في معرض الحديث عن هذا الجزء أولاً نود أن نشير إلى أن هذه المشاكل قد تظهر في حالات، هي من باب التوقعات التي شوهد أنها تلي حروباً أخرى والتي قد تنطبق على حالات في الوضع السوري، إذ هي ثورة قاسية، وهذا القسم من باب الاطّلاع على ما يمكن ظهوره بين فئات الشباب من إشكالات تلي مرحلة العنف المفرط -على اختلاف أشكاله وأساليبه- التي يمارسها النظام ضد شعبه بمشاركة دولية وبصمت عربي مشين وفي ما يلي بعض هذه الإشكالات تم فرزها تحت أربعة بنود أساسية: الجانب الاجتماعي – الجانب النفسي – الجانب الدراسي – الجانب العسكري، وسيتم عرض الأقسام الثلاثة الأولى في هذا الجزء والذي يمثل الجزء الثالث، أما الجانب الأخير الناجم عن التسليح فقد أفرد لوحده في قسم تال هو القسم الرابع:
أولاً: الجانب الاجتماعي:
قد يتم شهود تحطيم الثقة العامة المتبادلة
والذي مبتدأه ما قبل الثورة استمر خلالها ولا بد أن تبقى بعض آثاره أو تبعياته لزمن
بعدها، فمع تجريد الإنسان من إنسانيته يكون نهباً للدوافع والنزوات العدوانية خلال
فترة العنف. وكشفت الأنانية وظهر الابتزاز والاستغلال الشخصيان والفرديان والخيانة
وتم نشرهما على أنهما الأصل هذا وإن توظيف هذا بغير حجمه الحقيقي أحياناً جعل منه الظن
بأنه الأصل .. فالسيء هو ما يطفو على السطح ومن السهل نشره وتعميمه لأنه الأكثر ذكراً
في واقع مؤلم شديد الألم أما المناحي الإيجابية فقد يجري تغطيتها نظراً للحاجة الشديدة
التي تبتلع كل جهد دون أن يظهر أثره الكافي المشبع، فالتكافل كان موجوداً ولكن الدمار
والخراب الفظيع كان يبتلعه بسرعة لكثرة الحاجة. كما حاول النظام باستراتيجيته التدميرية
أن يدمر الأماكن المتكافلة ليحيجها إلى الأقل تكافلاً ويسلبها عزها فعزز "المناطقية"
بهذا من حيث قد لا ندري رغم أن استمرار الثورة ساهم في دك تلك الأفكار بعد أن شرب الجميع
من نفس الكأس فالهمجية طالت الجميع في النهاية دون أن يتحقق الغرض منه. والكثير من
المشاكل سوف تواجه الشباب والشابات الذين يعانون أساساً من انعدام الثقة بالمجتمع الذي
أدى عندهم إلى انعدام الثقة بالنفس خاصة وأن خيبة أملهم بالنسبة لفهم وتفهم العالم
والمصالح وطبائع الناس عموماً عززت مشاعر السوداوية تجاه الجميع .. وفي بعض الأحيان
لكثرة رؤية الخذلان المفرط للثورة السورية من الممكن أن يسيطر الإحساس بعدم الجدوى
في شيء من الحياة في ظل أوضاع الحرب وما بعدها لسنوات ..
ثم إن فقد أحد أفراد الأسرة أو في
كثير من الأحيان أكثر من فرد وقد تكون العائلة والأهم والأكثر على الإطلاق هو ما حدث
من تعطيل لقدرات أحد أفرادها "معاق الحرب" بحيث تمثل استمرارية حياته العاجزة،
بالنسبة للأسرة والفرد شهادة دائمة تذكرهم بويلات الحرب وبمعاناتها، ومن هنا فالجانب
الاجتماعي ينعكس على جانب آخر يتمثل بالشاب أو الشابة أنفسهم ..
ثانياً: الجانب النفسي:
إن مما يفعله الاقتتال في الحرب الدامية
شديدة الألم أنها لا تتوقف عند دمار المؤسسات وقتل الأبرياء بل يتعدى ذلك إلى دمار
النفوس وتطلعاتها نحو المستقبل وإلى فقدان ثقة المواطن بنفسه وبأخيه الإنسان وهذا هو
الأخطر لأن التدمير الذي حصل في سورية تدمير ذاتي بمعنى أن السوري هو المسؤول الأول
عن قتل أخيه السوري وحتى عن قتل نفسه حتى وإن كان النظام يستخدم أحد الفريقين المؤيد
له لقتل الفريق الآخر، (طبعاً مع الإشارة إلى أن من يشنع هذا التشنيع المفجع ترد بعض
الأخبار بأن جزءاً منهم مستوردون من إيران أو لديهم عقد غير طبيعية من السوريين الذين
تربوا على أيدي النظام ومن عَظمه المفرط في الإجرام)، والأخطر من هذا سيكون في حق من
أكره على القتل والتدمير مقابل وهم سلامته وسلامة عائلته الذين لحقهم الدمار والقتل
فيما بعد، وهذا من أبرز ما يمكن أن يواجه الشبيبة فضلاً عن الإنسان السوري عموماً،
لذا فقد يتوقع اضطرابات تستدعي دق ناقوس الخطر على مستوى الشاب والمجتمع.
ومما ينبغي الانتباه له هو أن تعب
الأعصاب لا يظهر فعلياً إلا خلال الراحة وعودة الجسم إلى نمطه الوظائفي الطبيعي الاعتيادي،
وعلى مستوى النفس أيضاً من الممكن ظهور أعراض نفسية عميقة متنوعة وعنيفة كالانهيار
النفسي والعصبي واضطراب توازن وحدة الجسم وفقدان الثقة بالنفس وبالآخرين ومختلف الاضطرابات
النفسية المتنوعة ترافق حالة الإرخاء وشبه الارتياح من القصف والتدمير العنيف المميزة
للمرحلة التالية للثورة مع بدء استعادة الاستقرار. فبالنسبة للشباب اليافعين الذين
بدأ وعيهم للحياة في ظل الثورة وكثير منهم ساهم بتحقيقها وشهد شتى أنواع القصف والقذائف
التي تجاوز صداها قدرة الجهاز العصبي على الاحتمال فالعديد منهم معرض لشتى أنواع الاضطرابات
الجسدية والنفسية خاصة وأن بداخل كل إنسان ميولاً طبيعية نحو أنواع معينة من المرض،
وما يميز الإنسان السوي عن المريض هو فرق كمي لا نوعي بمعنى أن سيطرة السمات المرضية
على شخصية الفرد ومن ثم على سلوكه هي محددها التي تميزه ككائن مريض. وهنا تجدر الإشارة
إلى واقع يرتبط بالصامتين وغير المتفاعلين مع الثورة يتمثل بأنها معرضة أكثر من غيرها
.. للأمراض النفسية والعضوية بمعنى أن السلبيات الناتجة عن الحرب وعن حمل السلاح بوجه
خاص يترجم عندها إلى مدلولات نفسية كالانفعالات والصراع الداخلي والكبت والعقد النفسية،
لأن الآخرين حققوا غاياتهم ومرادهم سواء من دعم الثورة فكانوا جزءاً منها فعبروا عن
أنفسهم وسواء من كان مع النظام وانخرط في عدائيته للشعب فقد عبر عن نفسه أيضاً.
هناك اضطرابات ما يبدو أنه مرتبط بدور
الأسرة التي تشكل المنطلق الأساسي لنمو شخصية الفرد وتطورها، فقد يظهر عند شبيبتنا
تشوش كي لا نقول اضطراب، على مستوى نضج الشخصية وضعف في الأنا المميزة لهذه الشخصية
تؤدي إلى خوف قد يصل إلى حدود المرض من "تحمل المسؤوليات المترتبة عليها"
.. وذلك مرتبط وبشكل وثيق باضطراب الصورة والدور اللذين على الأهل توفيرهما كي يتمكن
المراهق من التماهي بهما فيكتسب بالتالي صفات الرجولة أو الأنوثة وصفات الإنسان الراشد
المستقل. خاصة وأن النظام قبل أن يترك البلاد جهد في سلب أغلب الناس من إرادتهم ووظيفة
حياتهم في منع الزوج مثلاً من حماية زوجته والأب من حماية أسرته وكسر ذلك بكثير من
السبل من خلال تخويفهم بالممارسات كلها سواء عند كل حاجز أو المداهمات أو الاعتقالات
التي كانت تتقصد إرادته وخصوصيته فضلاً عن كرامته فتنتهك كل حقوقه كما ينطبق على الأم
أيضاً في حماية أطفالها حين تعتقل أسرة كاملة مثلاً مع أطفالها ولو كانوا رضّع.
إن الآثار النفسية يمكن أن تظهر عبر
حالات عصبية أو جسدية وأخرى نفسية لا بد أن يتأثر بها المجتمع ككل فتنعكس عليه بالضرورة،
فمن الاضطرابات التي قد تظهر ضعف الأنا، ضعف الثقة بالنفس، اضطراب الهوية، النكوص،
الانهيار النفسي، الصدّ، الكبت، الاتكالية المفرطة على الأهل والآخرين، السلبية، الميول
الفصامية والانطواء على النفس، الشعور بالذنب الذي تعدى الحدود المعقولة، الشعور بالكآبة
والعزل والإبعاد من قبل الأهل. قد يتعرض البعض
لهواجس الانتحار لشدة الاكتئاب ولفقدان الشعور بقيمة الحياة وفراغها .. من يعاني تشوهاً
ما أو أصحاب الإعاقات ومن نظرات الشفقة له، وقد يعاني البعض من الوحدة بسبب عدم اهتمام
الآخرين المستمر على نفس الوتيرة كما يتوقع منهم، أو لشعوره بالحاجة لهم، ونظراً لاختلاف
نمط الحياة عليه وعودتها إلى وضعها الطبيعي بالنسبة لبقية الناس أما هو فيبقى على حاله
وكل فقدان يذكر المرء بالمأساة.
ثم إن فقدان المنازل والأملاك من ضمن
المؤثرات على النفس البشرية ولا شك فـ "البيت" يغذي باستمرار الحاجة النفسية
إلى الشعور بالأمان والحماية والسكن، كما أنه يرتبط بشكل رمزي ومكثف مع الماضي بكل
ما يحمله من معاني وتجارب وخبرات مؤلمة وسارة ويرتبط مع الطفولة والمراهقة والشباب
والزواج والهرم والعلاقات مع الآخرين وبدايات الدراسة والعمل و و.. وعندما يفقد الشخص
بيته في ظروف الحرب ويصبح لا مأوى له يصبح في حالة خوف وتوجس مستمر، يبحث دوماً عن
الشعور بالأمان والحماية، ويتخلى عن أحلامه الشخصية وتوكيد ذاته وما مُنح من المواهب
والقدرات. متراجعاً في سلم الترقي الشخصي والاجتماعي والأكاديمي، بعض الأشخاص يتموضع
الخوف في ذواتهم ويعشش، ويبدأ بإفراز اضطرابات وهيجانات نفسية وزلازل تهز كيانهم النفسي
هزاً عنيفاً كاضطراب القلق العام واضطراب الهلع وعدم التكيف والكآبة والذهان أحياناً.
وليس هذا يحصل لجميع للحالات أبدا
بل في حالات قليلة لا تتجاوز 10%، وخاصة إذا ارتبط "فقد البيت" مع قيمة مقدسة
عند الشخص.
هناك ممن قاموا بالحراك -بغض النظر
عن طبيعته حسب مراحله- ونجحوا حتى النهاية منهم من سيتمرد على كل شيء وآخرون سيكونون
ذوو رد فعل الشعور بالعجر ممن تأثروا بضراوة هذا الصراع الشديد طويل الأمد أو كانوا
بالأصل سلبيين ولم يعنيهم أمر البلاد وما كان لهم موقف بل كانوا مسلوبي الإرادة أو
حتى التفكير، فلم تغير فيهم الثورة شيئاً بخصوص العمل وفق الإرادة.
ثالثاً: الجانب الدراسي:
وعلى صعيد الواقع الدراسي للشبيبة
هناك تأخير كثيرين عن دراستهم لمدة سنتين دراسيتين وإن لم يكن بالكمية فبالنوعية، لا
شك أن من درس في هذه الفترة لم يتلق الكم ولا النوع اللازم من التعليم عدا عن تفاوت
ذلك بين المحافظات عدا عن إهمال الواجب الدراسي إضافة للاجتماعي نتيجة عجزها عن التركيز
الذهني أو للواقع والظروف الصعبة التي رزح تحتها البلد كله مدة طويلة.
رابعاً: المشاكل الناجمة عن
"الشباب والتسليح"
رابعاً: الجانب العسكري والناجم عن
التسليح:
لقد كان لقرار الانخراط في حمل السلاح
بعد أن جر النظام الثوار لذلك آثار سلبية على الشبيبة مترتبة عليه ينبغي تفنيدها، لغاية
المساعدة في التخطيط لمرحلة ما بعد سقوط النظام.
• إن امتلاك السلاح للعديد من الشبان وانخراطهم في كتائب الجيش الحر،
سيؤثر على مفهوم الأب والمعلم والرئيس في العمل وفي الدولة ومفهوم القائد وكل ما له
علاقة بكون الشاب مرؤوساً أو تابعاً في أي مجتمع هادئ سليم، لأن من يملك السلاح هو
من يحمي وهو من يسيطر على الساحة وهو من يتحدى الموت، فمن تحدى الرئيس سيسهل عليه تحدي
كل شيء من سلطة وحتى قانون أيضاً، إذ قد توسعت تحدياته بالشكل الأوسع التي قد تشمل
حتى الدول، فكثير مما يتم مشاهدته عند رؤية الأفراد المسلحين سواء من الجيش أو غيره
التابعين للنظام يبدون وكأنهم يطيرون فرحاً وأنهم بحملهم السلاح أصبحوا كائناً مختلفاً
تماماً عمن هو مجرد منه.
• نتيجة أن ساهم الشباب في الأعمال المسلحة -التي سيطرت في مرحلة ما على
المسرح الاجتماعي- الذي استكمل تطور شخصيته ونموها ضمن إطاره فتزعزع توازنه النفسي
المسؤول عن تحقيق ذاته واكتمال كيانه ضمن إطار المجتمع.
• هذا وقد يجد اليافع نفسه خلال الحرب بحل من كل التزام أخلاقي فالجماعة
التي ينتمي إليها توفر له تحقيق ما لا يستطيع تحقيقه كفرد لأن المجموعة تؤمن الغطاء
لمسؤوليته، وينتقل الشعور من الفرد للشعور الجماعي فيجد المجال واسعاً لتحقيق غاياته
دون الإحساس من جراء ذلك بأي شعور بالذنب أو بتأنيب الضمير متخفياً باسمها لتحقيق مآربه
اللاشعورية.. ما نجد أننا أمامه مستقبلاً بأن يبقى الفرد ضمن جماعته المسلحة ويستمر
بهذا حتى بعد انتهاء الحرب، ما يشكل مهرباً للشبيبة.
• وتجدر الإشارة لواقع بغاية الأهمية ويكمن في الصعوبة التي يجدها كل
من اعتاد على العيش من السرقة وفرض الأتاوات وغيرها أثناء الحرب، في العودة إلى الوراء
خلال السلم والاكتفاء بالموارد الاقتصادية المحدودة، حيث يشكل ذلك مصدراً للإجرام في
حالة السلم لا يمكن تجاهله إذ يعوض مرتكبي الإجرام، في عملهم هذا الرافض للواقع، ذلك
الشعور بالإثارة والمورد المادي اللذين عرفوهما خلال الحرب".
• الأخطر من ذلك كله يكمن في تمني الفرد (المعلن أو غير المعلن) لعامل
الإثارة الدائمة الذي عرفه أثناء الحرب خصوصاً لدى انغماسه في رتابة الحياة اليومية
التي ستكون مع حالة الاستقرار. وما يعزز مثل هذه الرغبة في أيامنا الحاضرة يكمن في
ملل الوظائف الرتيبة التي يشغلها إنسان اليوم داخل المصانع والمؤسسات حيث لكل فرد وظيفته
المحددة وحيث لا مكان لعنصر المغامرة أو الإثارة فيها". حيث تتشكل تلقائياً بعد
التفلت وفقد سيطرة القانون وإتاحة كل شيء، وبخصوص أغلبية الشباب ما سيعانون منه أكثر
هو فقدان الشعور بالإثارة خلال الثورة خلال مدتها الطويلة فبدت حالة من إبعاد الشعور
بالملل وتوفر عنصر الإثارة والمغامرة .. ما سيفتقد في حالة السلم والهدوء وسيادة القانون
ما ينبغي تعويضه حتى نتجنب محاولات التمرد على واقع كان يعيشه وسيجد في نفسه الحاجة
إليه مجدداً واعياً لذلك أو باللاوعي واللاشعور، فلن يشعر بالراحة إلا بعد تحقيق ما
يشعر بحاجة أن يعيشه.
• هناك عدد من الشباب المشارك بالثورة كان ممن يشتهر بنشاطات يتجاوز بها
الأنظمة الصارمة والمقيدة لحريته، وجد ضالته في الثورة وتلبية لهوايته في تجاوز الأنظمة
وتحقيق البطولة وروح المغامرة فانخرط في بداياتها وكان الأنجح من غيره في سبلها. ومع
ذلك فهو لن يتمنى الحرب ولكن سيجد في نفسه الحاجة لتنفيس رغبته في العودة للإثارة وتجاوز
القانون أو تفلت النزوات العدوانية من عقالها
فترتاح وتنفس إلى الخارج ذلك الاحتقان الذي تولد عندها والتوتر الداخلي الذي كان يضغط
عليها .. لتعود فتتوق لما تفلتت عليه في حالات الحرب.
• نمت الحرب المسلحة بعض الرذائل كالميل إلى الإجرام، وفي الحقيقة يمكن
القول إن الحرب شأنها شأن كل الأحداث البليغة الأثر، تبرز الميول الكامنة عند كل فرد
(إيجاباً أو سلباً). وحالة الحرب هي التي تعطل حس الفرد بالعدالة: فهي تخلق أشراراً
أكثر مما تزيل، وتنجب العديد من اللصوص والمتواطئين الذين تزيلهم حالة الاستقرار"
وهذا ما جهد النظام له من تحويل الثورة إلى حرب مسلحة.
• إن اقتراب العسكري من الخطر وإحساسه باجتياز معارك هائلة ورؤيته لرفاق
قتلوا إلى جانبه يساهم عنده في حل المشاعر التي تضبطها قوانين المدنية: فالجنود الذين
يحسون بدنو أجلهم يستسلمون لنزواتهم ولضرورة إشباعها، ثم إن الاعتياد على القتل والتدمير
المرافق لحالة الحرب يقتل، بداخل كل إنسان حتى داخل النفوس الأكثر نبلاً، حسه الإنساني
فيساهم بذلك في تنمية عدم إحساس الجندي مثلاً بشراسة ما يقوم به خاصة وأنه مضطر للدفاع
عن نفسه كي يسلم" (9).
• طول فترة العنف في الثورة أدى إلى ازدياد الفظائع المرتكبة نتيجة الاعتياد
لأن الميل للقتل شأنه شأن كل الميول الهدامة، يمكن أن يصبح كالوباء: حيث يلاحظ بعد
الحروب الطويلة الأمد ارتفاع نسبة الجرائم، يثبت هذا الواقع "البلاغ الرسمي الذي
ظهر في الولايات المتحدة في 11 كانون الأول عام 1945 مورداً البيانات الآتية: ارتفع
عدد الجرائم في فلوريدا بنسبة 48% وحالات الاغتصاب بنسبة 70% والسرقة بنسبة 39% والاعتداءات
بنسبة 72% وسرقة السيارات بنسبة 55%، هذا وقد أوقف في مجموع الولايات المتحدة عام
1945 ستة ملايين شخص اتهموا بارتكاب المعاصي (أي بنسبة واحد على 35 مواطن). كما أن
عدد حالات السطو في باريس ارتفع خلال العام نفسه إلى خمس عشرة مرة عنه في عام
1939" ويعتبر هذا الرقم هزيل جداً بالنسبة لما هو في الواقع، كما أن عدد قتلى
وجرحى الحرب لا يمكن حصره في مثل هذه الحالات".
خامساً: العلاجات والحلول لبعض المشاكل
لا شك أن الحوادث الشديدة أو العنيفة
التي يتعرض لها الشعب السوري جراء ممارسات النظام تحتاج إلى مجهود غير عادي لمواجهتها
والتغلب عليها وتخلف آثاراً شديدة وطويلة المدى ويمكن تخفيفها تبعاً لحسن أداء المجتمع
في التعامل مع كل ما حدث. لأنها تسببت على الصعيد الإنساني بتهديدات متنوعة ومختلفة
مترافقة بأضرار بدنية ونفسية جسيمة، وتسببت برد فعل عاطفي شديد ومتنام لجرح نفسي عميق..
وما يستخدمه النظام ومن وراءه من دول من أبشع الوسائل لتركيع الشعب ما لا يخفى على
أحد والسكوت عن كل ذلك، يسبب ذلك التعرض للإيذاء بكافة أنواعه الجسدي أو العاطفي أو
غيرهما حتى مجرد مشاهدة ذلك يحدث، أو الإيذاء النفسي الناجم عن العمل في مجال حربي
أو في المجال الطبي الإسعافي في أحداث بالغة الدموية كما يحدث أو الشعور بالعجز. لذلك
فأكثر ما يتسم به الجيل ما بعد الحرب هو الأحداث الصدمية التي حدثت ولازالت تحدث بشكل
خطير ومربك وصادم، وتتسم بقوتها الشديدة والمتطرفة وتختلف في دوامها.
والمجتمع كالإنسان الفرد يمرض وبالتالي
فهناك أدوية علاجات يحسن للمجتمع اتباعها للوصول إلى أفضل النتائج بعد هكذا أعراض خطيرة
تهدده وفيما يلي جمل ومقاطع مفصلية هامة في إدراك أفق العلاج بالنسبة لشريحة الشباب
المفصل التحريكي في المجتمع الذي عاش أصعب فتراته الزمنية:
• الصداقة الحقة بلسم يشفي النفوس الجريحة.
• من العلاجات إظهار إيجابيات الثورة على صعيد التغيير.
• من أهم الأمور التطلع الدائم نحو المجهول المستقبلي باعتباره صديق،
فالغد والمستقبل والزمن والوقت أهم أدوات صناعة الذات، وصناعة الذات هي فن استثمار
الإطارات البشرية.. استثمار الإنسان والارتقاء به.. وتفعيله.. وتطويره.
• يقول بيتر دراكر (Peter Drucker) في كتابه (الإدارة للمستقبل): "إن مصلحي اليابان أقاموا منذ
مائة عام مضت عن وعي بالثقافة الجديدة المصطبغة بالسلوك الغربي الجديد على قيم يابانية
تقليدية وثقافة يابانية تقليدية، فالشركة والجامعة اليابانية الحديثة غربية تماما من
حيث شكلها، ولكنها استخدمت كحاويات إن جاز التعبير للثقافة اليابانية التقليدية غير
الغربية ".
• المجتمع المبني على الأخلاق أكثر من القانون مجتمع أقوى والدولة خاصته
أقوى أيضاً.
• في كتاب محمد العربي ولد خليفة (المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية)،
أشار لكلمة ياماشيما (HAJIMI YAMACHIMA) من جامعة كيوتو وهو أحد أشهر الأخصائيين اليابانيين في الإدارة والتسيير
(Management)
عندما سئل عن سر نجاح التجربة أو المعجزة اليابانية فأجاب: أن الاعتقاد السائد هو أن
اليابانيين يعملون أكثر ولكنهم في الحقيقة يعملون أفضل، إنهم كغيرهم يعملون 43 ساعة
في الأسبوع أي 2000 ساعة في العام بينما يعمل الكوريون 3000 ساعة في العام أي بزيادة
الثلث ليس هناك معجزات وخوارق، إن العامل في اليابان يتفوق في تأهيله الثقافي والمهني
على زميله في أوربا الغربية والويلات المتحدة للأمريكية ،إن الجامعة والمدرسة هما قوتنا
الضاربة وأما الذخيرة فهي الانضباط الذاتي. فلا حاجة لتعيين جيش من المراقبين والمفتشين
يقضي نصفهم أوقاتهم في حراسة النصف الآخر.
• إن الثقافة بإرثها التاريخي لها الدور الكبير في تحقق أي دور كبير للبلاد.
• الشباب والدولة: إن الشباب يريد أن تقول له الدولة "أنا بحاجة
إلى جهودك التي لا يمكن الاستغناء عنها. إني لا أرغب في توظيفك للإحسان إليك. أنا أرغب
في أن أقدم إليك عرضاً عما تقدمه إلي". الشباب يريد أن يعمل شيئاً وأن يقدم ثماراً
حقيقية لتعلمه بالجامعات والمعاهد، إنه يريد أن يجعل الصحراء تنبت زرعاً، وأن يقضي
على الأمراض بما يبتكره من وسائل جديدة للعلاج. ولا يريد أن تكون حياته رتيبة وقد رسمت
خطوطها له حتى التفاصيل. إنه يريد أن يترك له مجال يتحرك فيه، ويثبت من خلاله ما تمتاز
به شخصيته من مواهب، وما يفوز به عقله من أفكار جديدة، وما يشتغل في نفسه من حماسة،
وما يعتمل في كيانه من إرادة لا تُفَل. والشاب يكره بمقت شديد أن يحمل على العمل بعمل
مغاير تماماً لما كرس نفسه من أجله. إنه يريد أن يحقق ذاته في عمل متمكن منه ومهيأ
له بكفاية.
• الروتين والعمل: هناك مجموعة من الأذكياء يقومون بوضع الروتين تسهيلاً
لإنجاز العمل. ولكن أولئك الأذكياء ما يفتأون يتركون العمل الذي وضعوا له الروتين.
ويأتي من بعدهم أشخاص يحكمون على أنفسهم بالانغلاق والغباء، لأنهم بدلاً من أن ينظروا
إلى الروتين على أنه خادم للعمليات التي يراد إنجازها، فإنهم يعمدون إلى تأليهه والانحناء
له، ولا يتمكنون من أخذ الظروف المتغيرة في اعتبارهم. ذلك أن الوسيلة التي يجب علينا
أن نستخدمها في موقف ما يجب أن تتباين عن الوسيلة التي يجب أن يستعان بها في موقف آخر
أو في عصر آخر. والأكثر من هذا فإن الوسيلة التي يستعين بها أحد ما في تسيير الأعمال قد لا تتناسب مع مزاج وإمكانات
الآخر الذي قد يعمل نفس العمل. فإذا تم جعل
الروتين صنماً وتم تقديس هذا الصنم فإننا لا نستطيع أن نطور الأعمال التي نقوم بتنفيذها،
ولا نستطيع أن نفسح لأنفسنا مجالاً نعبر فيه عن ذكائنا وخيالنا وقدرتنا على الابتكار.
وفيما يلي ذكر طريقة تعامل للمشاكل
المتوقعة وفكرة عن العلاج بأسطر
الشعور بالخذلان والوحدة: "لم
يدهشني بعد كل ما قاسيته سوى أن أجد من يفهمني ويشعر بي .." جملة قد ينطقها كثيرون
وإن لم ينطقوها فهي في أعماق حاجاتهم وشعورهم تبين مدى فعل "الاندهاش" الذي
يفترض القدرة على استيعاب الواقع –مصدر الاندهاش. هذا الاستيعاب يقطع علينا احتمالات
الهرب من الواقع والانقطاع عنه ويرمينا في أحضان المعاناة، حيث الشعور بأن أحداً لا
يستطيع مساعدتنا على إصلاح ما حدث أو على التخفيف من أضرار ما يحدث، هذا الشعور ينبغي
أن يتضاءل قدر الإمكان في مجتمع ما بعد المعاناة. وقد يعاني البعض من الوحدة بسبب عدم
اهتمام الآخرين به كما يطلب منهم، أو لشعوره بالحاجة لهم، وهذا مجرد شعور فإن تم الإقناع
بعكس ذلك ومن خلال بعض المواقف والإثباتات المنطقية والموضوعية فمن الممكن أن يتغير
ذلك الشعور.
فقدان السكن والمنزل: الشعور بالأمان
والحماية يتم تجاوزه والتسامي فوق إشباعه بالتشوّف دوماً إلى تحقيق قيمة مقدسة عالية
للذات، كالحرية الشخصية والكرامة والتضحية لأجل الوطن أو الله، وهذا يفسر أحد أسرار
ثبات الشعب السوري لفترة زمنية طويلة جداً في مقياس الحروب وفي ظروف قاسية للغاية.
فقدان التوازن: العودة للتوازن في
كل الأمور يتطلب وقتاً لكنه سيكون الهدف المراد حتى يتمكن إنسان الثورة من بناء الحضارة.
ومنها الصدمات فبعد الصدمات مختلفة
الجوانب والتي اعتاد عليها السوريون شيئاً فشيئاً، يشعر الكثيرون بمشاعر قوية من القلق
والتيقظ. هذه استجابة طبيعية لحالة خطر ملموس وأيضاً هذا مما يلاحظه الناشطون على أنفسهم
في عدة مواقف لدى أدائهم لمهمة معينة. وعادة ما يتضاءل القلق تدريجياً، ويزول بعد فترة.
أما في الحالات التي لا يزول فيها القلق وتنجم غالباً عن حدث صعب أو صدمة قوية (كفقدان
أحد أو رؤية منظر دموي أو أشلاء أو أو .. والأسباب كثيرة عند من يعاينون الأحداث في
سورية) هذه حالات تستدعي معاملة خاصة وانتباهاً لإعادة للتوازن السابق.
أيضاً توفير بيئة آمنة وهادئة والمساعدة
بالعودة لرتم الحياة الطبيعي وهذا مهم جداً في عملية التعافي.. والاستماع المتعاطف
إذا أراد الشخص الذي مرّ بالصدمة (أو المشكلة) أن يتحدث عمّا جرى له وإشعاره بالمعية
معه.
توفير دعم العائلة والأصدقاء له أثر
هائل في التصدي للصدمة: ولهذا فمن المهم جداً إتاحة الفرصة لهم لسرد حكاياتهم ففي الغالب
يود المصابون بالصدمة تكرار حكايتهم... فتكرار ذكر وتذكر التجربة هي إحدى أهم السبل
التي يبدأ الناجون من الصدمة إدراك ما مّر بهم.. وهي تحدث بشكل آلي قسري للمصدوم.
وبنفس الوقت ليس من الحكمة حملهم على
التحدث عنها، لأن ذلك من شأنه أن يفاقم مشاعر الغضب والعجز التي يشعرون بها في تلك
اللحظة. ومن المهم ملاحظة أن بعض الناس يحتاجون إلى فترة زمنية حتى يستطيعوا سرد حكايتهم،
وفي هذه الحالة من المهم أن يجدوا من هو على استعداد للإصغاء لهم عندما يكونوا مستعدين
للتحدث.
العجز والاستسلام أو الإفراط في مجابهة
الواقع بشكل عنيف دموي: فالأول قد ينال شريحة من الناس والآخر ينال شريحة أخرى وكلاهما
خطير وينبغي الحذر في التعامل مع هذه الصفات المتضاربة المتطرفة التي خلفتها الأزمة
الحربية في المجتمع السوري بحيث يحاول المجتمع استكشاف هذه العناصر المنتمية إلى أحد
الطرفين وتأهليه بالشكل المناسب للعودة للمتوازن اللازم الذي يضمن مجتمعاً سليماً معافى.
تراكم الخراب عندما يتهيء للمرء أن
كل شيء قد انتهى: والحل أن نبدأ بالعمل ونقسمه بحسب ما نقدر على حمله والأهم أن كل
عمل يحتاج الإرادة حتى يكتمل وينتهي فالإرادة
القوية هي التي تدفع الإنسان إلى الاستمرار، فكل شيء يقوم به الإنسان نتيجة عمل وإرادة،
فلتقوية الإرادة بالمثابرة والضغط على النفس قليلاً وشيئاً فشيئاً تقوى، وما يساعد
هو وضع أمثلة لأناس وصلوا إلى عمل مستحيل بالإرادة كأمثال خلدون سنجاب ذلك الشاب الذي
ابتلي بشلل كامل عدا تحريك اللسان والشفتين ورغم ذلك برز في عالم الناجحين بل والمتفوقين
حيث لا يوجد مستحيل في عالم الإرادة، كالمقعد الذي يشترك بالمسابقات ومريض السرطان
الذي تغلب على المرض، فالقوة الكاملة نعمة إن لوحظت عرفت أهميتها والإرادة عمل مستمر
يتم داخل النفس البشرية لحظة بلحظة.
الاكتئاب الشديد وفقدان الأمل وصولاً
لدرجة التفكير بالانتحار: قد يتعرض البعض لهواجس الانتحار لشدة الاكتئاب ولفقدان الشعور
بقيمة الحياة وفراغها .. بالنسبة لهذه الهواجس يتوجب على من تراوده أن يفاتح شخصاً
قريباً بالموضوع ليلجأ له كلما هاجمته هذه الهواجس، فوجود مثل هذا الشخص ضروري للحماية
من النفس التي تلح بالانتحار، وهذه من المشاكل النفسية التي بحاجة أن تعرض على طبيب
نفسي ليساعد في كشف عمق المشكلة وعلاجها لاستعادة التوازن والسكينة النفسية.
فقدان الثقة بالنفس: تأتي الثقة بالنفس
مع التجربة وبمرور السنين وتحقيق النجاحات فبمجرد الوصول لأول نجاح تتعزز الثقة بالنفس
وهكذا شيئاً فشيئاً.
هذا وإن الكثير من المشاكل سوف تواجه
الشباب والشابات الذين يعانون أساساً من انخفاض الثقة بالمجتمع الذي أدى عندهم إلى
انعدام الثقة بالنفس خاصة وأن خيبة أملهم بالنسبة لفهم وتفهم العالم والمصالح وطبائع
الناس عموماً عززت مشاعر السوداوية تجاه الجميع .. وفي بعض الأحيان لكثرة رؤية الخذلان
المفرط للثورة السورية من الممكن أن يسيطر الإحساس بعدم جدوى الحياة في ظل أوضاع الحرب
وما بعدها لسنوات .. وللأسرة هنا أبلغ الأثر وتوعيتها وتأمينها من أهم الأعمال اللازمة.
الخوف:
الخوف إن كان ناجماً عن أمر مخيف فعلاً
وبالقدر الذي يستحقه ذاك الأمر فهو أمر صحي تماماً ولا يعكس حالة خلل في الشخصية أما
أن كان غير مبرر فهنا يكون أمراً بحاجة إلى علاج.
وإذا أردنا أن نعلم إنساناً عدم الخوف
أو بتعبير آخر تعليمه الشجاعة: فعلينا أن نحدد العناصر التي يخشاها في الموقف، وبعد
ذلك علينا أن نبدأ في تدريبه على الألفة بها واعتياد مشاهدتها أو سماعها. فيصبحوا غير
مبدين لأي خوف مما كانوا يخافونه.
إن مجابهة المواقف الجديدة ومعالجتها
بعيداً عن الأهل في أصعب الظروف هي مما ساعد على مجابهة الخوف منها بل وفي حب المغامرة
وحب خوض المواقف الجديدة ذلك أن التغلب على الخوف في حد ذاته عنصر محبب إلى النفس.
والتغلب على أحد المخاوف يؤدي حتماً إلى تغلب جديد على مخاوف جديدة. وفي النهاية نصبح
أشخاصاً على جانب كبير من الشجاعة، وتكون هوايتنا هي مجابهة الأخطار وما تتضمنه من
مخاوف موهومة.
سوء تصرف غير مقصود أو حدث مشاهد خارج
عن القدرة: تجنب إلقاء اللوم على من مر بتجربة مع النظام: ومن المهم أن لا تغضب من
الشخص الذي مرّ بتجربة اعتقال أو من تعرضت لحادثة قاسية لدى اقتحام قوات الأسد للمدن
أو من قتل أمامه أقرباؤه ولو كان باستطاعته إنقاذهم وأساء التصرف.. فلا ينبغي زيادة
الملامة عليهم إذ عادة ما تراودهم الملامة لأنفسهم كل حين وباستمرار وكلما تذكروا تلك
الحادثة أو ذكرها أحد أمامهم أو ذكر شيئاً مشابهاً .. وهذا ما حصل مع أحد الذين استشهد
صديقه بجانبه وقد كان يستطيع إنقاذه وسحبه من بين الجرحى لكن زخ الرصاص ووهلة الموقف
في وجود الجنود المسلحين القتلة جعله يفقد القدرة على التفكير وجعل الخوف المسيطر الوحيد
على تصرفاته ليهرب .. مما جعله - وبعد أن وقع صديقه أمامه واعتقلوه جريحاً ومن ثم قتلوه
في السجون الأسدية- يشعر بالذنب الدائم.. ونفس الشعور كان لتلك المرأة التي كانت سبباً
في اعتقال ابنها لبساطة إدراكها للأمور وإجابتها للأمن الذين اقتحموا بيتها بأن ابنها
مختبئ منهم .. وتلك الفتاة التي خرجت بمظاهرة فاعتقل أخوها وهو يحاول إنقاذها من بين
أيدي الأمن المسلح.
في أوضاع كهذه فالتفهم والمساندة هما
الأساس. وعدم إلقاء اللائمة عليهم أو على سلوكهم في أعقاب الصدمة، ف مشاعر الغضب والقلق
والاكتئاب لا يمكن السيطرة عليها، ولذا فلا فائدة ترجّى من إلقاء اللوم عليهم خاصة
عندما يكون الوضع صعباً عليهم.
الإعاقات الظاهرة:
1- التشوهات: من يعاني تشوهاً ما أو أصحاب الإعاقات ويعاني من نظرات الناس
له: إن حلاوة الروح والطبع ووداعة الشخصية تطغى على كل عيوب الشكل، كما أن الإعجاب
بالشخصية يظل باقياً دائماً أكثر من الإعجاب بالشكل، ولقد تطور الطب والتجميل كثيراً
مما يمكن معه إيجاد حل أفضل مع الزمن .. المهم ألا نصل لليأس من رحمة الله. وإن إدراك
هذا الشعور من الألم والحزن موجود لكن هناك اختلاف في أن إرادة الإنسان أقوى من كل
شيء، صحيح أن ما حدث كان قاسياً للغاية ولكن هناك حقيقة واقعة حدثت وانتهى الأمر ولا
يمكن العودة للوراء، وإنه عمر الشباب ومازالت الحياة في قابل الأيام فهل سيكون القضاء
في البكاء والحزن والألم مستمراً؟! هذا غير ممكن لأي إنسان، هناك بالتأكيد أشياء كثيرة
يمكن القيام بها، وما حدث كان أمراً خارجاً عن الإرادة أو هو من ضربات القدر التي يمكن
أن يتعرض لها أي إنسان والتي لا يدري سببها إلا الله، فلماذا غلق الأبواب الأخرى على
النفس وإغلاق الأفق الرحب الموجود والذي على كل من يعرف هكذا حالات أن ينظر فيها ويمعن
الاجتهاد في البحث عنها كل حسب ظروفه وطاقاته، ليس هناك ما يُخجل منه، حتى نظرات الشفقة
التي يمكن أن يشعر بها من هم في نفس هذه الظروف خاصة الحساسية تجاه هذا في هذا العمر
لكنها لن تتلازم مع أحد طوال الحياة فلسوف يعتاد الناس على وجود هذا المظهر عموماً
وخصوصاً للحالة في مظهر جديد معتاد الوجود في المجتمع ولن يشكل نظرات شفقة بل بالعكس
للبعض نظرة إعجاب وأخوة وتلاحم وتعاون وتعاطف كما هي بين الناس بشكل اعتيادي. إن التصرف
بشكل طبيعي سيجعل الناس حتماً يعود لحدوده العادية التي قد يشعر من يحصل معه هذا الظرف
بأنه زاد عن الحد، وسيكون هناك أصدقاء وصديقات يمكن التفاهم معهم، ولهذا فالعودة للممارسات
الطبيعية الاعتيادية ستفتح آفاقاً جديدة وتمنح الفرصة لبدايات جديدة وتمنح الفرصة لبداية
جديدة كلنا بتنا في حاجة إليها.
2- مشاكل في النطق وثقل اللسان: قد يعود هذا لسبب نفسي لذلك ينبغي معالجتها
بالاستعانة بطبيب نفسي لاكتشاف المخاوف الكامنة التي تعرقل النطق مع تجنب المواقف التي
تسبب الإثارة أو الانفعال أو الخوف مع الاستمرار في محاولات الكلام عند الانفراد بالنفس
لأن سهولة الكلام في تلك الأوقات سوف تنمي الثقة وتؤكد أن التعثر في النطق لا ينشأ
من حالة مرضية عضوية طالما كان التحدث بسهولة في حالات الهدوء والطمأنينة.
3- الإعاقات الدائمة التي تعرض لها كثير من الشباب: الإيمان هو الرسوخ الأكبر
وتحقيق النجاح في الحياة سواء من الدراسة وسواء ما يليها من عمل.. ذلك يحقق الثقة بالنفس،
المظهر ليس كل شيء في الإنسان بل الجوهر هو ما يتفوق في قيمته على المظهر إذ أن كل
إنسان معرض في حادث عادي لأن يفقد مظهره أما الجوهر فهو مع الإنسان كيفما حل وأينما
كان وفي كل وقت، رؤية الجوانب الجميلة في الشخصية يجعل الإنسان يوازن ما تعرض له في
مظهره وكثيرون من استطاعوا تحدي إعاقات في حياتهم واستطاعوا بنجاح بل وبتفوق قد يكون
مدهشاً، ثم إن الإعاقات الأخرى في الإنسان والتي لا تظهر موجودة في كثير من الناس لكن
لا يراها الجميع عياناً كما الإعاقات الجسدية فهناك إعاقات في النفس وتشوهات أيضاً
وفي الروح الشخصية وعيوب ذلك لا تحصى. الأهم في كل شيء هو الثقة بالنفس.
الجروح الأسرية: يجب تقوية الروابط
العائلية بمعنى توسيع مفهوم الروابط الأسرية لتشمل العائلة لأن الجروح في الأسرة ما
يداويها روابط عائلة أكثر من روابط أسرة لأن الأسرة ستكون منكوبة أما العائلة فتتداوى
معاناتها بأسرها التي يمكنها أن تغطي الجروح مع بعضها فيحسن تكاملها.
إضافة إلى التمسك المرن بالتقاليد
والعادات من الزاوية الإيجابية التي يتميز بها المجتمع الشرقي عن غيره من المجتمعات
الغربية تلك العادات القائمة على التواصل والارتباط القاعدي المتماسك بالأصول العضوية
كالأسرة والعشيرة والجيران والحي،
ومجتمع العمل والرفاق والزملاء وبعلاقات يملؤها الحب والفخر والتوارث التاريخي..
التمرد ومسار العلاقات المختلفة في
المجتمع: سواء بين الأجيال أو بين الطبقات السلطوية.. أولاً بالجمع والمزج بين زعامة
القائد الرمز، وبين الفصائل المطيعة ما بين المدير والعاملين معه كشركاء، وليس كأجراء
أو عبيد، مابين جيل متقدم في السن لديه الحكمة والخبرة وما بين أجيال لديها الأمل والتطلع
والقدرة والدافع على صنع غد أفضل.
ثانياً بالمحافظة على التوازن الاجتماعي
وترقية الحراك الاجتماعي، بما يجعل العمل والجد والاجتهاد هو المصدر الرئيسي لتحقيق
الثروة والمكانة في المجتمع وليس الانحراف والوساطة، وأن العمل المشروع هو السبيل الوحيد
للعمل وأن ما عداه لا يشكل عملاً بل هو أمر خارج عن كل شيء يستوجب التطهير والتغيير
.
وأخيراً ..
خاص بالمجتمع الشرقي: ينبغي تعزيز
الشعور بالمسؤولية التي يتميز بالتفلت منها عموماً المجتمع الشرقي ومنه المجتمع السوري
والذي تعلم خلال الثورة وتحت الضغط تحمل مسؤوليته حينما اضطره لذلك تخلي العالم كله
عنه، فمن مشاكل تفكيرنا السابقة أننا دائماً بريئون مما يعترينا ويعتري المجتمع من
ضعف واضطراب فالمسؤولية دوماً نضعها على الآخرين (خارج المجتمع كالاستعمار الخارجي،
أو داخله كالحكم والحكام والمربين ..)، أما دورنا فلا ذكر له البتة، وهذا من أبرز ما
يثير القلق لأن تقدم الفرد والمجتمع (على حد سواء) يتوقف إلى حد بعيد، على وعينا والاعتراف
بالضعف والخطأ، رغم أن هناك دوراً كبيراً للمسؤولين على مستوى التوعية يوازي من حيث
الانتشار والقوة (مهما كان ضئيلاً) جهوداً متعددة يقوم بها أفراد عاديون خلال فترة
زمنية طويلة. ولعل هذا من أعظم ما شهدته الثورة
أن أزالت هذا المفهوم من خلال معاينة أن حلنا بأيدينا فقط وأن التدمير الذي حدث كان
منا وبنا .. وعلينا نحن أن نداوي جراحاتنا
ونتحمل مسؤولية أنفسنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق