الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-10-18

حبة عنقود الذعر – بقلم: شام صافي

لم يمر سابقاً على دمشق وريفها معاً وبهذا الشكل من الاتساع -مساحة وزمناً- ما مر أول أيام العيد (عيد الأضحى) ورغم ذلك لم تنقل وسائل الإعلام شيئاً مما حدث ، فقد غطى على كل الأحداث بضع أخبار مسيسة، منها مؤتمر جنيف 2 ومشاكل داعش وغير ذلك من الأحداث التي نرى نهاية مسارها وغاياته المسيسة عالمياً.

أما على الأرض ..
قابلت القذائف وقضينا وقتنا في العيد، أخبرتها أنها إن كان ولا بد أتت سأتعرف دون الرغبة بأن أقابل .. لن أجادل ودون أن أردد ما تفعل، قلت لها إنني سمعت صوتها مراراً على شاشات بلادي وألاقي في الناس أوجاعها كل يوم، لكن اليوم قابلتها وأكثر أخواتها في أول أيام العيد وجرى حديث طويل بيننا استمر لساعات.. 


لم أطلبها أبداً لكنها أتت على موعد! وقليل منها يأتين على موعد، ليس لأنها ملتزمة بالمواعيد وطيبة الأخلاق فمثلها لا يعرف للطيب مكاناً .. حينما قدمت سبقها صوت صفير مميز في غابة من سكون، لا الشوارع ولا الأبنية تتكلم ولا الناس الذين يمشون كأشباه الموتى، ولم يخرق صمت الاستقبال إلا أصوات الذعر حين انفجرت لتنفجر بعدها أصوات الرعب أو الجرحى لتضاعف الذعر أكثر من صوتها، تلك بعض عياديهم في أول أيام العيد.

للحظات كان الفضول هو السائق ولما أتت امتلك القلب زمام المبادرة حينما أسر الآذان صوتها المدمر وما تلاه.
حفلة التعارف اليوم لم تكن جميلة لكنها مميزة بما حملته وتحمله من مفاجآت القدر الذي تصنعه أيادي البشر، ساعات طويلة وصلت الليل بالنهار، ها ،، لو كانت مفرقعات نارية لاحتفال العيد لاستكثرت الدولة على شعبها هذا المقدار من فرحة العيد وتكاليفه !! ولسحبت منهم أضعافها!! أما التعاسة والحزن فلا تستكثرهم على المواطنين.

عموماً .. لنعد إلى حفلة التعارف، مع كأس الشاي المحلى بزهر الياسمين، وما أخبرتني به تلك القذيفة، أخبرتني أنها تعرفت المكان وأنها انتقلت بين أيادي العدوان على الأبرياء، أخبرتني بأنها مأمورة حركتها أصابع تريد أن تحصد أرواح الأطفال ..
لم أقترب أكثر، حدثتها على بعد خطوات أو عشرات، وقلت لها أن بقاءها بيننا وبني جلدتها بيننا سيورث المآسي .. لتقول: لهذا صُنعت ولأجل هذا أتيت.. وهذه غاية الأيادي تلك.

لم أشأ أن أضيّفها كأس الشاي الذي معي بجوار عقد الياسمين لأنها قالت أنها تشرب الدماء وتسبح في بركة منه ولا تشرب الشاي، وتحب أن تعيش شظاياها تحت القماش الممزق .. وبين زجاج البلور المكسور .. وتحب الأرق وتحب النظرات الباردة، لها نغمتان، الأولى صفير والآخر تفجير، الأول منذر بالثاني، وتلحقها أخواتها من مركب هدار يقوده أشرار ..
رغبتها أن تضنع فجوات في الوطن الممزق وأن تضنع ثغوراً في أجساد الأطفال المحرّق، وأن تنشر الذعر حيث تحل أوثانها .. رغبتها أن تسمع صوت الخوف .. وأن ترى من الأعلى وهي ساقطة آخر لحظات الفراق بين الأحبة، هي تهوى هذه اللحظات حين يكون معها اللقاء الأخير بهذه الدنيا.

حينما تنذر وتسلم العنان لصفيرها يمكن أن تسلب زوجة اقتربت من زوجها خائفة أو طفلاً احتضنته أمه أو رجلاً يشقى ليطعم أبناءه الجوعى، أو عجوزاً بين أحفاده يقص عليهم أهازيج الماضي وأفراحه وأتراحه التي تغدو مع الأهل مخففة، وحينما تصل فيالهذا الوصول ما أفظعه، ياللحظات ما قبل الوصول .. يطرق القلب ليقول: هل ستكون عندي؟! إلى أين؟ تلك اللحظات هي اللحظات التي تسأل نفسك فيها هل ستنتهي عند لحظاتي هذه الحياة؟ .. أصلاً لا تفكر لن تستطيع أن تفكر أو تعرف ما تفعل إلا بناءً على خبرتك في سابقاتها .. وقد تصيب وقد تخطئ.

قصة القذيفة قصة مرة، وهي قصة طويلة ولها حكايات عديدة في بلادي، ولها تجارب عديدة حتى أصبحت تكلمني بلهجتي، وأصبحت تعرف أنماط الوجوه التي ستقابلهم، فهي تعرف أنها ستقابل الوجوه الباردة المسلحة من شبيحة الأسد، وتعلم أن شظاياها ستمسكها أيد خبيثة لترفعها أمام عدسة التزوير .. لكنها راضية بدورها حين تتغذى على لحوم البشر وتشرب منهم حتى أصبحت تسكر.. لتلك القذيفة حكاية مريرة تسلب الناس أحبابهم وتسلبهم أعز ما يملكون وتورثهم الهم والتعب والحزن والشقاء، تلك القذيفة لم أشأ أن أسمع عنها بل سمعت منها ما تقوله ورأيت أفعالها هنا وهناك.
هي ذاتها حبة من عنقود الذعر.
شام صافي
16-10-2013


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق