تعريف الحوار : طريقة من طرق التواصل هدفه
المراجعة في الكلام للوصول إلى الصواب أو الأكثر صواباً . وفيه حجة ودليل .
والحوار نقاش وتبادل الحديث بين طرفين أو أكثر يريد كل من المتحاورين
الوصول إلى أهداف ، أهمها :
1- إيصال
الدعوة .
2- إثبات
الصواب .
3- الوصول
إلى الحقيقة . يقول الشافعي رحمه الله : رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ
يحتمل الصواب .
وبمعنى آخر هو حديث بين طرفين أو أكثرحول فكرة:
1- ذات هدف متناسق
موحّد الوجهة لتجليته وتوثيقه على جهة التوضيح والكمال.
2- يتنافس فيها
الأطراف متفقين على هدف ما ،ومختلفين فيه أسلوباً وطريقة تنفيذ.
3- يختلف
فيها الأطراف سلباً وإيجاباً ، يحرص كل من المتحاورين على إثبات رأيه ونفي رأي
الآخر بالأدلة والبراهين.
قد يكون الحوار من أفضل أساليب الإقناع يشترك فيه السمع والبصروالعقل:
1- لكل من
المتحاورين تأثير سلبي وإيجابي على الحضور، من / استعلاء وكِبر/ فهمٍ وحُجّة/
صراخٍ وهدوء/منطقٍ وعاطفة/أدبٍ وسفه/ ترتيبٍ للأفكار وعشوائية فيها.
2- بُعدُ الحضور أو
قربُهم من أحد المحاضرين أو من أفكاره ، أو تحيزُهم له أو نفرتهم عنه له تأثيرٌ في
القبول أو الرفض.
3- ولا ننسَ قول
الشافعي في هذا الخصوص : رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
شروط الحوار الجيد :
1- وجود
الرؤية الواضحة عند المتحاورين (حسن الفهم).
2- أن
تتصور الطريق الموصل إلى الهدف بسبله العريضة والضيقة ، والعامّة والدقيقة .
3- البعد
عن الاستطراد ، فهو يعرقل الوصول إلى الهدف أو يؤخره .
4- عدم
الانتقال من فكرة إلى أخرى في الحوار نفسه قبل الانتهاء من الفكرة الأولى ( الحوار
الهادئ المنظم ).
5- الحفاظ
على الهدف الاستراتيجي ، فينبغي أن نميز بين الهدف المرحلي والرئيسي حتى لا نضيع
في متاهات تحرف عن الهدف المنشود .
6- أن
يكون محاورك عالماً بأصول الحوار ، يساويك في الفهم والإدراك ، أو يقارب . يقول
علي رضي الله عنه : (ما حاورني عالم إلا غلبته ، ولا جاهل إلا غلبني ).
7- البعد
عن الانفعال فهو يشوش الأفكار . والبعد عن الإساءات التي تضعف الموقف وتقلبه رأساً
على عقب . والبعد عن الوقوع في الاستجرار الذي يحرف عن الهدف ويضيعه .
8- النباهة
والتصرف الحكيم يفيدان صاحبهما جداًحين يحدث طارئ كان في الحسبان أم لم يكن .
9- الفصاحة
،والحديث المنمق ، والدقة في طرح الفكرة ودليلِها ، والتركيز على المراد ، والاستشهاد على الفكرة بما يناسب ... كل ذلك
طريقُ النجاح في أي حوار .
10- عدم
التداخل في الحوار يجلي الفكرة ويجعل الحديث مفهوماً ( للمحاور أن يتحدث دون أن
يُقاطع حتى ينهي فكرته في الوقت المحدد ) .
11- الاحترام
وحسن الظنّ من أسس المحاورة .
12- التركيز
على نِقاط الاتفاق يُعتبر عنصراً مساعداً في الحوار .
13- التركيز
على نقاط الاختلاف لتجلية الصواب والخطأ .
14- التضييق
على المحاور ما أمكن وسد الثغرات أمامه.
15- الضربة
القاضية المعتمدة على أخطاء اللآخر وتأييد الحضور وتفاعلهم.
من محاذير الحوار:
1- الخروج عن الهدف
المنشود ( هدف الحوار). وهذا ما يلجأ إليه الطرف الضعيف أو المتمكن من نفسه – على
حدٍّ سواء لتمييع اللقاء وتشتيت الطرف المقابل.
2- الانفعال الزائد:
أ-
يضعف موقفك ولو كنت على حق.
ب-
يستغله الخصم في كسب تأييد الحاضرين.
ت-
يستغله الخصم في ضرب الفكرة بضرب حاملها.
ث-
ينسيك ( يفقدك) التفكير والحُجّة.
3- انقلاب الحوار
إلى مهاترات.
فائدة الحوار : وبمعنى آخر : ( إيجابيات الحوار )
1- التعرف
على أسلوب دعويّ راقٍ في الحديث للوصول إلى الهدف المنشود .
2- الحوار
يثري السامع والقارئ والرائي بأفكار تُطرح أمامه بالحجة والبرهان ، فيعتاد التفكير
السليم ، والأسلوب القويم .
3- الحوار
أثبت في النفس ، فالمتابع يشغل أكثر من حاسة في تفهم أبعاد الحوار ومراميه .
4- قد
يكون الحوار بين أصلين مختلفين كالإيمان والكفر . وقد يكون في أمر واحد وفكر واحد
فيه دقائق يثري المتابع ، فيعلمه الدقة فيالاستنتاج ، واللذة والإمتاع .
محاورات في القرآن( للدراسة)
1- بين عظيم
وأتباعه:
أ-
بين الله تعالى وملائكته الكرام ( سورة البقرة : الآيتان
30-31- )
ب-
بين الله تعالى وموسى وهارون عليهما السلام ( سورة الشعراء:
الآيات 10-17)
ت-
بين الله تعالى وأصحاب النار: (سورة المؤمنون الآيات
105-111)
2- بين تابع ومخالف
( سورة المؤمنون الآيات 113-115)
3- بين ملك كافر
ورسول كريم ( سورة الشعراء الآيات 18-33)
4- بين إبراهيم عليه
السلام وقومه( سورة الشعراء الآيات 69-82)
5- بين
نوح عليه السلام وقومه( سورة الشعراء الآيات 60-118)
دراسة حوار (من سورة الشعراء)
وَإِذۡ
نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٠) .
قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ (١١).
قَالَ رَبِّ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
(١٢) .
وَيَضِيقُ صَدۡرِى وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِى
فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَـٰرُونَ (١٣).
وَلَهُمۡ عَلَىَّ ذَنۢبٌ۬ فَأَخَافُ أَن
يَقۡتُلُونِ (١٤).
قَالَ
كَلَّاۖ فَٱذۡهَبَا بِـَٔايَـٰتِنَآۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ (١٥) .
فَأۡتِيَا
فِرۡعَوۡنَ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١٦) .
أَنۡ
أَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ (١٧) .
قَالَ
أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدً۬ا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ
(١٨) .
وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِى فَعَلۡتَ وَأَنتَ
مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (١٩) .
قَالَ
فَعَلۡتُهَآ إِذً۬ا وَأَنَا۟ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ (٢٠) .
فَفَرَرۡتُ
مِنكُمۡ لَمَّا خِفۡتُكُمۡ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكۡمً۬ا وَجَعَلَنِى مِنَ
ٱلۡمُرۡسَلِينَ (٢١) .
وَتِلۡكَ
نِعۡمَةٌ۬ تَمُنُّہَا عَلَىَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ (٢٢) .
قَالَ
فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٢٣) .
قَالَ
رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
(٢٤) .
قَالَ
لِمَنۡ حَوۡلَهُ ۥۤ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ (٢٥) .
قَالَ
رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآٮِٕكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ (٢٦) .
قَالَ
إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِىٓ أُرۡسِلَ إِلَيۡكُمۡ لَمَجۡنُونٌ۬ (٢٧) .
قَالَ
رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَہُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ
(٢٨) .
قَالَ
لَٮِٕنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَـٰهًا غَيۡرِى لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ
(٢٩) .
قَالَ
أَوَلَوۡ جِئۡتُكَ بِشَىۡءٍ۬ مُّبِينٍ۬ (٣٠) .
قَالَ
فَأۡتِ بِهِۦۤ إِن ڪُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (٣١) .
فَأَلۡقَىٰ
عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعۡبَانٌ۬ مُّبِينٌ۬ (٣٢) .
وَنَزَعَ
يَدَهُ ۥ فَإِذَا هِىَ بَيۡضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ (٣٣) .
قَالَ
لِلۡمَلَإِ حَوۡلَهُ ۥۤ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ۬ (٣٤) .
يُرِيدُ
أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِڪُم بِسِحۡرِهِۦ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ (٣٥) .
قَالُوٓاْ
أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَٱبۡعَثۡ فِى ٱلۡمَدَآٮِٕنِ حَـٰشِرِينَ (٣٦) .
يَأۡتُوكَ
بِڪُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ۬ (٣٧) فجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَـٰتِ يَوۡمٍ۬
مَّعۡلُومٍ۬ (٣٨) .
وَقِيلَ
لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَ (٣٩) .
لَعَلَّنَا
نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلۡغَـٰلِبِينَ (٤٠) .
فَلَمَّا
جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرۡعَوۡنَ أَٮِٕنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا
نَحۡنُ ٱلۡغَـٰلِبِينَ (٤١) .
قَالَ
نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذً۬ا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ (٤٢) .
قَالَ
لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلۡقُواْ مَآ أَنتُم مُّلۡقُونَ (٤٣) .
فَأَلۡقَوۡاْ
حِبَالَهُمۡ وَعِصِيَّهُمۡ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّا لَنَحۡنُ
ٱلۡغَـٰلِبُونَ (٤٤) .
فَأَلۡقَىٰ
مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ (٤٥) .
فَأُلۡقِىَ
ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ (٤٦) ق.
قالُوٓاْ
ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٤٧) .
رَبِّ
مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ (٤٨) .
قَالَ
ءَامَنتُمۡ لَهُ ۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُ ۥ
لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ
لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ۬ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ
أَجۡمَعِينَ (٤٩) .
قَالُواْ
لَا ضَيۡرَۖ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (٥٠) .
إِنَّا
نَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَـٰيَـٰنَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ
ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٥١) ۞ .
يمكن تقسيم
هذه القطعة الحوارية إلى مشاهد :
1- بين الله سبحانه وتعالى
ونبيه الكريم موسى .
2- بين النبي الكريم موسى
وفرعون وملئه .
3- بين فرعون والسحرة.
4- بين موسى والسحرة (
موقف قصير )
5- بين فرعون والسحرة
المؤمنين .
أما
الحوار بين الله تعالى وموسى عليه السلام فبين رب خالق وعبد صالح رُبّي على عين الله تعالى ..
الحوار في هذا اللقاء أمر من الجليل إلى داعية أهّله الله أن يبلغ الرسالة إلى
فرعون الطاغية المستكبروملئه الضالعين في الغواية . فهو – النبي موسى الكليم - راضٍ بمهمته إلا أنه خائف من لقاء فرعون
لأسباب ثلاثة : خائف أن يكذّبوه ، وأن لا يستطيع التبليغ لحصر في لسانه ، فيضيق صدره
لذلك ، فهو يطلب الاستعانة بأخيه الفصيح هارون ، وأن
يقتلوه بالقبطي الذي قتله موسى عَرَضاً ولم يُرِد ذلك . فيُطمئنه الله
تعالى أنه معه يسمع ويرى ، ولن يستطيع فرعون أن يناله باذى . وزوده الله تعالى بالبراهين والأدلة . قسم منها
العقل والمنطق لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد ، وقسم منها معجزات مادية
وحسية لا يملك لها الكافر دفعاً سوى الجحود والاستكبار .
هذا الحوار
تغيب فيه المحاجّة والجدال لأنه بين حبيبين يسعى
فيه العبد أن يًرضي مولاه ، وفي الوقت نفسه يطلب العون لإنجاح الخطة .
وأما
الحوار بين موسى وهارون من جهة وفرعون وملئه من جهة أخرى فقد احتدم
الجدال والنقاش الذي خالطه المنطق والتهديد
والسخرية وتراشق التهم أحياناً بصريح العبارة وأحياناً بالتلميح .. ثم يبدأ
التحدي وكسر الظهر حين لا يبقى للعقل والفكر دورٌ .
ونرى روعة
انتقال الحوار في الآيتين الكريمتين
الكريمتين : " ...فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ
رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١٦) .أنۡ أَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ (١٧) .
نسمعهما من الله تعالى يلقنهما موسى عليه السلام ، فإذا بنا نرى أنفسنا نسمعهما في
الوقت نفسه من موسى يقولهما بقوة وإيمان دون خوف ولا وجل أمام فرعون وملئه ..
انتقال رائع من موقف إلى موقف آخر بتداخل محكم متين لا خلل فيه !
يعلن
موسى أمرين مهمين أما أولهما
: فموسى وهارون رسولان من رب العالمين، ولا رب سوى الله ، ولئن ادّعى فرعون أنه رب مصر إن الله رب العالمين ، فلا يحق لأحد مهما ظن أنه
عظيم أن يطاول الله عز وجلّ ويدّعي الألوهية وثانيهما : أن على فرعون أن يفرج عن بني إسرائيل ، ويسمح لهم أن
يعودوا إلى بلادهم في فلسطين . فما ينبغي لبشر أن يستعبد بشراً مثله ، ويسلب
حريتهم ، ويسخرهم لخدمته .
يتغاضى
فرعون عن طلب موسى وكأنه لم يسمع ، فهو لن يتخلى عن ألوهيته ، ولن يطلق سراح
اليهود .. وينتقل إلى الهجوم . فالهجوم خير وسيلة للدفاع . .. يقول لموسى باستعلاء
، فيُدلّ عليه
بفضله حين رباه في
قصره ، وينكر نبوته فقد عاش شبابه بينهم فمن أين جاءته النبوّة هذه ؟! وكيف يكون نبياً صالحاً من قتل قبطياً مسالماً حين كان
كافراً ؟! يطعنه
ثلاث طعنات يظن أنه
نال منه مقتلاً !
هجوم سريع على جبهات ثلاث . ... فيرد موسى هذه الطعنات بأقوى منها حين يعلن :
أولاً : أن قتل القبطي كان خطأ ، والخطأ غير العمد ، وأنه ما هرب إلا لعلمه أن
فرعون وملئه يبحثون عنه ليقتلوه دون أن يعرفوا الحقيقة ، وهذا ظلم كبير ما كان
للحاكم العادل أن يقع فيه " إن الملأ يأتمرون بك
ليقتلوك ، فاخرج ، إني لك من الناصحين "
ثانياُ : أنه لم يكن كافراً بل كان ضالاً يبحث عن الهداية ألم
يقل الله تعلى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ووجدك ضالاً فهدى " ؟ لم يكن موسى – كغيره من الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام – إلا باحثاً عن الحقيقة فهداهم الله تعالى إليها ، ورباهم على
عينه وجعلهم أنبياء يهدون الأمم ، وآتاهم النبوة وعلمهم الحكمة .
ثالثاً : نجد موسى عليه السلام يشن هجوماً مضاداً قوياً ينتقد
فيه ظلم فرعون وبطشه : " لئن قتلت قبطياً خطأ
فرأيتموه جرماً عظيماً إنكم قتلتم رجال بني إسرائيل سنوات طويلة واستحييتم نساءهم
، واستعبدتموهم عن إصرار . فمن المجرم الحقيقي ؟ ومن الذي يجب أن يحاسب ويعاقب
جزاءً وفاقاً ؟
قتل امرئ في
غابة........... جريمة لا تُغتفرْ
وقتـل شـعب آمـِنٍ
............ مسألةٌ فيها نظرْ!
إن فرعون –
حين تناسى الآية التي تدعو إلى عبادة الله وألوهيته – ظنّ أنه حرف الحوار إلى حيث
ينسى الملأ السبب الحقيقي لوجود موسى بينهم . لكنّ جواب موسى عليه السلام بدقة
وموضوعية ضيّق عليه الخناق ، فألجأه إلى العودة إلى الفكرة الأساسية التي جاء لها
موسى عليه السلام . فاضطر فرعون إلى العودة إلى السؤال الذي هرب منه ابتداءً فسأل
بسخرية وهزء : " وما ربُّ العالمين ؟" ولم يقل " من رب العالمين " ..إن
" من " للعاقل . و" ما " لغير العاقل ... تمالك موسى نفسه ،
فلم يجابهه – وهو بين يديه- بسخرية واضحة ، إنما غلّفها بسخرية أشد حين قال : " قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا
بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ " ففي الآية الأولى وصف الله
تعالى بأنه رب العالمين ، وهنا وسّع الأمر حين أخبر أنه رب السماوات ، ورب الأرض
، ورب ما بينهما ، فماذا بقي لفرعون من ألوهيّة؟
! ثم زاد على ذلك بأن اليقين الحق هو الإيمان بالله فقط حين قال " إن كنتم موقنين " .
وهنا أسقط
بيد فرعون فاستنجد بملئه يستعديهم على
موسى . " قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُ ألاتَسۡتَمِعُونَ
" ؟ وهذا حال الضعيف المستكبر ينكشف
بسرعة . فيلتفت موسى إليهم منبهاً أن الله تعالى هو الذي خلقهم وخلق آباءهم
، أما فرعون فمدّع كذاب " ربّكم وربّ آبائكم
الأولين " .. وهنا يستشيط فرعون غضباً ويسخر من موسى عليه السلام
ويتهمه بالجنون ليضحك منه الحاضرون . " إن رسولكم
الذي أرسل إليكم لمجنون " ونلحظ ارتفاع وتيرة الهجوم على الشخص لا على الفكرة ، فإذا سقط حامل
الفكرة سقطت الفكرة نفسها . .. وينتبه النبي المؤيد بالله تعالى إلى هذا
الاتهام ، فينفي الجنون عن نفسه ، ويرد الهجوم بهجوم أشد حين يضيف جديداً في
تعريفه بالله تعالى ، فهو سبحانه رب المشرق والمغرب وما بينهما . أما المنكر ذلك
فهو لا يعقل ، ومن لا يعقل فهو المجنون بحق . "
.. رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون "
.. فرعون يستفزه ليصرح بالهجوم فيقتله ، وردُّ موسى تلميحٌ لكنه أشد وقعاً من
التصريح . كما أن التلميح يدل على التماسك ورباطة
الجأش .
وهنا نرى
فرعون – إذ فقد بعض مقومات الحوار ( شروطه) التي ذكرناها قبل – يتهدد ويتوعد
بالاعتقال والسجن لمن يعبد غيره ، وهذا دأب الجبابرة والطواغيت في كل زمان ومكان .
" لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين "
ولم يقل لأسجنَنّك ، بل قال لأجعلنّك من السجناء الكثيرين الذين سجنتهم ، ونسيتهم
، وانتهى أمرهم ، فهذه عادتي ، وانا أفعل ما أشاء ... إهدار للإنسانية ، وكبت
للحرية ، وإرهاب فكريّ ، واستعباد للبشر ، وتألّه و...
وهنا لم
يعد أمام موسى عليه السلام سوى إظهار المعجزة التي ادّخرها للوقت العصيب الذي لا
ينفع فيه غيرها . إن العاقل لا يحتاج لمعجزات خارقة
للعادة تقهره فيما يعتقد . وإن الحرّ يحترم الفكر ، وإذا رأى الحق بينا واضحاً
أذعن له طواعية . لكنّ الفراعنة لا يجدي معهم هذا ، ولا بد للمتأله أن
يتعرّى بطريقة أخرى تحطم عجرفته واستكباره . وهنا جاء دور المعجزة . ..
يقول موسى
عليه السلام : " أولوْ جئتك بشيء مبين ؟ "
لو فهم فرعون السؤال بما فيه من تحدّ وثقة بالله ثم بالنفس فَهْمَ قلب وعقل لعلم
أن في الأمر ما يهزّ مكانته ، ويزعزع عرشه ، لكنّ الظلم ظلمات تعمي قلب صاحبه
وفكره . فقال قول المستبدّ المتعاظم : " فائت به إن
كنت من الصادقين " .. إن من يخاطر بروحه وحريته فيدخل على فرعون لا
يفعل ذلك إلا إذا كان على بيّنة من صدقه ، وعلى وضوح من موقفه . وهو صادق رغْم أنف
من رغِم ، وهذا نعت الصادقين على مر
الدهور وكرّ العصور ، يقفون شامخين أمام الصلف والغرور غير هيّابين ولا وجلين ..
وقد جرّب ما سيفعله الآن أمام رب العزّة فنجح في التجربة ، واطمأنّ إلى سلامة
موقفه ، ونجاحه في مسعاه . " فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا
هِىَ ثُعۡبَانٌ۬ مُّبِينٌ۬ ،وَنَزَعَ يَدَهُ ۥ فَإِذَا هِىَ بَيۡضَآءُ
لِلنَّـٰظِرِينَ " . لو كان فرعون إلهاً
لأبطل ما زعمه من أن ما فعله موسى سحر ، وأظهر عجز موسى بكل سهولة ويسر .
وهنا
يبدأ الحواربين فرعون والسحرة .
فهذا الإله ! "
الديموقراطي " يستشير " عباده " فيما يفعل و"
يتزلف " إلى السحرة " يستنجد بهم " ليقفوا أمام سحرموسى ! و" يستغل السحرةُ ضعف هذا الإله " حين يطلبون أجراً
مقابل ما يفعلون " أَٮِٕنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن
كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَـٰلِبِينَ " بل إن عجزه وضعفه يجعله " يمنيهم بأكثر مما يطلبون " بقوله " .. نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذً۬ا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ
" .
ويجهز
السحرة بأمر فرعون أنفسهم ليدافعوا عن ربهم الضعيف ، ويأخذوا من غنائم الدنيا
الفانية الفُتاتَ اليسير ..!
ولم
يقل لهم موسى حين التقاهم في الموعد المحدد سوى كلمات قليلة " ألقوا
ما أنتم ملقون " فالتحدّي بينه وبين فرعون . وما هم سوى أداة رخيصة بيد الظالم يستعملها حين
الحاجة فقط ثم يرميها . وهذه سمة الساقطين
دائماً ، وليتهم يدرون ذلك ، ولكن لهم قلوب لا يعقلون بها .
أما حين يتجرد الضعيف من ثوب الفناء ويعرف الحقيقة ، ويوقن بها فإنه
ينقلب نوراً هادياً وأسوة تحتذيها الأمم إلى يوم القيامة . وينقلب ضعفهم قوة ،
وهباؤهم أوتاداً وهوانهم عزة .
حين عرفوا
الحقيقة زال الخوف عن قلوبهم ، وامتلأت قلوبهم إيماناً فدوّت ألسنتهم بنداء الحق
وهم ساجدون للحق تبارك وتعالى فقالوا دون
خوف ولا وجل :
" آمنا برب العالمين ، رب موسى وهارون " كانوا
يؤمنون برب مصر الدعيّ ، فلما عرفوا الرب الحقيقي رأوه رب العالمين ، رب الداعيتين الرائعين موسى
وهارون عليهما السلام .
لما رأى
فرعون سجودهم لله، وإيمانهم بخالق السموات والأرض، وانقلب السحر على الساحر لم يدْرِ
ما يقول : أيعاقبهم على كفرهم به وإيمانهم برب موسى ؟ أم يعاقبهم لأنهم لم يستأذنوه
حين انقلبوا عليه ولم يستشيروه !!.. ثم اكتشف أنهم خُدعوا بسحر موسى ! الذي علمهم
السحر!
" قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُ ۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ
إِنَّهُ ۥ
لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ،
فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ
،
لَأقَطِّعَنَّ
أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ۬ ،
وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ
أَجۡمَعِينَ "
فكيف
أجابوا غطرسته وجبروته ؟ أتراهم استكانوا ، وخافوا ، وعادوا يتمسحون به ؟ أم شروا الدنيا بالآخرة ؟!
" قالوا لا ضير ، إنا إلى ربنا منقلبون "
من
ذاق عرف ، إنهم اشتروا الآخرة
.. فربح البيع .. ربح البيع ..
" إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين "
دراسة حوار من حديث نبويّ
عن أبي
أمامة الباهلي أن غلاماً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ،
فقال : يا
نبي الله ؛ أتأذن لي في الزنا؟
فصاح الناس
به .
فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : قربوه ، ادنُ .
فدنا حتى
جلس بين يديه ؛
فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : أتحبه لأمك ؟
فقال : لا؛
جعلني الله فداك .
قال : كذلك
الناس لا يحبونه لأمهاتهم . أتحبه لابنتك ؟
قال : لا؛
جعلني الله فداك .
قال : كذلك
الناس لا يحبونه لبناتهم . أتحبه لأختك ؟
وزاد ابن
عوف حتى ذكر العمة والخالة ، وهو يقول في كل واحدة : لا ؛ جعلني الله فداك .
وصلى الله
عليه وسلم يقول : وكذلك الناس لا يحبونه . ...................
فوضع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره ،
وقال : اللهم طهر قلبه ، واغفر ذنبه ، وحصّن فرجه
.
فلم يكن
شيء أبغض إليه منه .
الحوار
في هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم وشاب آمن ولكنه يستأذن في الزنا
الناس
يصرخون به ويؤنبونه حين طلب السماح له أن يزني ، وكادوا يضربونه .
الرسول
الكريم ذو القلب الرحيم والصدر الواسع صلى الله عليه وسلم يقرّبه منه ، ويهدّئ من
روعه .
حديث
منطقي هادئ ، بينهما .. متسلسل يعتمد على النقاط التي
يتفق عليها الطرفان .
الرسول صلى
الله عليه وسلم يكرّه إليه الزنا معتمداً على وجوب امتناع الإنسان عن أذية الناس
في أعراضهم . فيما يكرهه لنفسه وعرضه ، وعلى مبدأ " أحبَّ للناس ما تحب لنفسك " . بعيداً عن التشنجات والاستفزاز . في جو يحيط الطرفين بالرغبة في الوصول إلى الحقيقة ثم اتباعها.
. والدليل على ذلك اللطف النبوي في وضع اليد
الشريفة على صدر الشاب ، والدعاء له .
حوار
نثري
مسرحية
" عالم وطاغية " للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الحوار بين الشيخ سعيد بن جبير ، والحجاج بن
يوسف الثقفي والي العراق .
قال
الحجاج لسعيد: ما اسمك؟
قال: سعيد بن جبير.
الحجاج: أنت الشقي بن كسير.
سعيد: أبي كان أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيت وشقي أبوك.
سعيد: الغيب يعلمه الله.
الحجاج: لأبدلنك بالدنيا نارا تلظي.
سعيد: لو علمت أنك كذلك لاتخذتك إلها.
الحجاج: ما رأيك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: اختر لنفسك قتلة أقتلك بها؟
سعيد: اختر أنت يا حجاج.. فو الله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.
الحجاج: أتحب أن أعفو عنك؟
سعيد: إن كان العفو فمن الله.
الحجاج لجنده: اذهبوا به فاقتلوه! فضحك سعيد بن جبير وهو يتأهب للخروج مع جند الحجاج.
الحجاج: لماذا تضحك؟
سعيد: لأني عجبت من جرأتك علي الله ومن حلم الله عليك.
الحجاج: اقتلوه.. اقتلوه.
سعيد: إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
الحجاج: وجهوا وجهه إلي غير القبلة.
سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله.
الحجاج: كبوه علي وجهه.
سعيد: 'منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري'
الحجاج: اذبحوه!!
سعيد: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
ثم رفع رأسه إلي السماء وقال: خذها مني يا عدو الله حتي نتلاقي يوم الحساب:
'اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه علي أحد يقتله من بعدي'.
قال: سعيد بن جبير.
الحجاج: أنت الشقي بن كسير.
سعيد: أبي كان أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيت وشقي أبوك.
سعيد: الغيب يعلمه الله.
الحجاج: لأبدلنك بالدنيا نارا تلظي.
سعيد: لو علمت أنك كذلك لاتخذتك إلها.
الحجاج: ما رأيك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: اختر لنفسك قتلة أقتلك بها؟
سعيد: اختر أنت يا حجاج.. فو الله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.
الحجاج: أتحب أن أعفو عنك؟
سعيد: إن كان العفو فمن الله.
الحجاج لجنده: اذهبوا به فاقتلوه! فضحك سعيد بن جبير وهو يتأهب للخروج مع جند الحجاج.
الحجاج: لماذا تضحك؟
سعيد: لأني عجبت من جرأتك علي الله ومن حلم الله عليك.
الحجاج: اقتلوه.. اقتلوه.
سعيد: إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
الحجاج: وجهوا وجهه إلي غير القبلة.
سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله.
الحجاج: كبوه علي وجهه.
سعيد: 'منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري'
الحجاج: اذبحوه!!
سعيد: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
ثم رفع رأسه إلي السماء وقال: خذها مني يا عدو الله حتي نتلاقي يوم الحساب:
'اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه علي أحد يقتله من بعدي'.
نجد في هذا
القسم من الحوار الدائر – بأسلوب الشيخ يوسف القرضاوي – بين الحجاج والتابعي سعيد
بن جبير سمات الحوار التي عرفناها واضحة جلية من براهين
ورؤية واضحة وحفاظ على الهدف في إجابات سعيد بن جبير رحمه الله ، ونجد الاستعلاء والسخرية والغطرسة والانتقال هنا وهناك في
أسلوب الحجاج .
كما نجد في أسلوب الحجاج المباشرة والجرأة – فهو الحاكم المهاجم
دون مواربة – ونجد الجواب المحكم الموحي في أسلوب سعيد–
ولكنّه إيحاء أكثر ظهوراً من مباشرة الحجاج – ببراهين ساطعة واستشهادات مكينة.
الحوار
إذاً من أفضل الأساليب المعبرة عن الأفكار لأنه سماع وتفاعل تشتركُ
فيه كثير من الحواس المادية والروحية الفكرية . يبقى عالقاً في النفس مؤثراً فيها
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق