الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-03-29

أردوغان.... أم ....غولان ؟ - د. مصطفى الحاج حامد

على مر تاريخ تركيا الحديث لم تكن العلاقة جيدة بين جماعة فتح الله غولان والحركة الاسلامية التركية ممثلة برمزها المرحوم نجم الدين أربكان، فقد كانت الجماعة قريبة من قادة اليمين الوسط من الحركات السياسية أمثال سليمان دميرال وتورغت أوزال وحتى اليساري بولاند أجاويد.
التحول الهام الذي حصل على علاقة الجماعة مع النهج الاسلامي ،كان بعد الانقلاب العسكري الابيض على حكومة نجم الدين أربكان والذي أصبح يعرف بانقلاب 28 شباط لعام 1998م،يومها كان أردوغان على رأس بلدية اسطنبول وتم إزاحته بسبب قراءته لأبيات من الشعر، ليحكموا عليه بالسجن ظناَ منهم أنهم قد استطاعوا القضاء عليه وإنهاء مستقبله السياسي. ورغم علاقة الجماعة الجيدة مع الأحزاب التي وقفت مع الانقلاب العسكري والتي تسلمت السلطة بعده، ورغم دعمها وتأيديها لهذه الأحزاب ، لكن قاعدتها الشعبية لم تسلم هي الأخرى من ظلم العسكر الذين كعادتهم ظلموا كل المواطنين الأتراك. ولم تمكن هذه العلاقة الجيدة مع حكومة الائتلاف مابعد سقوط أربكان، لم تضمن لزعيمها فتح الله غولان العودة والعيش بتركيا ولم تؤمن للبلاد الأمن والاستقرار بل جلبت لتركيا ويلات التضخم المالي وإنهيار العملة وعدم الاستقرار.


أحد الكتاب الأتراك المقربين من الجماعة وبعد التقارب من حزب العدالة والتنمية ، أوجز هذا التحول في علاقة الجماعة بقوله: قد تكون الفائدة الوحيدة للإنقلاب العسكري الأبيض أنه أعاد لنا صحوتنا ووحدتنا كصف إسلامي . لكن على ما يبدوا لم تكون هذه العودة والوحدة سوى مرحلة عابرة مؤقتة ومرحلية.
ومن الأهمية الاشارة هنا إلى أن هذا التحول لم يكن بسبب قرب الجماعة من الحركة الاسلامية ،بل كان بسبب إنتقال حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردوغان وفريقه من اليمين الوسط وتوسعة مشروعه السياسي لتسع لكل شرائح المجتمع التركي وأطيافه السياسية المعتدلة بعد أن كان نقتصرا على الطيف السياسي الاسلامي أو المتدين في مسيرة استاذه أربكان.فالعدالة والتنمية هو من اقترب للجماعة وليست الجماعة من اقتربت للخط الاسلامي.
لا يمكن لأي عاقل ومنصف أن ينكر دور الجماعة الهام والقوي والمؤثر بما تملكه من أجهزة دعائية وقنوات إعلامية وصحف ومنابر اجتماعية مؤثرة  في دعم صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وظل هذا الدور مستمراً لسنوات عدية حتى بدأت مؤشرات التفسخ بالعلاقة منذ فترة ليست بالقصيرة لكنها كانت غير معلنة ومحصورة على علم الدوائر المقربة من الحزب والجماعة.
اليوم كل السيوف سلت من أغمدتها وأصبحت المعركة علنية بعد أن كانت سرية، ولم تعد لوي سواعد وتخويف وابتزاز، اليوم الكل ينظر لها كمعركة بقاء أو لا بقاء، وكل طرف يحاول بكل ما يملك من قوة أن يكون الفائز ،لأن كل منهما يدرك أن أي خسارة هي بداية النهاية .
والسؤال الكبير الذي يبحث عن جواب لدى الكثيرين ويخيف ويقلق الكثيرين ،هو هل ستستطيع جماعة غولان كسر شوكة وعزيمة أردوغان حتى تنهال عليه لاحقا بكل الاسهم والخناجر المتبقية لديها؟
الجواب بالنسبة لي لن يكون تنجيماً ولا رجماً بالغيب ،ورغم أن وطيس المعركة قد احتد وتم تجاوز كل الخطوط ،ولن يدخر كل طرف وسيلة إلا وسيستخدمها ،لكن كل المؤشرات تدل على أن أردوغان قد ربح المعركة وحسم الأمر منذ الآن ،ما لم يحدث ماهم عظيم وليس بالحسبان.مالم يقل الطرف الثاني علي وعلى أعدائي فإن إردوغان قد استطاع قلب الموازين لصالحه رغم شراسة الهجمة وتعدد داعميها من الداخل والخارج.
قادة الجماعة اليوم في حرج كبير لتبير هذا التحول وهذا الانقلاب على حليف الأمس الذي دعموه بكل ما يملكون من قوة إعلامية واجتماعية،وهم اليوم بحاجة لتبرير هذا التحول والتقارب نحو عدو الأمس الذي نعتوه بكل صفات البعد عن مفاهيم وقيم الجماعة.
أردوغان اليوم وبما يمتلك من صفات القيادة الكثيرة التي من أهمها الجرأة والقدرة على إتخاذ القرار والمخاطرة وزمام المبادرة يملك اليوم كثير من أوراق القوة التي تجعل كثير من مريدي الجماعة التفكير والتردد قبل اتخاذ القرار بمقاطعة الجماعة وعدم التصويت لها.
النجاح الاقتصادي وتأمين الاستقرار السياسي وتحقيق الانجازات الحقوقية التي كانت قبل عشر سنين تعتبر من المحرمات التي لا يجوز حتى التفكير بها،استطاع أردوغان اليوم وبدون أي ضجيج أن يحلها ويجعلها من المسلمات بعد أن كانت من المحرمات لأنها تخالف مبادئ العلمانية والاتاتوركية.
اليوم الجماعة تعود لموقعها الذي إعتادت عليه سابقاً لتتخندق مع تيارات تخالف تطلعات الشعب التركي وهذا ما سيجعل تأثيرها ضعيفاً ومحدوداً وغير قادر على فوز أردوغان الذي بدأ الشارع التركي يراه وكأنه قد تحقق.
أمر آخر يزيد من حظوظ نجاح أردوغان وهو نضوج الناخب التركي وتغليب المصلحة الوطنية على الصراعات الجانبية وإدراك الشعب التركي لأهمية الاستقرار والحفاظ على الأمن وإيمانه بأن التغيير يجب أن لا يكون إلا عبر صناديق الاختراع واحترام الارادة الشعبية على المحاولات الخفية والسرية التي لم تعد تجد لها مشجعين سوى من ينشد الصيد بالماء العكر وهم قلة قليلة في أجواء الديمقراطية والحرية الفكرية والسياسية.
وهذا ما ستأكده صناديق الاقتراع أو تكذبه بعد أيام قليلة.....
د.مصطفى الحاج حامد
طبيب وكاتب
drmh2009@hotmail.com



هناك تعليق واحد:

  1. كلام جيد , وفقك الله , سبحان الله لو توحد الصوت الاسلامي من مصر الى تركيا للجزائر لراينا العجب , نسال من الله ان يحق الحق ويمحق الباطل وان يهيء لهذه الامة من امرها رشدا
    عبدالباسط نصار ابوخليل


    ردحذف