الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-03-29

محاكمة يزيد بن معاوية (مسرحية خيالية قصيرة) – بقلم: طريف يوسف آغا

يرفع الستار على قاعة المحكمة حيث يجلس في قفص الاتهام رجل في ثوب أبيض أشبه بالكفن في حين هو نفسه أشبه بالأموات أو الأشباح منه بالأحياء. القاضي يجلس خلف منصته وممثل الادعاء والدفاع على الجانبين في مواجهة بعضهما. يضرب القاضي المنصة بمطرقته معلناً بدء المحاكمة.
     يتوجه القاضي بالكلام للرجل الجالس في القفص
القاضي: نعتذر عن استحضار روحك من العالم الآخر بعد أكثر من ثلاثة عشر قرناً من رحيلك، ولكن يبدو أن ماارتكبته خلال حياتك مازال يؤثر فينا حتى اليوم. ولذلك رأينا أن نحضرك لتواجه محاكمة عادلة علها تساعدنا أن نتصالح ونعيش بسلام وننسى الماضي. قبل هذا أريدك أن تجيب على عدة أسئلة بنعم أم لا.


القاضي: هل أنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية القرشي؟
لم يجب المتهم، ولكنه أومأ برأسه علامة الايجاب
القاضي: هل شغلت منصب ثاني خلفاء بني أمية لمدة أربع سنوات؟
عاد المتهم وأمأ برأسه علامة الايجاب
وهنا التفت القاضي إلى ممثل الادعاء وسمح له باستجواب المتهم. كان ممثل الادعاء رجلاً ذا لحية قصيرة، يلبس عمامة وعباءة سوداوين ويربط على جبينه شريطاً أسوداً كتب عليه (يالثارات الحسين). اقترب الرجل من القفص وبدأ بطرح الأسئلة.
الادعاء: ألم يورثك والدك معاوية بن أبي سفيان الخلافة بدون حق بعد أن اتفق مع الحسين بن علي أن يتولى الخلافة بعد وفاة أبيك؟
محامي الدفاع: سيدي القاضي، أعترض على صيغة السؤال باعتبار المحاكمة ليزيد وليس لأبيه.
القاضي: الاعتراض مقبول ويرجى من الادعاء إعادة صياغة السؤال
الادعاء: حسناً، ألم تستولي على الخلافة وأنت تعرف أنها من حق الحسين بن علي حسب اتفاق سابق بينه وبين أبيك؟
المتهم، وكعادته، لم يجب ولكن أومأ برأسه علامة الايجاب
الادعاء: ألم ترسل جيشك إلى العراق لمحاربة الحسين بن علي، حيث تم قتله في معركة كربلاء وقطع رأسه وإرساله إليك في دمشق؟
أومأ الرجل من جديد بالايجاب
الادعاء: ألم تورث الحكم بلا حق لابنك معاوية بن يزيد من بعدك؟
عاد المتهم وأمأ برأسه بالايجاب.
وهنا استدار ممثل الادعاء إلى القاضي وخاطبه قائلاً: سيدي القاضي، لقد اعترف المدعى عليه بكافة التهم الموجهة ضده، ولذلك فأنا أطالب له بأقصى العقوبات. التفت القاضي إلى محامي الدفاع وسمح له بالبدء بالمرافعة، حيث نظر الرجل إلى المتهم وإلى ممثل الادعاء ثم التفت موجهاً كلامه إلى القاضي.
المحامي: سيدي القاضي، لاأجد الكثير مما أقوله في الدفاع عن يزيد بن معاوية، فالرجل اعترف بكافة التهم الموجهة إليه. ولكن ماأريد أن ألفت انتباه المحكمة الموقرة إليه هو التالي: الأنبياء فقط هم من يوحى إليهم ويبين لهم الصح من الخطأ، أما بقية الناس فليسوا كذلك كانوا من كانوا، وبالتالي فهم قد يصيبوا وقد يخطئوا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فالناس بطبيعتهم ضعفاء أمام إغراء المال والحكم، وقد يرتكبون في سبيلهما أبشع الجرائم ويقدمون بعد ذلك العديد من المبررات والفتاوى لارتكابهم لها، ومنها للأسف الفتاوى الدينية. وهنا يأتي دور القانون الذي يتوجب عليه منع أمثال هؤلاء من ارتكاب تلك الجرائم وزج الأديان والمقدسات لتبريرها، في حين أن هدفهم هو التسلط وتحقيق مكاسب سياسية أو مادية دنيوية لاأكثر، وبالتالي يتوجب محاسبتهم عليها بموجب القانون. وعلينا أن لاننسى هنا أن الأديان، وكونها منزلة من قبل الخالق، لايمكن أن تأمر بارتكاب الجرائم والمجازر بحق الآخرين، ولكن تحريف الانسان لمعاني تلك الديانات لتخدم أهدافه وأطماعه هو السبب الرئيسي للحروب والنزاعات والفتن عبر التاريخ.
     وتابع المحامي قائلاً: سيدي القاضي، لاأعتقد بأني أبتعد كثيراً عن الحقيقة عندما أقول بأن الحكم في الاسلام بعد رحيل الرسول (ص) ومن ثم الخلفاء الراشدين قد تحول إلى صراع سياسي صرف على الحكم والنفوذ. وكان كلما تقدم الزمان مبتعداً عن تلك الفترة، كلما زادت حدة ودموية هذا الصراع، وكما مارسه أهل السنة، فقد مارسه أيضاً أهل الشيعة وغيرهم من الطوائف. كما وكان قد حصل مايشبه هذا عند اليهود والمسيحيين قبل الاسلام وبعده حيث كان زعيم كل طرف يدعي أنه على حق وأنه يمثل إرادة الله ويتبع تعاليم الدين، في حين أنه في الواقع كان يلهث خلف السلطة والنفوذ ليس إلا. لقد انتبهت أوربة لهذه المهزلة قبلنا، ففصلت الدين عن الدولة، بمعنى أنها جعلت كلاً من الحاكم ورجل الدين عرضة للمسائلة القانونية في حال خالفا القانون، وبالتالي جردت الأول من إدعائه بأنه يحكم بأمر الله وجردت الثاني من إدعائه من أنه وسيط الناس مع الله.
     سيدي القاضي، لن يتحقق العدل بمحاكمة الأموات والثأر منهم بعد قرون من رحيلهم، كما وأنها مهزلة ممجوجة المطالبة بالثأر من أناس اليوم لمجرد أنهم يتبعون نفس المذهب الديني أو يعيشون في نفس المكان الذي كان يعيش فيه من ارتكب جرائم قبل قرون. لنترك محاسبة من رحل على خالقه، فهذا هو سبب وجود يوم القيامة أصلاً، وإذا ماذهبنا في هذا الاتجاه لوجب حرق الألمان بسبب مافعله هتلر وإعدام الفرنسيين بسبب مافعله بونابرت، وتدمير اليونان بسبب الاسكندر المقدوني وهكذا. ونحن إذا نظرنا في تاريخ الشيعة أنفسهم لقرأنا عن مجازر يندى لها الجبين ارتكبها تيمورلنك واسماعيل الأول وعباس الأول الصفويين وغيرهم من أهل الشيعة بحق أهل السنة، ولكن هذا لايعني وجوب محي كل الشيعة من الوجود. سيدي القاضي، لاوصف لجرائم الحرب أو الجرائم ضد الانسانية إلا بأنها جرائم، ولابد من محاسبة من ارتكبها فيما إذا كان مايزال على قيد الحياة، أما من رحل من هؤلاء الجزارين، فلنترك حسابه على صاحب يوم الحساب.
     وهنا التفت القاضي إلى ممثل الادعاء وانتظر رده، فما كان منه إلا أن نظر في الأرض ولم ينطق بكلمة. فضرب القاضي بمطرقته على المنصة وقال: حكمت المحكمة بأن محاسبة الموتى ليست من اختصاص محاكم الدنيا، وبالتالي تحال القضية لعزرائيل ومنه إلى الرتب الأعلى حسب التسلسل، وبامكان روح المتهم العودة من حيث أتت وانتظار محاكمتها يوم الحساب. أما من يرتكب الجرائم في الزمن الحاضر، بأي حجة دينية أو مذهبية، فيتم إحضاره إلى هذه المحكمة لمحاسبته وفق القانون، وستكون عقوبته مضاعفة لأنه استعمل الدين لتبرير جرائمه. رفعت الجلسة.
***
(يسمح بنشرها دون إذن مسبق)
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 23 جماد الأول 1435، 24 آذار، مارس 2014
هيوستن / تكساس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق