بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيّدنا
رسول الله
أمّا بعد، فقد ورد إليّ سؤال حول حكم
الانسحاب من العمل للثورة في بلاد الشام؛ فأقول جوابًا على ذلك:
إنّ الله تعالى حين فرض الجهاد وكتب
القتال جعله النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ماضيًا إلى يوم القيامة، حين قال: (لا
تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة)، والجهاد كما هو معلومٌ
لا يتوقّف عند الجهاد بالنفس بل يتعدّاه إلى الجهاد بالمال (وجاهدوا بأموالكم) والجهاد
بالقرءان المشتمل على الفكر والنظر في الأدلّة ودحض الحجج؛ كما قال تعالى: (وجاهدهم
به جهادًا كبيرًا).
وكلُّ جهدٍ يبذله الإنسان في سبيل
نصرة المجاهدين في أهل الشام أو المهاجرين من بلاد الشام يندرج تحت مفهوم النصرة والجهاد
الذي لا ينبغي أن يقعد عنه العقلاء!
ولمّا كان من عادة الإنسان السأم والملل،
والنسيان والتراخي؛ فقد أدّى تطاول مدّة الجهاد في بلاد الشام إلى فتورٍ في النفوس،
واستثقال للمهمّة أقعد كثيرًا من الناشطين الذين كادت هممهم تناطح السحاب حين أرادوا
– ابتداءً - بذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، ثمّ ما زال ضعف الهمّة يأخذ منهم مأخذَهُ
حتّى بُغّض إليهم العملُ للمجاهدين والمهاجرين من أهل الشام.
ومن المعلوم أنّ الله تعالى حين يستخدم
الإنسان في الطاعة فإنّه يبلوه بالخير كما يبلوه بالشرّ، فمن صبر على ما ابتلاه الله
به من خيرٍ أو شرٍّ نال ثواب طاعته مع ثواب الصابرين، ومن تخاذل فإنّه يوشك أن يكون
ممّن انقلب على عقبيه بعد إذ هداه الله، وطوبى لمن استعمله الله قبل الفتح والنصر.
والمنسحب من الثورة في هذه الأيّام
- التي ما زالت تدور فيها معارك بين المجرم الطاغية في بلاد الشام وبين عباد الله من
أهل الشام، على اختلاف أنواعها من قتال وحصارٍ وتجويعٍ وتهجيرٍ – هو ممّن تولّى يوم
الزحف ما لم يكن له عذرٌ مقبولٌ عند الله تعالى، كالجراح والعمى والعرج أو التحيّز
إلى فئةٍ، أو التجهّز لجولة أخرى.
فإن كان ممّن ابتعد عن ساحات العمل
لضرورة المال فهو معذورٌ ما لم يجد سبيلاً لكسب الرزق إلاّ بالابتعاد عن ساحات المشاركة
في الجهاد، وهو مع ذلك مُطالبٌ أن يُمدّ المجاهدين بما يقدرُ عليه من علمٍ ومالٍ وإمكاناتٍ
وسلاحٍ.
وإن كان ممّن ابتعد للراحة والدعة
وجمع المال والالتفات إلى الدنيا، وآثر هدوء البال على المشاركة في معركة الأمّة، فهو
المحروم الذي لم يكرمه الله باستمرار المشاركة في هذه الجولة المباركة من جولات معركة
الأمّة. وهو آثمٌ لا ريب لتخاذله عن نصرة إخوانه بالنفس أو بالمال أو بأن يصرف جزءًا
من وقته لنصرة أهل الشام من المجاهدين والمهاجرين، ولن يضرّهم من خذلهم، بل هو المتضرّر
في الدنيا والآخرة بخذلانه لنفسه.
ومن المفيد أن نذكّر أنّ معركة الأمّة
التي تدور رحاها في بلاد الشام لا تتوقّف المشاركة فيها على الحضور في ساحات القتال،
- رغم أهمّيّته- فهو من فروض الكفايات التي إذا قام بها من تحصل بهم الكفاية سقط الإثم
عن المسلمين وإن لم يقم بها من تحصل بهم الكفاية أثم المسلمون جميعًا. وإنّما يجب على
كلّ من ينتمي إلى الأمّة أن يُصدّق انتماءه بمُشاركته في معركتها في أرض الشام من موقعه،
وعلى قدر وسعه واستطاعته.
ولا يخفى أنّ الجهاد الذي لا يُدعم
بالمال لا يُمكن أن يستمرّ ولا أن يُكتب له النصر، ولذلك فقد حثّ الله تعالى في مواضع
على بذل الأموال في سبيل نصرة الحقّ وأهله، حتّى أخبر الصحابة عن فضل عثمان وأنّه لن
يضرّه ما صنع بعد اليوم بعد بذل أمواله في سبيل الله تعالى.
نسأل الله أن يثبّتنا، وأن يستخدمنا
فيما يرضيه، ونعوذ بالله من الخذلان.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى
آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق