فادي
شامية- المستقبل - الثلاثاء 3 أيلول 2013 - العدد 4794 -
شؤون لبنانية - صفحة 3
بعد
أيام على انطلاق الثورة السورية منتصف شباط 2011، طلب "حزب الله" من
العناصر المرتبطة به في لبنان التحرك أمنياً، وجمع المعلومات لمصلحة المخابرات
السورية، بالتزامن مع تحركه العسكري والأمني في سوريا نفسها. وفيما تولى الحزب
المناطق التي يتمتع فيها بنفوذ قوي، ترك لحلفائه المناطق المناهضة له.
شكّل
شاكر البرجاوي (من مشاهير الحرب الأهلية اللبنانية) أحد أهم عملاء "حزب
الله" في هذا المجال. كان يسلّم تقاريره إليه، والحزب يرفعها إلى الأمن العام
ومخابرات الجيش بوصفها معلومات تهدف إلى "المساعدة على حماية الأمن".
تضمنت
تقارير البرجاوي لوائح بأسماء المؤيدين للثورة السورية؛ مشايخ وأئمة مساجد (كان من
ضمنهم اسم الشيخ أحمد عبد الواحد، الذي قُتل في عكار لاحقاً)، ورؤساء جمعيات،
وسياسيين وناشطين، وفي كل تقرير كان يذكر البرجاوي اسم المخبر الذي زوده
بالمعلومات، أمثال: خ. الديركي، وأ. الحجار، وأبو حسن زعتري... نشطت هذه الشبكة في
الطريق الجديدة وعرمون وبشامون، وركزت نشاطها على مؤيدي تيار "المستقبل"
و"الجماعة الإسلامية" تحديداً.
في
أيار من العام 2012 توتر الوضع في الطريق الجديدة بعد مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد،
إثر انتشار جماعة البرجاوي وإطلاقها النار على المحتجين (ثمة شكوك حول ارتباطات
بعض هؤلاء المحتجين). على الفور توتر الوضع وجرت اشتباكات بين جماعة البرجاوي وأهل
المنطقة المؤيدين في غالبيتهم لـ"تيار المستقبل"، ما أدى إلى محاصرة
البرجاوي في مكتبه واضطرار الحزب إلى التدخل لإجلائه. حصدت المواجهة قتيلين و18
جريحاً. بعد دخول مكاتب البرجاوي في الطريق الجديدة، شكّلت الوثائق التي عُثر
عليها هناك دليلاً قاطعاً على الدور الأمني الذي رعاه الحزب خدمةً للنظام السوري،
ويمكن الافتراض بحق أن جماعات كثيرة غير البرجاوي قامت وتقوم بالدور نفسه اليوم.
شكّل
التورط العسكري لـ"حزب الله" في سوريا العامل الأهم في جر البلد إلى
الأتون السوري، فبعد المشاركة في قمع التظاهرات في الأيام الأولى للثورة السورية،
كان للحزب مشاركاته الفاعلة في المعارك التي جرت وما زالت في سوريا. منطقة ريف
القصير شهدت أولى المواجهات المسلحة بين الحزب والثوار، في حزيران من العام 2011،
عندما حاول عناصر من الحزب التسلل إلى قرية ربلة المسيحية السورية، عبر منطقة حوش
السيد علي بغطاء من القصف الصاروخي.
في
6/8/2011 صدر تقرير عن الأمم المتحدة يؤكد تورط "حزب الله" والحرس الثوري
الإيراني في المعارك، وفي تشرين الثاني 2011 أسهم "حزب الله" في معركة
بابا عمرو القاسية، لكن المعركة الكبيرة الأولى التي خاضها الحزب كانت في منطقة
الزبداني مطلع العام 2012، عندما أوكل جيش النظام إلى الحزب مناطق محددة للدفاع
عنها (قاعدة عسكرية في بلدة مضايا)، وفتََح له المجال ليقاتل بأسلوبه في الحملة
الكبرى التي قام بها النظام السوري على المدينة في 13/1/2012.
في
أيار العام 2012 قام الحزب باقتحام غير بلدة في ريف القصير؛ الصفصافة والمصرية
والسوادية ومطربة وزيتا... استقر الحزب في هذه البلدات، وأنشأ تحصينات، وخاض معارك
مع "الجيش الحر"، وفي ما بعد تحدث ثوار القصير عن استعماله طائرة من دون
طيار لتصوير تحصيناتهم المقابلة، سقطت إحداها نتيجة عطل فني في سهل يونين
(14/7/2012) .
في
دمشق بدأ النشاط العسكري للحزب في حزيران من العام الماضي. أول الحديث عن تورطه
بالمجازر كان في دوما وسقبا. أما في حلب فقد تحدثت مصادر "الجيش الحر"
عن اصطدامها بمقاتلين من الحزب اعتباراً من تموز العام 2012.
في
11/10/2012 شكّل خطاب الأمين العام للحزب عن المقاتلين في القصير الذين
"قرروا الدفاع عن أنفسهم وعن أرواحهم وعن أعراضهم وعن أملاكهم" كلمة
السر لبدء هجوم قاسٍ على قرى أبو حوري والبرهانية والنهرية وغيرها، انطلاقاً من
القرى الحدودية التي سبق أن احتلها الحزب.
استمرت
المعارك على نحو متصاعد إلى أن تمكن الحزب من السيطرة على ريف القصير ثم القصير
كلها... ولا يزال مقاتلو الحزب نشطون في طول سوريا وعرضها دفاعاً عن النظام السوري.
رغم
تأكيد الثوار السوريين وأطراف عديدة تورط "حزب الله" في الأتون السوري،
فقد كان الحزب ينفي على الدوام، ويطالب الفريق الآخر المؤيد للثورة السورية
بالوقوف على الحياد!
في7/2/2012
نفى السيد حسن نصر الله الاتهامات الموجهة لحزبه بالتورط في الدم السوري، وسقوط
قتلى للحزب في المعارك، قائلاً: "فليدلنا أحد على هذه الجثث"، وفي
16/2/2012 نقل نصر الله الاتهامات الموجهة إلى حزبه نحو خصومه فقال: "لماذا
لا تقفون على الحياد؟ هذه المشاركة الميدانية ألن تترك أثرها على العلاقات بين البلدين؟!".
وفي 15/4/2012 لفت نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إلى "وجود
محاولات اليوم في لبنان لإثارة قضايا هامشية كوجود مقاتلين للحزب في سوريا"،
مؤكداً أن "سوريا لا تحتاج إلى عناصر أو قوات من حزب الله فلديها شعب وإدارة
قويان، وكل ما يقولونه ليس صحيحاً"! وفي 18/4/2012 دعا النائب عن "حزب
الله" علي فياض الدولة للتحرك ضد سياسيين وصحافيين دعوا إلى تسليح الداخل
السوري، معتبراً أن "عدم تحرّك الحكومة يطيح بأهم مرتكزات اتفاق
الطائف". وفي 28/5/2012 أعلن نائب رئيس المجلس التنفيذي للحزب الشيخ نبيل
قاووق بحزم ووضوح أن "حزب الله لم ولن يقاتل في سوريا"!
شجعت
هذه المواقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان للتحرك، تداركاً منه لتورط أكبر، يدمر
الأمن السياسي والاجتماعي في البلد كلياً. دعا سليمان في 11/6/2012 إلى لقاء في
بعبدا لأقطاب هيئة الحوار الوطني، وصدر تالياً "إعلان بعبدا" الذي ينص
على "عدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرّاً أو
ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين".
لم
يمض وقت طويل على هذا الإعلان الذي وقّع عليه "حزب الله" حتى قُتل في
سوريا المسؤول العسكري للحزب في منطقة البقاع، حسين ناصيف المعروف بأبي العباس
(30/9/2012)، فخرج الحزب عن سياسة الإنكار، وأقر بتورطه في سوريا، على النحو
المعروف، بما في ذلك احتلاله مدينة القصير وتوزيع جمهوره الحلوى وإطلاقهم الرصاص
ابتهاجاً، وصولاً إلى قول الأمين العام لـ"حزب الله" مؤخراً: "إذا
احتاجت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين التكفيريين أن أذهب أنا وكل حزب الله إلى
سوريا، سنذهب إلى سوريا" (16/8/2013).
وبما
أن هذا الكلام يناقض إعلان بعبدا؛ فقد عملت ماكينة "حزب الله" الإعلامية
والسياسية على دعاية مفادها أن الإعلان انتهى لأن الفريق الآخر خرقه قبل "حزب
الله"، فيما طوّر النائب محمد رعد هذه الدعاية في 14/8/2013 بقوله: "إن
إعلان بعبدا ولد ميتاً منذ ولد، لأن الطرف الآخر قد رمى بكل سلاحه وبكل مسلحيه
وبكل مهربيه وبكل الموانئ التي استقبلت البواخر التي تحمل السلاح للتدخل بالجوار،
لم يبقِ هؤلاء من إعلان بعبدا إلا الحبر على الورق" (موضوع السفينة التي لمّح
إليها رعد كان قبل الإعلان لا بعده).
نتيجة
لما سبق فقد بات لبنان مرتبطاً كلياً بما يجري في سوريا. الحكومة في هذا المجال
تتحمل مسؤولية كبيرة جداً، لأنها غطت الحزب وسكتت عن مشاركته في لعبة الموت
طويلاً. ليس هذا فحسب؛ بل لأن وزير الخارجية فيها عدنان منصور استمر في التغطية
والإنكار حتى بعد أن أقر الحزب نفسه بما يفعل، ففي 27/2/2013 قال منصور بهدوء
عجيب: "لا صحة لما يتم تداوله عن وجود مقاتلين لحزب الله داخل سوريا. هناك
قرى لبنانية وسكانها لبنانيون موجودون داخل الأراضي السورية، وما حصل هو دفاع عن النفس
من قبل هؤلاء"!
اللافت
أن "حزب الله" برر مشاركته بالقتال في سوريا بحماية لبنان وأمن لبنان،
لكن النتيجة كانت أن قتاله في سوريا أضر بلبنان وأمنه، وتحديداً بجمهوره الذي باسم
الدفاع عنه ذهب إلى سوريا، إذ لأول مرة تُخترق حصون "حزب الله" الأمنية،
في سيارات مفخخة، مرتين على التوالي، وتقصف الضاحية بالصواريخ، وتقصف قرى بقاعية
مرات ومرات.
وزاد
الطين بلة التوتر الداخلي نتيجة مشاركة "حزب الله" في القتال في سوريا،
ولعل أبلغ تجليات هذا التوتر الفلتان الجاري في البقاع، استهدافاً لمواكب للحزب،
والقتل والخطف المتبادل بين الحزب ومعارضيه... وصولاً إلى كمين اللبوة الذي استهدف
رئيس بلدية عرسال، فأصابه وقتل مرافقه، بعد عملية تبادل للمخطوفين، ما زاد من
التوتر في المنطقة.
ثم
جاء التفجير المزدوج في طرابلس (23/8) ليظهر أن مصير البلد كله مرهون بالأوضاع في
سوريا، وأن المخابرات السورية مصرة من طرفها على تفجير البلد، وأن "حزب
الله" بعلم أو من دون علم - منساق معها في هذا المنزلق الخطير، أقله في الشق
المعلن، المتمثل بمواقف الحزب عقب تفجير الرويس الأخير، واتهامه
"التكفيريين"، وإعلان أنهم من السنة، وتسريبه للإعلام أسماء عمن يعتبرهم
"تكفيريين" وحاضنيهم (من بينهم إماما مسجدي التقوى والسلام؛ الشيخان
الرافعي وبارودي)، وإصداره بياناً باسم كتلة "الوفاء للمقاومة" يسمي فيه
طرابلس "عاصمة التكفيريين وبعض 14 آذار". (عندما وقع انفجارا طرابلس عزف
"حزب الله" على وتر أن الفاعل واحد من الجماعات التكفيرية، مع أنه كان
اعتبر سلفيي الشمال تكفيريين؛ لكأنه يقول: التكفيريون فجروا أنفسهم)!.
بقدر
ما يظهر اليوم عمق الجرم الذي أقدمت عليه حكومة ميقاتي بتغطيتها تورط "حزب
الله" بالدم السوري، وتحول وزارة الخارجية مدافعاً عن النظام السوري، بقدر ما
يظهر أهمية ابتعاد الحزب عن الأتون السوري، ليس من أجل المحافظة على حد أدنى من
الحياة السياسية والأمنية في البلد فحسب، وإنما من أجل الحفاظ على ما تبقى من عيش
مشترك بين مكونات الطيف اللبناني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق