" ليست المشكلة
في إفلاس الطغاة. المشكلة في الذين يصدقون ما يقوله الطغاة، ويسيرون مع تضليله كالعميان"
تأخر انتصار الثورة السورية. والسبب
الاساسي لذلك التأخير هو الطبيعة المريعة للواقع
الاستبدادي الفاسد الذي ترسّخ في المجتمع،
وثارت عليه الثورة، بالإضافة إلى المواقف
السلبية المتناقضة لأطياف مختلفة من الشعب
السوري وريثة عقود الاستبداد سواء من خارج المعارضة أو في صفوف المعارضة.
ويبدو أنّ الأقليّة الثوريّة هي الوحيدة
الحاملة على أكتافها العبء الكبير للثورة. ....أما الأكثريّة من المعارضين والرماديين
وحملة فكر الأقليات والانتهازيين والجبناء والجاهلين والرجعيين واللصوص والمنتفعين
من حرب النظام؛ فهم الذين وقفوا بقصد أو من
دون قصد مع النظام، يحاربون في صفه، وبسهمون
في عرقلة نصرة الثورة ونصرة مبادئها . لذلك تبدو المعركة طويلة شاقة ذات تكلفة دموية باهظة. لكنْ، لم يعد بالإمكان إلا
الاستمرار في طريق الثورة والكفاح عسكريا ومدنيا وثقافيا مهما كانت التكلفة، وكيفما
جاءت الظروف؛ لأن الرجوع يعني الخسارة المطلقة للحاضر والغد.
حتما عندما تتغير المعادلة،
تنتصر الثورة. ولا يكفي الثورة لكي تنتصر أن تكون محمولة في قلوب مؤمنة وفي عقول تستشرف النصر، وعلى أيدٍ قويّة مصرّة على قلع الاستبداد وتطهيره
من مخلفات الجهل والفساد. لأن عمليّة النصر يلزمها إحراز تطوّر ثوري حقيقي على الأرض وعلى الساحة السياسيّة وفي قلب السلطة
الشعبيّة، ما يستدعي فهما عاجلا أعمق وأكثر تفصيلا لطبيعة المتناقضات والتراكمات
التاريخيّة ، بالإضافة إلى وعي منطق الخصومة التي تؤثر في العلاقة مع الحلفاء والأعداء
والأصدقاء وتبني منظومة العلاقات والمصالح في الداخل والخارج وفق الاختلاف والتضاد
والائتلاف.
كل البشر تعمل بمبدأ مصلحتها وسيادتها. والناس
ترى موقفها وموقعها من حيث المنفعة والمال والسلطة والمكسب. أما المبادىء والمثل ومفاهيم
الحقيقة والحق؛ فمكانها في الأدب والفلسفة والقصص الخيالية والحكمة الأخلاقية وقد تقتصر
على نخبة من الملتزمين وأصحاب المباديء... للأسف، المجموعات البشرية، في العموم، تحرك أغلبها العصبيّة متمثلة في حالات
تطرف وعنصرية وطائفيّة . بعضها يحوّل عنصريته
وطائفيتيه إلى مسالك ومواقف وربما حروب، وبعضها يستره لوقت الحاجة والخطر حين تتهدّد مصالحه. ...وغير ذلك وهم وتضليل ذاتي وتاريخي. وهذا الأمر يكتشفه الإنسان
عندما يتأمّل بموضوعيّة وعمق في أفعال البشر وفي مواقفهم وحروبهم عبر التاريخ وفي الحاضر، على الأرجح لن
تخدعه مظاهر الادعاء وأشكال الأزياء المدنية المبهرة والزخارف الحضاريّة وشعارات العلمانية
والمساواة وحرية الاعتقاد والأخوّة الإنسانية
ومبادىء حقوق الإنسان؛ فسرعان ماسيكتشف حالة متأصلة من العصبيّة تحت الأقنعة. ....،
.
الأساس في الحرب على الشعب السوري هو العصبية الحاقدة والاستبداد ، وهو إنكار الحق
الشعبي التحرري والإصرار على تحطيم جوهر الذات الشعبيّة والفرديّة في حرية التفكير
والرأي والإيمان الفاعل، والادّعاء عليه، في
مشروع تحرره، بالإرهاب والخيانة، خصوصا في مطالب الأغلبية المسلمة المقهورة الباحثة
عن العدل، ثم قيام الطغمة العنصرية الحاكمة وعصاباتها بتبرير التطهير الطائفي الموجه
ضد الشعب بتهمة الخيانة والإرهاب.
وبالمقابل، يقوم النظام ومن معه من
الكثيرين المنتفعين برفع شعار "غير طائفيين
وغير عنصريين"، وهم يمارسون الحرب العنصرية والإرهابيّة، في تزييف عريض وعميق للحقائق، ينقضّون على الرافضين
المختلفين، غير المندمجين في منظومتهم الأيديولوجيّة
والفاسدة والعصاباتية من عموم الشعب، امام إي إعلان ومسلك ومطلب بحقوقهم في الحرية والعدالة والاعتقاد والرأي
والعدالة، لأن ذلك يهدد سلطتهم ونهبهم المتواصل الممنهج، ويناقض مستقبل مصالحهم ومواقع هيمنتهم، ويمزّق شبكة فسادهم واقعيا وقيميا، ويفتح ملفات
خطيرة تزعزع بقاءهم. ، فيحاربون الشعب بلا
رحمة ولو بالإبادة... وحين يصر الشعب في دفاعه
عن وجوده وحريته وكرامته وهويته الذاتية العقائديّة التي ورثها عن أهله، مثلما ورث
آخرون غيره هوياتهم الذاتية العقائديّة وتمسكوا بها عن تقليد أو إيمان؛ يشطّون في التّعدي والتّجني و فعل كل أشكال الباطل
، ويمارسون بمكر دنيء اللعبة التقليدية التاريخية وهي الحرب على الإرهاب والإرهابيين...
الجلاد يطلب من الشعب الضحية أن يسالمه
ويخنع له وأن ينافق ويفسد. لكي يفرض عليه إرادة
المتغطرس، في إبداء الخنوع والانصياع، حتى لو بممارسة التمثيل والتلوّن والنفاق؛ لكي
يعترف به علنا حاكما مهيمنا على كل شيء حتى على الحياة. ...هكذا يريدون للعبة أن تكون.
لعبة قذرة بلا رحمة. حالة إرهابية من النفاق والرياء والزيف والخنوع والتقنّع بشعارات المدنية والانفتاح والعلمانية
أو الشعاراتية الدينية..والوجه الحقيقي ينضح بعنصريته وكراهيته للآخر وطغيانه عليه، وتسويغ هيمنته بالتفوّق والنخبوية المختارة وحق الإبادة والتطهير تحت مسمى
مكافحة الإرهاب والظلاميين.
المعركة الآن بين أن تكون إنسانا مؤمنا بالحق
والحقيقة والعدل والكرامة. سواء آمنت بدبن أو لم تؤمن. سواء كنت مؤمنا بإلة واحد أحد
أو لم تؤمن، وبين أن تكون نصير الكذب والباطل والظلم تحتمي بقوقعة مذهب ودين وحزب وعصابة ليس أكثر من كهف للقتل والكره والحقد والجهل والعنصرية
والفوقية. ومادام الإنسان حيّا بذاته وإرادته سنقوى في خوض المعركة. ، الذات لا تنتهي في صدمة
ولا تنتهي في حادثة ولا تنتهي في مأساة، بل
تستمر في البقاء وعلينا الاستمرار في صناعتها وتشكيلها وتقويتها لكي نخلق أنفسنا وقيمتنا
ونطبع على درب الحياة مسيرة أقدامنا الصلّبة.
من المستحيل أن تقبل الأحيال الثورية القادمة
بأي شكل من اشكال الدكتاتورية. دكتاتورية طائفة. دكتاتورية حزب. دكتاتورية مذهب. دكتاتورية
فرد. لذلك ستسقط كل الرموز القديمة للنضال السياسي والفكري لأنها كانت مندمجة ، في
مجملها، بشكل ما، في حالة الدكتاتورية والعنصريّة
والطائفيّة. والرموز الحالية التي ترفع العلماتية أو الشعاراتية الدينية للتضليل، ستسقط إن استمرت في فرض الرأي والسلطة بالقوة، وفي
التعبئة القائمة على القهر واستغلال المقهورين وقمع المطالبين بالحرية
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق