لم يكن مخيم اليرموك أول ورقة توت
تسقط من على جسد النظام السوري؛ المتدثّر بثوب القضية الفلسطينية؛ فقد سبقه قتل وحصارٌ
وتآمر على المخيمات الفلسطينية، وتزكيةٌ للصراعات بين الفصائل باسم؛ القضية الفلسطينية.
في العام 2007 صدّر النظام السوري
إلى لبنان شاكر العبسي، فتسبب بدمار أحد أكبر و"أحسن" المخيمات في لبنان؛
نهر البارد. لم يأبه النظام السوري في سياق تسويقه لنفسه كمحارب للإرهاب أن يتسبب بأزمة
أمنية وسياسية وإنسانية كبرى لفلسطينيي لبنان. كان همّ النظام السوري أن يقول للعالم
إن لبنان تحوّل مرتعاً للجماعات التكفيرية وإن عودته إليه ضرورية!
ما فعله النظام السوري لجهة إطلاقه
المتطرفين الإسلاميين من سجونه هو بالضبط عودةٌ لـ "سيناريو" شاكر العبسي؛
حيث شكّل هؤلاء جماعاتٍ متطرفة تؤذي الثورة وتمنح النظام حبل نجاة، وتقتل من الثوار
أكثر مما تفعل بحق جيش النظام. داعش وأضرابها تعادل شاكر العبسي وأتباعه. لا يهم النظام
السوري إن كان هؤلاء سيضربون البيئة المؤيدة له في لبنان؛ سواء في الضاحية أو في البقاع
الشمالي، ولا يهمه إن تورط فلسطينيون في أي مخيم بذلك، بل يغويه أكثر أن توجَّه الاتهامات
إلى أي مخيم جديد، سيما إن كان عين الحلوة.
في أيلول من العام الماضي فرض النظام
السوري حصاراً شديداً على مخيم اليرموك، القريب من دمشق، والذي يضم نحو 180.000 فلسطيني؛
لم يبق منهم حالياً سوى نحو 20.000؛ بلغ منهم الجوع حد أكل القطط والكلاب، ومع أن جهاتٍ
عديدة لم تتأخر في طرح مبادرات لإنقاذ الوضع؛ على أساس إخراج المرضى والجرحى وكبار
السن، أو تحييد المخيم وإخراج المسلحين من الجهات كافة منه، أو إدخال معونات إغاثية
للمحاصرين في المخيم، إلا أن ذلك كله لم يثمر، وبقي المخيم محاصراً، وقد مات ما لا
يقل عن مئة فلسطيني فيه جوعاً، غير الذين ماتوا بالقصف والقنص.
قبل نحو أسبوع؛ ونتيجة اتصالاتٍ دولية
وجهودٍ فلسطينية؛ سمح النظام –بشروط- بإدخال مساعدات إنسانية؛ قدمتها جهاتٌ أهلية عربية
وإسلامية، دون أن يتوقف حصار المخيم أو تنجح الوساطات التي تعمل على خط تحييده وإخراج
المقاتلين منه، لأن النظام يصر على بقاء شبيحته المنضوين في إطار "الجبهة الشعبية-
القيادة العامة" في المخيم.
دخول المساعدات الإنسانية كشف مشاهد
مرعبة؛ تظهر بوضوح وحشية نظامٍ؛ يقتل من يدعي الدفاع عنهم، باسم قضيتهم، دون أن تأخذه
رأفة بشيخٍ مسنٍ أو طفل رضيع. لا يخفي هذا المشهد؛ حقيقة وجود تجار حرب لا يتورعون
عن إخفاء مواد غذائية عن الجوعى ما لم يقبضوا ثمنها أضعافاً، سواء كانوا في يلدا أو
الحجر الأسود (مناطق ملاصقة لليرموك) أو في أي مكان آخر كان يمكن أن يساعدوا من خلاله
أهل المخيم.
لقد كشفت مأساة مخيم اليرموك حقيقة
شعار الممانعة الفارغ من أي مضمونٍ غير المتاجرة بالقضية الفلسطينية، تماماً كما كشفت
حقيقة الفصائل التي تحمل السلاح باسم القضية الفلسطينية، ليتبين أنها ليست إلا فصيلاً
في منظومة النظام السوري (الجبهة الشعبية وأمثالها)، وأنها لا تتورع عن قتل الفلسطينيين
عندما يأمرها سيدها بذلك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق