الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-10-05

الاسلام و المواطنة - كتبها : د محمد دامس كيلاني

أبدع الاسلام – الدين و الدولة و الحضارة – كامل المساواة في حقوق المواطنة و واجباتها وذلك قبل أربعة عشر قرن.... حينها كانت الحضارات الأخرى و الدول لاتعترف أبدا بالآخر ... حيث  كان المواطنون في أثينا هم الأحرار الأشراف الملاك من اليونان , و سواهم برابرة ليس لهم أية حقوق .... ولم تكن الحال عند الرومان بأحسن أبدا ...... ليكون الاسلام هو الذي استطاع تقنين و اقرار و تطبيق كامل المساواة بين الأمة و الرعية في الدولة الاسلامية .... في حرمة الأنفس
... و العقائد ... و الدماء ... و الحريات ... والأموال ... والأعراض ... وفي تكافؤ الفرص ولهذا فتحت الأبواب مشرعة أمام كل النحل و الملل و المذاهب  فأسرعوا للمشاركة في بناء هذه الحضارة الاسلامية و صنع التاريخ الاسلامي.


المواطنة : تفاعل بين الانسان المواطن و بين الوطن الذي ينتمي اليه و يعيش فيه ... وهي علاقة تفاعل كاملة , لأنها ترتب للطرفين الحقوق و الواجبات وهنا لابد لقيام المواطنة الحقة أن يكون انتماء المواطن و ولاؤه كاملين للوطن , يحترم هويته و يؤمن بها و ينتمي اليها و يدافع عنها , وذلك بكل مافي عناصر هذه الهوية من ثوابت اللغة و التاريخ و القيم و الآداب العامة و الأرض التي تمثل وعاء الهوية و المواطنين .... و ولاء المواطن لوطنه يستلزم منه البراء من أعداء هذا الوطن , و كما أن للوطن هذه الحقوق على المواطن , فان لهذا المواطن على وطنه و شعبه و أمته حقوقا كذلك , و من أهمها المساواة في تكافؤ الفرص , و انتفاء التمييز في الحقوق السياسية و الاجتماعية والاقتصادية بسبب الاعتقاد و اللون و الطبقة , مع تحقيق التكافل الاجتماعي الذي جعل الأمة و الشعب جسدا واحدا.
ان التطور الحضاري الغربي لم يكن ليعرف المواطنة الا بعد الثورة الفرنسية وكان ذلك بسبب التمييز على أساس الدين ( بين الكاثوليك و البروتستان ) و على أساس اللون في التمييز بين اللونين و على أساس الجنس وسببه التمييز ضد النساء و على أساس العرق بسبب الحروب القومية , أما المواطنة الكاملة في الواجبات و الحقوق فلم تقترن الا بالاسلام و بتأسيس الدولة الاسلامية الأولى في المدينة المنورة على عهد النبي محمد صلى الله عليه و سلم لأن الانسان - في الرؤية الاسلامية – هو مطلق الانسان ... و التكريم الالهي جاء لجميع بني آدم ... و أن الخطاب القرآني الكريم جاء موجها أصلا الى عموم الناس وأن معايير التفاضل هي معايير التقوى و أبوابها مشرعة أمام الجميع و استطاعت الدولة الاسلامية أن تضع فلسفة المواطنة في التطبيق و الممارسة , ثم قننتها بالعهود و المواثيق الدستورية منذ السنة الهجرية الأولى ..... حيث نتذكر جميعا أول دستور لهذه الدولة جاء فيه (( تأسست الأمة على التعددية الدينية , وأن لهم النصر و الأسوة مع البر من أهل هذه الصحيفة ...يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين ... على اليهود نفقتهم و على المسلمين نفقتهم , وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة , وأن بينهم النصح و النصيحة و البر دون الاثم ...)) هكذا تأسست المواطنة , بالاسلام في الدولة الاسلامية عندما جمعت الأمة أهل الديانات المتعددة على قدم المساواة لأول مرة في التاريخ .
لو شئنا البحث في بدايات العلاقات بين سلطة الدولة الاسلامية ( على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ) و بين المتدينين بالنصرانية ( نصارى منطقة نجران سنة 10 للهجرة ) تم اقرار كامل المساواة في حقوق المواطنة و واجباتها بالعهود و المواثيق و الشعار في ذلك (( لهم ما للمسلمين  و عليهم ما على المسلمين )) وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا شركاء للمسلمين فيما لهم و فيما عليهم.
و عندما أباح الاسلام زواج المسلم من الكتابية ( اليهودية و النصرانية ) أسس ذلك على شرط احترام عقيدتها الدينية احتراما كاملا و اشترط موافقة الأهل .
كل حقوق المساواة في المواطنة التي قررها الاسلام لغير المسلمين في الدول الاسلامية (( لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين ... و حماية الأنفس و الدماء و الأموال و الأعراض وأماكن العبادة و الحريات هي في مقابل الولاء الكامل للوطن و الانتماء الخالص للمجتمع و الدولة و الأمة وهي واجبات  على كل المواطنين المسلمين منهم و غير المسلمين )) ولقد نص عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم للنصارى على الحرية الدينية فجاء فيه (( ولايجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الاسلام )) ( ولاتجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم و قولوا آمنا الذي أنزل الينا و أنزل اليكم و الهنا و الهكم واحد و نحن له مسلمون – صدق الله العظيم سورة العنكبوت الأية 46 ).
اذا كانت السنة النبوية بيان نبوي للبلاغ القرآني ... فاننا نجد أن هذه العهود النبوية الكريمة التي قننت حقوق المواطنة و واجباتها انما هي ( سنة نبوية قولية ) لكنها سرعان ماتحولت الى ( سنة نبوية عملية ) وصارت لاتسمح لأي اجتهاد أن يخالفها وذلك بصرف النظر عن مقام صاحب الاجتهاد المخالف .

لقد شهد التاريخ الاسلامي آراء مخالفة و مختلفة ازاء غير المسلمين في المجتمعات الاسلامية ولقد كانت بأغلبها لظروف سياسية ... أو لمخاطر خارجية .... و يبقى الاسلام هو كتاب ربنا سبحانه و تعالى و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولن نجد في غيرهما الحكم العادل في قضية ( المواطنة ) و ( الوحدة الوطنية ) التي قررها الاسلام الحنيف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق