الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-09-12

ياسمين آذار المخضب بالدم (الحلقة50)، بداية المواجهة الحامية بين الأسدين – بقلم: محمد فاروق الإمام

لم يهضم العميد رفعت الأسد هذا الإجراء الذي قام به اللواء علي دوبا، ولذلك قرّر المواجهة بعد نصائح أصدقائه، في الداخل والخارج، التي أخفقت معها الأساليب كافة للسيطرة على قرار الرئيس حافظ الأسد المستقل والذي يخدم المصلحة السورية ويتناغم مع مصلحة الأمة العربية، ولهذا وجدت واشنطن الفرصة مناسبة لكي توجّه عملاءها نحو تصعيد الأمور في وجه الرئيس الأسد، لأنّ شقيقه رفعت سيكون حتماً مطواعاً لسياسة البيت الأبيض وعلى النقيض من شقيقه وفقاً لحساباتهم ومعلوماتهم ومعلومات أصدقائهم, وكما ذكرت فانّ الرئيس الأسد كان الشخص الوحيد في القوات المسلحة الذي يمسك ببعض الخيوط الأمنية في سرايا الدفاع وعندما تأكّد أنّ المواجهة قادمة لا محالة وأنّ رفعت الأسد قد رفع الجاهزية القتالية في سرايا الدفاع منذ أسبوع أي أنّ العملية جديّة وليست عملية اختبارية لتفقّد الجاهزية القتالية للتشكيل.


وفي الساعة الثانية إلاّ ربعاً من صباح 25/2/1984م هتف لي الرئيس الأسد إلى المنـزل وأعطاني التوجيه التالي: «ارتد لباسك العسكري وتوجّه مباشرة إلى مكتبك في القيادة العامة واستنفر التشكيلات الضاربة القريبة من دمشق وارفع درجة استعدادها القتالي إلى الكامل لأنّ العميد رفعت الأسد استنفر سرايا الدفاع بالكامل وهو يعدّ العدّة للسيطرة على دمشق لذلك يجب أنْ تتّخذ الإجراءات كافة لإحباط خططه وليكن في علمك أنّ رفعت الآن جادٌّ هذه المرة في موقفه وأنا أعرف أنّك لا تخاف من أحد ولكن يجب أنْ تضع في اعتبارك أنّ المواجهة قائمة لا محالة ولذلك ليس أمامك من طريق سوى إشعاره بأنّ المواجهة مع الجيش ستكون عملية انتحارية له ولأتباعه كافة.

وفي دقائق معدودة كنت مرتدياً لباس الميدان ووصلت إلى مبنى القيادة العامة الساعة الثانية وخمس دقائق واستنفرت فوراً لواء الصواريخ المحمول على دبابات والذي تبلغ دقّته بضعة أمتار كما استنفرت اللواء (65) المضاد للدبابات والذي يقوده العميد علي هرمز والوحدة «549» (سرايا الصراع ضد الدبابات) والتي يقودها العميد عدنان الأسد (ابن شقيق السيد الرئيس) كما استنفرت قائد الفرقة الأولى اللواء إبراهيم صافي وقائد الفرقة الثالثة اللواء شفيق فياض وقائد الفرقة السابعة العميد علي حبيب وقائد الفرقة التاسعة اللواء عدنان بدر الحسن وتمّ هذا الإجراء في أقل من خمس دقائق وبعد ذلك وصل إلى مكتبي تباعاً اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي وقال لي كلّ منهما: إنّ الرئيس الأسد وضعنا تحت تصرّفك لكي ننجز المهمّة التي كلفت بها، قلت لهما: لقد استنفرت الوحدات والتشكيلات التي سبق ذكرها ودونكما الهواتف على مكتبي فقوما باستنفار الوحدات القريبة من دمشق وبدا مكتبي كأنّه غرفة عمليات وكل واحد منّا يتكلّم مع قائد تشكيل ويطلب إليه رفع الاستعداد القتالي إلى الكامل, وهكذا تمّ استنفار بقيّة ألوية الصواريخ والقوى الجوية والدفاع الجوي وألوية مدفعية احتياط القيادة العامة وسرايا المهام الخاصة في شعبة المخابرات وسرايا الشرطة العسكرية ومفارز مخابرات القوى الجوية, يعني لم نترك قائداً قريباً من دمشق وبإمرته وحدة مقاتلة إلاّ وتمّ رفع جاهزيّته القتالية إلى الكاملة، مع تأكيدنا للضباط كافة أنّ الرئيس الأسد يضع ثقته المطلقة بهم.

وأعلمت الرئيس الأسد بالوضع في الجيش وأنّ الوحدات والتشكيلات القريبة من دمشق أصبحت جاهزة لتلقّي أيّة مهمّة وشكرني على هذا الانجاز وأوصاني بالمتابعة, وهنا لابدّ من أنْ أقول كلمة حول ذاكرة الرئيس الأسد بأسماء التشكيلات وأرقامها, فلم يترك سريّة أو كتيبة أو لواء أو فرقة في القوات المسلحة إلاّ وذكرها وطلب استنفارها وعندما كنت أقول له: لقد تمّ الأمر سيدّي، وبعد خمس دقائق يرنّ جرس الهاتف والمتكلم كان بالطبع الرئيس الأسد الذي كان يذكّرني بوحدة جديدة وكنت أقول له لقد تمّ استنفارها ولم تهدأ المكالمات والاتصالات إلاّ قرابة السابعة صباحاً حيث طلبت من الرئيس راجياً أن يخلد إلى الراحة ويأخذ قسطاً من النوم وقلت له مازحاً: «بقي رب العالمين لم نستنفره بعد»!, فقال ضاحكاً: لأنّه معنا، طيّب الله يعطيك العافية (أجرى القائد الأسد معي في تلك الليلة أكثر من مئة اتصال هاتفي ولو أنني استخدمت آلة التسجيل لحصلت على وثيقة نادرة تبرهن مدى قوة واتساع ذاكرة الرئيس الأسد ولكن يبدو أن هذا الموضوع أصبح يتمتع بإجماع عربي ودولي.

كان اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي قد استأذنا في الساعة الرابعة صباحاً للنوم في مكاتبهما وبقيت وحدي في المكتب أتلقى اتصالات السيد الرئيس, وفي إحدى المكالمات قلت للرئيس: صحيح أنّنا غيّرنا قائد كتيبة الحراسة لكنّنا لا نعرف الألغام التي وضعها رفعت في الكتيبة كما أنّ حراسة القيادة القطرية القريبة من مبنى القيادة العامة هي من سرايا الدفاع ولذلك فان أمننا القريب لا يوحي بالاطمئنان فهل تسمح لي بأن أنقل فوجاً من الوحدات الخاصة ليكون احتياطاً قريباً في يدي,, فقال لي: هل تستطيع ذلك دون أن تخبر اللواء علي حيدر (وكان الرئيس الأسد يعلم بأنّ هناك تنسيقاً كاملاً بين شقيقه رفعت وعلي حيدر) فأجبته أنّني قادر على ذلك ولمّا سألني أي فوج مغاوير سوف تُحضر من لبنان؟ أجبته: الفوج «35» الذي يقوده العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان, فأجاب: أشك في أنّك سوف تنجح في هذه المهمة، فقلت له أنا على يقين من النجاح طالما أنّني مغطّى بأوامرك,, فقال: استخدم صلاحيّاتي المطلقة في هذا المجال وتمنّى لي التوفيق.

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق