الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-10-31

تواضع المستكبرين! – بقلم: فادي شامية

المستقبل- الأربعاء- 30-10-2013
تتشابه طبائع المستكبرين في الأرض. جميعهم يرى نفسه مُلهَماً لإسعاد البشرية وتحقيق كرامة الناس. جميعهم يرون التواضع في أفعالهم المستكبرة. جميعهم يقهر الآخرين باسم الدفاع عنهم. جميعهم متفائلون بغدٍ أفضل لاستكبارهم، فينصحون أعداءهم باقتناص ما يعرضون عليهم؛ قبل أن يأتي الزمان الموعود!.


أمين عام "حزب الله" واحد من هؤلاء المستكبرين؛ الذين يُنعمون على الناس بـ"نصائحهم" و"تواضعهم" و"محبتهم" الغامرة، في كل ظهور لهم. على جاري عادة أسلافه وأقرانه المستكبرين؛ نسب السيد حسن نصر الله لنفسه التواضع داعياً خصومه للاقتداء به والتضحية من أجل البلد. بحسبه: "هناك فرضيتان؛ الاستمرار بالتعطيل الحالي... والفرضية الثانية أن يتواضع الفريق الآخر، ونحن نتواضع عندما قبلنا بـ9-9-6 – في الحكومة- لأنها أقل من حجمنا السياسي".  

التواضع بالنسبة لنصر الله أن يفرض على اللبنانيين إستراتيجيته العسكرية، ووجوده المسلح، وسراياه "المقاوِمة". تواضعه؛ أن يستكبر على الشراكة الوطنية فيُقحم البلد رغماً عن بقية اللبنانيين في الأتون السوري، بحججٍ متدرجة. تواضعه؛ أن ينعي الدولة ويرثي حالها ثم يقوم بالنيابة عنها بما يراه مناسباً. تواضعه؛ رفع المتهمين من حزبه بجرائم إرهابية إلى درجة القديسين وتحديه الدولة والعالم أن تقبض عليهم ولو بعد ثلاثمائة سنة. تواضعه؛ أن يفرض المعادلة السياسية التي يريد بقوة السلاح، ويحيل الأغلبية النيابية أقلية بقوة السلاح، وأن يزيح حكومة كان شريكاً فيها وينصّب أخرى بقوة السلاح أيضاً.

أما تكبر الآخرين بحسب نصر الله فهو أن يقولوا: إننا شركاء يجب أن يكون لنا كلمة في إمرة السلاح واستعمالاته، وأن نرفض سرايا الزعران المنتشرة في طول البلاد وعرضه، وأن نرفض تدخل الحزب في سوريا؛ قتالاً وقتلاً واحتلالاً لأرض غير لبنانية، وأن يتمسكوا بالدولة ويرفضوا الاستقواء عليها أو السيطرة على بعض أجهزتها القضائية والأمنية، وأن يطالبوا بتسليم المتهمين بجرائم إرهابية ممن يحميهم نصر الله، وأن يرفضوا تشكيل حكومة بشروط "حزب الله".
 
في تشكيل الحكومة العتيدة؛ باتت شروط "حزب الله" معروفة: "حكومة شراكة، تضم الجميع، بحجم تمثيلهم الحقيقي"، وتحفظ للحزب سلاحه وفق ثلاثية: جيش-شعب- مقاومة، وعدا ذلك لا حكومة قابلة للتشكل، وهي إن تشكلت بلا هذه الشروط فغير قابلة لممارسة مهامها بدعوى عدم ميثاقيتها. وللمفارقة؛ لم يعتبر الحزب أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة غير ميثاقية، مع أنها لم تكن جامعة، ولم يتمثل المشاركون فيها بحجمهم الحقيقي، والأهم أن الطرف الأوسع تمثيلاً للسنة في لبنان أُقصي عنها بالكامل، ومع ذلك ظلت ميثاقية، ليس إلى لحظة استقالتها فحسب، وإنما إلى يومنا هذا الذي يبحث فيه نصر الله كيفية بعث الروح إليها من جديد، لعقد جلسة خاصة لصناعة مزارع نفط بحرية –على غرار مزارع شبعا- يتولى حزبه حمايتها، حرصاً منه على مصالح اللبنانيين وثروات أجيالهم المستقبلية.

من قال إن المستكبرين لا يقرؤون في الكتاب، أو يستندون إلى نصوص الدستور. معهم يتطور ويتكيف النص. "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك" تطور مفهومها باتجاه إعطاء الطوائف – سيما الطائفة التي يمثلها الحزب- حق "الفيتو" لتعطيل الحياة السياسية، وتجويف الديمقراطية القائمة أساساً على حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية. وفيما بعد صار سلاح الحزب جزءاً من هذه الميثاقية الكيانية، بحسب النائب نواف الموسوي.

لا يقبل الحزب، وفق مفهومه للميثاقية (التي صيغت أساساً لحفظ الشراكة الإسلامية- المسيحية)، أن يسمي أي رئيس حكومة وزيراً شيعياً واحداً، إلا إذا باركه الحزب، وفي حال لم تحصل المباركة، يكون الوزير غير ممثل لطائفته، لكن الأمر لم يسر على نجيب ميقاتي، ولا على وزراء سنة في الحكومة الحالية، لا أحجام تمثيلية لهم كحسان دياب ووليد الداعوق (مع الاحترام لشخصيهما).

لم يقبل الحزب الاعتراف بحكومة فؤاد السنيورة الثانية. وصفها بالعرجاء والبتراء وغير الميثاقية، لأن وزراء شيعة استقالوا منها، وقد منع الحزب توزير آخرين من الطائفة نفسها، لكنه اليوم يريد من حكومة مستقيلة كلها أن تصدر مراسيم تشريعية في موضوعات بالغة الحساسية، وأن يعقد المجلس النيابي جلسات تشريعية، مع أنه أقفل عبر الرئيس نبيه بري مجلس النواب لعام ونصف بسبب نقص الميثاقية –المدعاة- في الحكومة.  

لن يقبل الحزب – بحسب نصر الله- تشكيل حكومة إلا وفق أحجام القوى السياسية في مجلس النواب، وصولاً إلى صيغة 9-9-6، التي تضمن له الثلث المعطل، مع أنه لا يوجد نص في الدستور، يقول إن الحكومات تستنسخ أحجام الكتل فيها من مجلس النواب، وإنها تفقد ميثاقيتها إذا لم يحصل ذلك، لأن الدستور ينص على استشارات ملزمة وثقة في المجلس النيابي ليس إلا، وفي الأحوال كلها؛ فإن الحكومة التي أتى بها الحزب برئاسة ميقاتي لم تكن كذلك، ولم يكن وزراؤها ممثلين حقيقيين لشارعهم، وبعضهم كان راسباً في الانتخابات، وأبعد من ذلك؛ فإن اشتراط الشراكة في الحكومات لا سنداً قانونياً له، فمن باب أولى أن حجم الشراكة ليس شرطاً في الدستورية أو الميثاقية، مع العلم أنه لا أساسَ راهناً لشراكة حكومية، في ظل مشاركة الحزب نظام الأسد حربه على الشعب السوري، ولا أرضية لبيان حكومي مشترك، إلا بالضحك على الناس، والتلاعب بألفاظ اللغة العربية، التي لن تصمد أمام الواقع... وتجربة حكومة سعد الحريري الأخيرة خير شاهد على ذلك.

إن من طبائع المستكبرين؛ التفاؤل بالمستقبل ونسبة الأعمال غير الصالحة لخصومهم. السيد نصر الله عرّض في خطابه الأخير (28/10) بـ "فريق في لبنان ربط كل شيء بانتظار ما يجري في سوريا على قاعدة الانتظار"، لكأن الانتظار –على فرض صحته- شيْنٌ، فيما رهن البلد كله وإقحامه في الحرب السورية زيْن.   

وبما أن الزمن الآتي دائماً لصالح نصر الله، كان لزاماً عليه دعوة "فريق 14 آذار وتيار المستقبل إلى عدم التأخير والانتظار (القبول بطرحه في تشكيل الحكومة) لأن التأخير سيحسن من ظروف وموقعية الفريق الآخر ونحن ننصح بعض"، وذلك بعدما لاحظ نصر الله "تطور الميدان لمصلحة الجيش العربي السوري، وعجز الجماعات المسلحة على تغيير موازين القوى، وأرجحية للنظام" والخلاصة أن "العالم كله وصل إلى أن لا حلاً عسكرياً في سوريا"، ومع أن العالم وصل إلى قناعة عدم إمكانية الحسم العسكري في سوريا –بحسب نصر الله-، فإن إعلام الحزب لا يفتأ يتحدث عن معركة القلمون القادمة التي سيزج فيها الحزب بـ 15 ألف مقاتل من الحزب!.

هل يجوز لمن يستقوي على اللبنانيين بسلاحه، ويفرض عليهم معادلاته، ويُدخلهم قصراً في رهاناته وحروبه الخارجية، ويمارس نفوذه على الدولة وأجهزتها، ويمارس الإرهاب ضد خصومه، وينشر المسلحين في البلاد، ويدعم العصابات الحليفة المسلحة، ويتلاعب بتمثيل طائفة بحجم الطائفة السنية... (هل يجوز) أن يتحدث بالنيابة عن الدولة وهيبتها، والناس ومصالحهم؟!. هل يكفي الإنسان أن يدعي شيئاً حتى يكون فيه، إذا كانت أفعاله تكذبه؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق