المستقبل- الاثنين 28 تشرين الأول 2013 - العدد 4847 - شؤون لبنانية -
ص 4
منذ
أن أصبحت الضربة الأمريكية وراء نظام الأسد، وهو يبحث عن تعويض لموافقته على تدمير
سلاحه الكيماوي. أخرجت الولايات المتحدة الكيماوي من المعادلة، وتركت الشعب السوري
لمصيره. بشار الأسد اشترى مزيداً من الوقت، ووجد "حزب الله" أن الفرصة
سانحة لتقديم مزيد من الدعم الميداني لحليفه بشار. بدأ التفكير باجتياح شامل
لمنطقة جبال القلمون، وهي منطقة شاسعة ووعرة، كانت قوات الأسد قد منيت فيها بخسائر
هائلة، من بين أفدحها السيطرة على مخازن صواريخ "سكود"، وأخرى مضادة
للدروع، وعشرات الدبابات.
تمتد
منطقة جبال القلمون بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية من عرسال حتى زحلة، وتضم بلدات
هامة مثل: صيدنايا، ومعلولا، ورنكوس، والنبك، ويبرود، وقارة، وعسال الورد وغيرها.
كما أنها تشكل جبهة خلفية للمقاتلين في دمشق وريفها، فضلاً عن التواصل الذي تؤمنه
مع عرسال، الداعمة للثورة (خط عرسال-النبك)، وفي حال سقوطها بيد النظام- "حزب
الله"، فسيعني ذلك تفوق النظام في ريف دمشق، واحتمال سيطرته على المناطق
العصية عليه في الغوطتين(عربين وزملكا وسقبا وحمورية ومسرابا...)، وفي الزبداني
وداريا وغيرها من معاقل الثوار.
بدأ
التحضير للمعركة إعلامياً منذ مدة. البروباغندا تقول إن المنطقة تضم عشرات آلاف
الإرهابيين، وهو الوصف نفسه الذي استعمله الحزب لتبرير اجتياحه القصير وريفها،
وتهجير أهلها المدنيين. بالتوازي؛ يسرب "حزب الله" منهجياً أخبار
تحضيراته للمعركة التي يقول إنه حشد له 15.000 مقاتل، وهو رقم كبير جداً بالنظر
إلى حجم الذين انخرطوا في القتال الفعلي في حرب تموز 2006.
المشهد
على الأرض، وحال القرى البقاعية المحاذية، والتعبئة الجارية توحي أن الأمر جدي
للغاية، وأن بدء الهجوم ينتظر إشارة أمين عام الحزب، الذي سيأخذ بالحسبان في حال
قرر إطلاق الهجوم؛ حجم المعركة، ومدتها لا
سيما مع قرب فصل الشتاء، وحجم الخسائر المتوقعة (تمتد المنطقة على نحو 100 كلم)...فضلاً
عن التداعيات الداخلية لها. وبديهي أن قراراً بهذا الحجم لا يمكن أن يكون قراراً
محلياً فقط، وأن الكلمة الفصل فيه ستكون لرعاة الحزب في إيران.
تداعيات داخلية
معركة جبال القلمون – في حال اندلعت- لن تكون أكثر
من معركة ضمن معارك سوريا، التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً. في القلمون مناطق
محمية للثوار، لكن كثيراً من الطرق الرئيسة يسيطر عليها جيش النظام. وسقوط المنطقة
بيد الحزب وجيش النظام واللجان الشعبية (الشبيحة) ضربة قوية للثوار، لكنها غير
قاصمة للثورة، تماماً كما حصل في معركة القصير سابقاً (يوجد اتفاق غير مكتوب سعى
إليه وجهاء يبرود؛ يلتزم فيه الثوار بعدم قطع خطوط إمداد النظام مقابل عدم قصف
معاقل الثوار لا سيما في يبرود).
وللمفارقة؛ فإن التداعيات الأهم للمعركة قد تكون في
لبنان، وليس في سوريا، ذلك أن لبنان سيكون جزءاً منها، ليس لأن الحزب هو الذي يقود
المعركة فحسب، وإنما لأن أهالي عرسال سيعتبرون أنفسهم مستهدفين بهذه المواجهة،
وتالياً فإن كثيراً منهم سينخرطون حكماً فيها، وهكذا سيتقاتل اللبنانيون وجهاً إلى
وجه فوق الأراضي السورية – مع الفارق في الأعداد والتنظيم والتجهيز والدعم ما بين
مؤيدي ومناهضي النظام السوري لصالح مؤيدي النظام-.
هذا لا يعني أن القتال سيبقى منحصراً في سوريا، فقد
حدثت مناوشات قبل أشهر، قُتل خلالها أربعة أشخاص من أبناء بعلبك- الهرمل، وقد اتهم
ذووهم أشخاصاً من عرسال، ونصبوا على إثر هذا الاتهام كميناً لرئيس بلديتها، فقُتل
مرافقه ونجا. وقبل أيام نفذ "حزب الله" عملية اغتيال لمن يعتبره مسؤولاً
عن التفجيرات في الضاحية؛ عمر الأطرش، في المنطقة التي يتحرك فيها ناشطو الثورة
السورية على الحدود اللبنانية- السورية قرب عرسال.
هذا السيناريو مرشح للتكرار، فضلاً عن التوتر
والخطف والخطف المضاد ما بين عرسال واللبوة. ليس هذا فحسب؛ فاحتمال قصف المناطق
المؤيدة للحزب بصواريخ بعيدة المدى قائم. عودة التفجيرات أيضاً؛ سواء لأسباب
انتقامية، أو بدفع من النظام السوري لتأجيج الفتن. ليس مستبعداً والحال هذه تسرب
مقاتلين سوريين إلى لبنان.
وأهم
من ذلك كله؛ ازياد الشرخ بين اللبنانيين على خلفية الموقف مما يجري في سوريا، ما
سيعني مزيداً من الشقاق الداخلي؛ الذي سيتجلى تعقيداً في الأزمات السياسية، وتوتراً
على الأرض، وتفجراً أكثر عنفاً للمعارك في طرابلس.
لا
يجوز في كل مرة تضييع المسؤوليات. من سيقرر فتح معركة القلمون هو الذي يتحمل
الخراب الإضافي الذي سيجره على لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق