بسم الله الرحمن الرحيم
الثورة السورية نموذج لأكثر
الثورات نبلا وتضحية من جانب الشعب السوري البطل، وخسة ونذالة من جانب النظام
الدموي الإرهابي الحاكم . لقد بدأت الثورة السورية بداية سلمية هادئة من خلال بعض
الأطفال الذين كتبوا على الجدران الشعب يريد إسقاط النظام ! ولكن زبانية النظام
أخذوا الأطفال وعذبوهم وخلعوا أظفارهم، فاضطر الناس إلى التظاهر من أجل الأطفال،
فواجههم الزبانية بالعنف وإطلاق الرصاص . ثارت المناطق الأخرى في سورية من أجل
المنطقة التي بدأت فيها الثورة، وهي درعا،
واتسع نطاق المظاهرات السلمية حتى شمل
معظم أنحاء سورية باستثناء حلب ودمشق . قابل النظام المظاهرات السلمية بكل قسوة
ووحشية، وظلت هذه المظاهرات التي كانت تخرج من المساجد كل يوم جمعة نحو سبعة أشهر
حتى ازدادت جرائم النظام المتوحش، فبدأت المقاومة المسلحة لرد وحشيته من خلال بعض
المنشقين العسكريين ؛ حيث لم يكن هناك مفر من مواجهة القوة العمياء التي لم توفر
طفلا ولاشيخا ولا امرأة، واستباحت البيوت الأمنة والبلدان الهادئة واستخدمت أحدث
أنواع الطيران والدبابات والمدفعية والصواريخ الباليستية التي يملكها الجيش العربي
السوري في قصف الأحياء المدنية العزلاء، وأبدعت – ياللمفارقة – ما يسمى بالبراميل
المتفجرة، وهي قنابل محلية الصنع تبيد البشر والحجر تقصفها بوساطة الطائرات
الحربية، مما جعل الوضع يتحول إلى حرب مدمرة جعل معظم مدن سورية بما فيها حلب وحمص
ودير الزور والرقة وريف دمشق إلى ركام وحطام .
نتائج الحرب الدموية حتى كتابة
هذه السطور أكثر من مائة وعشرين ألف قتيل، وثلاثة ملايين نازح ولاجئ مشردين في
أرجاء المعمورة، وانهيار اقتصادي واجتماعي وتعليمي و....
لم تفلح محاولات إثناء النظام
الطائفي المستبد في دمشق عن استمراره في القتل، ولم يقبل بالحلول العربية
أوالدولية حتى هذه اللحظة، ويستند في إجرامه إلى بعض القوى الدولية والإقليمية
التي تمده بالسلاح والرجال والمال من أجل مصالح لا تخفي .ومازال الدم السوري
ينزف في كل مكان ...
الثوار السوريون في الداخل
والخارج صنعوا أدبا يتماشى مع حركة الثورة وتحولاتها، ينشر بعضه اسبوعيا في موع
رابطة أدباء الشام، وبعضه ينشر في الصحف والمجلات العربية ، وهناك فيض من
الشعر والقصص والروايات والمسرحيات، فضلا عن المقالات التي تتابع الأحداث وترصد ما
يجري وتقوم بدور قيادي وتوجيهي وتحريضي على الاستمرار والمثابرة في الثورة ليخرج
الشعب من شرنقة الذل والعبودية والعذاب المستمر منذ استولى الديكتاتور الأب على
السلطة عام 1970!
هذا الأدب الثوري يتميز بالمباشرة
والخروج أحيانا على القواعد الفنية التي تميز الأجناس الأدبية، وقد يقع أحيانا في
بعض الأخطاء النحوية، ولكنه أدب حي يتميز بالإخلاص والعفوية والرغبة العارمة في
تحرير الوطن والمواطنين واستعادة الهوية الإسلامية والانخراط في سلك الحياة
الإنسانية العامة بمعطياتها الخيرة في العمل والإنتاج والإبداع والمشاركة في
العطاء الحضارى الإنساني .
يمكن القول إن النص الأدبي الذي
يقدمه الدكتور عامر البو سلامة تحت عنوان : مسرحية "على رصيف في
شارع عربي " ( حوارية )، من أدب الثورة السورية الذي يخضع لروح المعاناة التي
يعيشها الشعب السوري في ثورته النبيلة ضد القتلة وأعداء الوطن والحرية .
وقد أراد مؤلف النص أن يكون
مسرحية قصيرة تتكون من عدة مشاهد تقوم على الحوار بين صديقين يجلسان على رصيف في
أحد الشوارع العربية، وكأن ما يجري في سورية ينطبق على كل الشوارع العربية بلا
استثناء، فهي تبحث عن الحرية والعدل والكرامة ومستوى العيش الإنساني الذي يليق
بالإنسان العربي .
ولأن المسرحية ترتكز على الحوار
والمشاهد، فقد أراد المؤلف أن يتجاوز ما يمكن أن يطالب به من عناصر أخري في فن
المسرح، فجعل العنوان الفرعي ( حوارية ) ليقدم للقارئ نصا يحكي عن الواقع في
سورية والبلاد العربية، وهو واقع ينضح بمخالفة حقوق الإنسان والاستهانة بكرامة
البشر ويجعل الطاغية الحاكم فوق البشر، ولذا يأخذنا في المشاهد من موقف مؤلم تعيشه
الأمة إلى موقف آخر يكشف فيه حقائق قد يجهلها الثوار أو المواطنون، كما يوضح كثيرا
من مناطق الخلل التي تحكم حياتنا العربية وأساليب الطغيان التي تخربها .
وتبدأ المشاهد بحوار الصديقين عن
رؤية الربيع العربي وما يثيرة من تأويلات بين المناصرين للثورة والمعادين لها على
النحو التالي :
"
- لماذا أنت متشائم دائماً، لا
يعجبك شيء، تتململ بصورة مستمرة.
-
بالعكس، أراني اليوم متفائلاً أكثر من أي زمان مضى.
-
هل من جديد يا سيادة الفيلسوف؟؟!!
-
كثيرة هي الأشياء الجديدة, والجميلة.
-
الله.....الله........لغة غير مألوفة, قل لي ما الخبر؟
-
( الربيع العربي) آتى أكله, وأينعت ثماره, وحان قطافها, والشعب العربي في بلاد
الربيع أصحابها.
-
تحولت إلى شاعر بين عشية وضحاها, وغيرت قناعتك في الربيع, ...................أسمع
منك عكس ما كنت تردد" .
وفي المشاهد نتابع ما يقوله
الإعلام الفاسد وما يروج له الحكام الطغاة عن الحرية وهم يعذبون الأحرار ويفتكون
بهم في السجون والمعتقلات، ولا يكفيهم ذلك بل يدمرون مدنا بأكملها ويقتلون عشرات
الآلاف كما حدث في حماه، ويسخرون الإعلام لأكاذيبهم ومفترياتهم ووعودهم التي لا
تتحقق عن الحرية والعدالة وحماية الأوطان والدفاع عنها .ثم استعانتهم بأعوان جهلاء
لايفقهون إلا لغة الدم والأذي مثل ذلك المحقق الجاهل الذي كان يحقق مع مواطن مسيحي
قبض عليه خطأ ضمن الإخوان المسلمين، حيث يقول له المواطن المسيحي: يا سيدي، أنا
لست من الإخوان، أنا مسيحي! فيرد عليه المحقق الجاهل: مسيحي وكمان إخوان!!!!؟؟؟؟؟
هكذا يأخذنا الحوار بين الصديقين
إلى مسالك ودروب الواقع العربي بمفارقاته المخزية التي يكشفها واحدة واحدة حتى يصل
بنا في ختام المسرحية الحوارية إلى نموذج الثورة الحقيقية والتضحية التي تبث في
النفوس الحمية وفي القلوب الصلابة وتدعو إلى استمرار الجهاد والمقاومة حتى يسقط
الطواغيت وأعداء الحياة والحرية .
إن الحوارية تذكرنا بمسرح توفيق
الحكيم التأملي أو الذهني الذي يتوجه إلى القارئ حيث كان ؛ قبل أن يخاطب المتفرج
من فوق خشبة المسرح، وهذا اللون قد يختصر المسافة بين الفكرة وذهن القارئ ليقدم له
الرؤية التي يراها الكاتب سريعا ومباشرة، وتتفق مع الحالة الثورية التي يكون فيها
القارئ على موعد مع الجهاد أو النزوح أو اللجوء فلا مكان لديه لينصب مسرحا أو يقيم
احتفالية يؤدي فيها الممثلون النص الذي كتبه .
المؤلف الدكتور عامر البوسلامة
أكاديمي من مواليد دير الزور عام 1960 وله مؤلفات في مجال الفقه المقارن ( تخصصه
الدقيق) وله مؤلفات أخرى أدبية واجتماعية، ومسرحيته أو حواريته تجعلنا ننادي
الإسلاميين أن يهتموا بالأدب الإنشائي في كل ألوانه وأن يثبتوا وجودهم الإبداعي
لمخاطبة الجانب الوجداني والشعوري وألا يكتفوا بالخطابة وحدها أو الشعر الخطابي
وإن كان لهما دور لا يستهان به وخاصة في ظروفنا الراهنة .
نحن نحتاج إلى القصة والرواية
والمسرحية والملحمة، وأن نخاطب أفئدة الناس جميعا وليس الإسلاميين وحدهم، لننقل
الرسالة الإسلامية العظيمة الرائعة،ونواجه الشر الذي يصنعه الطغاة وأعداء الشعوب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق