغي أن تطأه حتى أرجل
صالحين لأنه مصنوع من ياقوت الجنان الثمين .. إنه فقط لمن إلى حلم الثورة عابرين
.. وحرام على من تلوثت قدماه بشيء من الدنيا أن يطأ سندسه الطاهر بالطين .. إنه للنفائس
كما كان هو النفيس الثمين ..
هناك من تتلعثم الألسن لدى النطق في
حضرة روحه وذكراه بعيداً أو قريباً لعظمته .. ويغض طرفَهم الجراحون خجلاً أمام ذكراه
لأنه سبقهم في الدرب أميالاً وقطع مهرولاً أشواطاً في درب الأنقياء .. هناك من وفى
بعهده ومن أوفى بعهده منهم! ..
هناك تيجان تقف أمامها سلاطين لو كانوا
يعلمون وتنحني الرؤوس أمامه ليس كعبودية الجناة على وطننا والمدنسين .. بل انحناء الإجلال
والإكبار ذاك الدافع الداخلي الصارم ، فقوة الإخلاص لا كأي قوة .. قوته تشع الأنوار
في قلوب من عرف صفوة الناس ..
هناك أناس عملوا ما يمكن إن مُزج ماء
البحر بعملهم أحاله عسلاً وشراباً سائغاً بعد أجاج .. إنها عقيدة تحمل صاحبها على تلال
من الزنابق ولأرض مفروشة بالمرجان والكهرمان والكثير من الأحجار الكريمة التي تمتلئ
بها أوطاننا الزكية من خير البشر .. تلك قلوب هؤلاء ..
هناك من ألغى من قاموسه "مستقبله
الخاص" وأحاله إلى مصطلح "مستقبل أمة" فقرر أن يعيش لها بما أوصله له
ماضيه وحاضره فوهب بقية العمر لهذا المستقبل ..
هؤلاء هم الصروح الممردة من قوارير
.. والماء الزلال في بحيرة الوطن .. تيجان أعماق القلوب .. و زاد المسار الذي يشق على
السائرين وسط القيافي، العابرين إلى بر وطن حقيق .. درر الزمان ونبراس الحياة، من أرادوا
أن يقتطعوا من حياتكم حياة أخرى للوطن .. من وهبوا من عمرهم سنينه أو بعضها .. هل يقف
الإنسان حائراً بين يدي عظماء أمثالهم؟! أم لإجلالهم إبهار تركع أمامه الشخوص المتماسكة
وتخر بين أيديكم سحب الإخلاص والأمانة طائعة مسلّمة ؟! ..
آآآآه كم تجد أيها الوطن سفرجلاً مراً
حينما تحتوي في باطنك الطيْب .. أفقدان أولع النار أم هو وجع "فقيد أمة"؟!!
فلكل فقيد بكاؤون .. ولكن لفقيد الوطن ذرات الوطن تبكي ..
لازال في سجون الظلام نفوس طاهرة من
عبق الطيبين تنالهم راجمات الوحوش المفترسة وضباعهم التي تنهش لحوم خير الوطن .. فمع
كل عظيم تعتقله أيد خبيثة أمانة جديدة في عنق المتابعين.. يا وطناً أوجعتك رماح الغدر
أبات الإحساس مسلوباً من بين أضلعك ومن كل حواسك؟ حتى لكأنها تكسرت النصال على النصال
.
بقلم: شام صافي
20-9-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق