الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-10-26

ذهنية العجز... وحصاد السراب – بقلم: د. سماح هدايا

منذ بداية الثورة راهن كثيرون من المعارضين والسياسيين السوريين على حلول سياسية؛ كأنْ يتنحى بشار تحت التضييق والقسر والإجبار، ويتراجع عن حربه بعد تخلي طائفته عنه، أو أن يحدث اغتيال له بالتنسيق بين من حوله واستخبارات خارجيّة..أو أن يهرب خوفا وجبنا ..أو... أو....وشاع في الأفواه والعقول مقولات كثيرة عن استحالة التغيير من دون دعم خارجي؛ فقد ترسخ بذهنية العجز الساذجة التي لديهم أن الشعب والثورة ضعيفان عاجزان عن إسقاط نظام بشار.. وبالطبع ؛ كان ذلك، كلّه، تنظيرا ساذجا ذا طابع انهزامي ، أو انتهازي لدى الخائفين من مد شعبي ثوري للأغلبيّة


والآن نجدنا نحصد هذه الروح السلبيّة الفوقيّة الانعزاليّة في هزائم المعارضة الكثيرة، وفي خسائرها الفادحة، بعد عجزها عن إقامة مشروع سياسي يؤدي إلى إسقاط نظام بشار ، واقتراح بديل منطقي مقبول متفق عليه يتعاونون كلهم على تحقيقه بعيدا عن أجندات فئويّة وتبعية غير وطنيّة. الإشكالية الحقيقية لا تكمن في ضعف الثورة، وليس في تآمر العالم الخارجي على مشاريع التحرر العربية النهضوية، بل في العقلية السياسية كلها التي تصدر ت تمثيل الثورة وحمل المشروع الوطني والسياسي؛ فهي متعالية، وماكانت تثق بطاقة شعبها، بل راحت تنافقه وتكذب عليه، وتدعي مساعدته، و لا تقوم لتدعمه بقوة ومحبة وعدل، بل تبخسه حقه. وعلى النقيض من ذلك، كانت تمارس سياسة فرق تسد وتنفذ برامج غير وطنبّة وفق مخططات أنظمة الدول الغربية والشرفية وسياساتها التي كانت وثقت بها وهرعت إليها تحت عنوان نصرة الشعوب المقهورة ودعم شرعة حقوق الإنسان، في مواجهة إرهاب الاستبداد والطغاة؛ فجرت وراءها في مشاريع سياسية كثيرة، تستجدي المساعدة والعون، وتترك العمل الجوهري على المشروع الثوري وهو إسقاط النظام ، متعامية عن الهدف الأساسي وهو نصرة الشعب المقهور الذي وقف يواجه وحيداً، أو بذخيرة مشروطة وفاسدة أنواع البطش والقتل والاعتقال والتعذيب والتشريد والنزوح والجوع الإهانة وانتهاك الكرامة تحت قضبان نظام سفاح، آملة بتحصيل دعم سياسي أو عسكري أو تسوية سياسية، تحقق طموحاتها في السلطة والحكم والمكسب والنفوذ. حتى صار لدينا ألف خطة لعدالة انتقالية، وألف مشروع لسلم أهلي، وكثير مجلدات ضخمة عن التمكين السياسي للمرأة والشباب وعن مستقبل المشاركة السياسية، وعديد منابر منتشرة للتبشير بمباديء الديمقراطية وإقامة دولة الديمقراطية المدنية العلمانية... وترسيخ عقلية التسامح (التسامح الذليل) وفي هامش ذلك كلّه، ظل نظام الإجرام يتفرج على الفوضى ويفجرها بمزيد من جنونه الأمني ومكره المكائدي، راسخا في إرهابه وعسفه، يقتل ويبطش ويبيد شعب سوريا...واستمر المعارضون يمارسون الطقوس اليومية من الثرثرة والغباء والنجومية والنقيق وصولا إلى جنيف 2 حيث التفاوض على إمضاء انكسارهم السياسي، والتصفيق لرفع الستار عن المشهد السياسي الأخير ، وهو ترسيخ بقاء المجرم ونظامه على تلة إجرامه واستمرار حكمه لعقد جديد وربما لقرن، وتنصيب بعض الوجوه التقليدية من معارضات قديمة بائدة، او من معارضة الجبهة الوطنية الانتهازية، الساقطة منذ عقود في مناصب حكومية ووزارية. ثم صبغ الواقع القائم بهالة من الشرعية والمشروعية برعاية من أصدقاء سوريا. وكأن الشعب السوري قدم كل هذه التضحيات العظيمة من أجل تيجان هؤلاء السفلة، ومن أجل شرعنة بقاء سلطة الأشرار واستمرار سلالة الأسود النتنة. وكأن الثورة صفقة في منصب ورقم في حكومة شكلية. ببساطة لا حل أمام الشعب إلا أن يتابع السير في مشروع الثورة لانتزاع حقه مهما دفع من دمه وعيشه؛ لأن الثورة تسير إلى الأمام بأوامر القدر التاريخي، ولا تنظر للوراء لتلتقط الضائعين وتتعثر بما مضى. وكل الهاربين منها خوفا وجبنا وجهلا وتخاذلا خاسرون جدا ، وواهمون بسراب نجاة. أما حزمة الشروط التي تعطيها المعارضة، وحزمة الإملاءات يفرضها شركاء النظام؛ فهي مزيد من انزلاق أشد في البلاء والانحطاط والهزائم وهدر الوقت. لا حل إلا الاصطفاف مع الثورة وشد الصفوف الثوريّة، والعمل بجديّة والتزام وتنازل عن المكاسب الفردية والتيجان النخبويّة من اجل تحرير الأرض من نظام بشار كلّه ومن منظومة الاستبداد كاملة.
د. سماح هدايا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق