أبدع
الاسلام – الدين و الدولة و الحضارة – كامل المساواة في حقوق المواطنة و واجباتها
وذلك قبل أربعة عشر قرن.... حينها كانت الحضارات الأخرى و الدول لاتعترف أبدا
بالآخر ... حيث كان المواطنون في أثينا هم
الأحرار الأشراف الملاك من اليونان , و سواهم برابرة ليس لهم أية حقوق .... ولم
تكن الحال عند الرومان بأحسن أبدا ...... ليكون الاسلام هو الذي استطاع تقنين و
اقرار و تطبيق كامل المساواة بين الأمة و الرعية في الدولة الاسلامية .... في حرمة
الأنفس
... و
العقائد ... و الدماء ... و الحريات ... والأموال ... والأعراض ... وفي تكافؤ
الفرص ولهذا فتحت الأبواب مشرعة أمام كل النحل و الملل و المذاهب فأسرعوا للمشاركة في بناء هذه الحضارة
الاسلامية و صنع التاريخ الاسلامي.
المواطنة
: تفاعل بين الانسان المواطن و بين الوطن الذي ينتمي اليه و يعيش فيه ... وهي
علاقة تفاعل كاملة , لأنها ترتب للطرفين الحقوق و الواجبات وهنا لابد لقيام
المواطنة الحقة أن يكون انتماء المواطن و ولاؤه كاملين للوطن , يحترم هويته و يؤمن
بها و ينتمي اليها و يدافع عنها , وذلك بكل مافي عناصر هذه الهوية من ثوابت اللغة
و التاريخ و القيم و الآداب العامة و الأرض التي تمثل وعاء الهوية و المواطنين
.... و ولاء المواطن لوطنه يستلزم منه البراء من أعداء هذا الوطن , و كما أن للوطن
هذه الحقوق على المواطن , فان لهذا المواطن على وطنه و شعبه و أمته حقوقا كذلك , و
من أهمها المساواة في تكافؤ الفرص , و انتفاء التمييز في الحقوق السياسية و
الاجتماعية والاقتصادية بسبب الاعتقاد و اللون و الطبقة , مع تحقيق التكافل
الاجتماعي الذي جعل الأمة و الشعب جسدا واحدا.
ان
التطور الحضاري الغربي لم يكن ليعرف المواطنة الا بعد الثورة الفرنسية وكان ذلك
بسبب التمييز على أساس الدين ( بين الكاثوليك و البروتستان ) و على أساس اللون في
التمييز بين اللونين و على أساس الجنس وسببه التمييز ضد النساء و على أساس العرق
بسبب الحروب القومية , أما المواطنة الكاملة في الواجبات و الحقوق فلم تقترن الا
بالاسلام و بتأسيس الدولة الاسلامية الأولى في المدينة المنورة على عهد النبي محمد
صلى الله عليه و سلم لأن الانسان - في الرؤية الاسلامية – هو مطلق الانسان ... و
التكريم الالهي جاء لجميع بني آدم ... و أن الخطاب القرآني الكريم جاء موجها أصلا
الى عموم الناس وأن معايير التفاضل هي معايير التقوى و أبوابها مشرعة أمام الجميع
و استطاعت الدولة الاسلامية أن تضع فلسفة المواطنة في التطبيق و الممارسة , ثم
قننتها بالعهود و المواثيق الدستورية منذ السنة الهجرية الأولى ..... حيث نتذكر
جميعا أول دستور لهذه الدولة جاء فيه (( تأسست الأمة على التعددية الدينية , وأن
لهم النصر و الأسوة مع البر من أهل هذه الصحيفة ...يتفقون مع المؤمنين ماداموا
محاربين ... على اليهود نفقتهم و على المسلمين نفقتهم , وأن بينهم النصر على من
حارب أهل هذه الصحيفة , وأن بينهم النصح و النصيحة و البر دون الاثم ...)) هكذا
تأسست المواطنة , بالاسلام في الدولة الاسلامية عندما جمعت الأمة أهل الديانات
المتعددة على قدم المساواة لأول مرة في التاريخ .
لو شئنا
البحث في بدايات العلاقات بين سلطة الدولة الاسلامية ( على عهد رسول الله صلى الله
عليه و سلم ) و بين المتدينين بالنصرانية ( نصارى منطقة نجران سنة 10 للهجرة ) تم
اقرار كامل المساواة في حقوق المواطنة و واجباتها بالعهود و المواثيق و الشعار في
ذلك (( لهم ما للمسلمين و عليهم ما على
المسلمين )) وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا شركاء للمسلمين فيما لهم و فيما
عليهم.
و عندما
أباح الاسلام زواج المسلم من الكتابية ( اليهودية و النصرانية ) أسس ذلك على شرط
احترام عقيدتها الدينية احتراما كاملا و اشترط موافقة الأهل .
كل حقوق
المساواة في المواطنة التي قررها الاسلام لغير المسلمين في الدول الاسلامية (( لهم
ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين ... و حماية الأنفس و الدماء و الأموال و
الأعراض وأماكن العبادة و الحريات هي في مقابل الولاء الكامل للوطن و الانتماء
الخالص للمجتمع و الدولة و الأمة وهي واجبات على كل المواطنين المسلمين منهم و غير المسلمين
)) ولقد نص عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم للنصارى على الحرية الدينية فجاء
فيه (( ولايجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الاسلام )) ( ولاتجادلوا
أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم و قولوا آمنا الذي أنزل الينا
و أنزل اليكم و الهنا و الهكم واحد و نحن له مسلمون – صدق الله العظيم سورة
العنكبوت الأية 46 ).
اذا كانت
السنة النبوية بيان نبوي للبلاغ القرآني ... فاننا نجد أن هذه العهود النبوية
الكريمة التي قننت حقوق المواطنة و واجباتها انما هي ( سنة نبوية قولية ) لكنها
سرعان ماتحولت الى ( سنة نبوية عملية ) وصارت لاتسمح لأي اجتهاد أن يخالفها وذلك
بصرف النظر عن مقام صاحب الاجتهاد المخالف .
لقد شهد
التاريخ الاسلامي آراء مخالفة و مختلفة ازاء غير المسلمين في المجتمعات الاسلامية
ولقد كانت بأغلبها لظروف سياسية ... أو لمخاطر خارجية .... و يبقى الاسلام هو كتاب
ربنا سبحانه و تعالى و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولن نجد في غيرهما الحكم
العادل في قضية ( المواطنة ) و ( الوحدة الوطنية ) التي قررها الاسلام الحنيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق