تمهيد :
لقد كانت بلاد الشام منذ مطلع
التاريخ البشري أيقونة الحضارات، ومحضن الرسالات السماوية ، وعلى أرضها ولدت
مفاهيم العلاقات الإنسانية النبيلة ، ومنذ أشرق نور الإسلام على العالم ووصل إلى
بلاد الشام كان التعاون والتسامح والتآخي بين المسلمين والمسيحيين مثالاً يحتذى
للتعايش بين الأديان . ومن المعلوم تاريخياً أن السوريون القدماء (الآراميون) كانوا
من أوائل من اعتنق الديانة المسيحية ، كما اعتنقت بعض القبائل العربية في
سورية الديانة المسيحية قبل الإسلام ، منهم "الغساسنة" في حوران وما حولها ، و "بني تغلب" في حلب ومنطقة الجزيرة ، وقد أصبح عدد كبير
من المدن السورية منذ العصور المسيحية الأولى موطناً للكنائس ومقرات مقدسة للحجيج
المسيحي ، وكانت سورية منطلقاً لعدد من
الطوائف المسيحية والكنائس الشرقية ، وتعد دمشق كرسي بطريركي ومقراً لثلاث كنائس
على مستوى العالم ، هي : بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس . وبطريركية
أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس . وبطريركية أنطاكية والقدس والإسكندرية
للروم الملكيين الكاثوليك .
وفي مطلع القرن العشرين تعزز تواجد المسيحيين في سورية من خلال
هجرتين وافدتين : الأولى في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي اضطر فيها
عدد كبير من الأرمن لهجرة مواطنهم الأصلية باتجاه سورية والاستقرار فيها ، والثانية
في أعقاب المجازر بحق الآشوريين التي أفضت إلى استقرار
أعداد كبيرة منهم في جزيرة الفرات قادمين من العراق ، غير أن المسيحيين منذ تسلط "حافظ
الأسد" على السلطة في سورية بدؤوا بالهجرة المضادة إلى خارج سورية ، وكان
لهذه الهجرة أسباب عديدة ، منها أن أغلب المسيحيين كانوا من ملاك الأراضي
والمستثمرين الاقتصاديين ، وهو ما جعل لهم حضوراً فعالاً في الساحتين الاقتصادية
والاجتماعية ، فقد كان نحو 75% من الوكالات التجارية الأجنبية والشركات في يد المسيحيين
، وعندما سيطر "آل الأسد" على السلطة استغلوا الدعوة إلى الاشتراكية باسم "حزب البعث
الاشتراكي" فاستولوا على تلك الأملاك ، مما اضطر أعداداً غفيرة من
المسيحيين للهجرة من سورية ، وقد تفاقمت هذه الهجرة في خضم الحرب
الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 وأصاب المسيحيين خلالها القمع والقتل على أيدي
قوات الأسد ، فتسارعت هجرتهم إلى الخارج بشكل ملحوظ ، وبعد أن كانوا في مطلع القرن العشرين يشكلون نحو ( 20% ) من
سكان سورية باتوا اليوم أقل من ( 6% ) حسب التقديرات الرسمية .. ولابد من
الإشارة هنا إلى أن المسلمين قد أصابهم من بطش "الأسد" أضعاف ما
أصاب المسيحيين ، وقد اشتدت محنة الطرفين في سياق ثورة الشعب السوري التي انطلقت منتصف
آذار 2011 طلباً للحرية والخلاص من الاستبداد والفساد ، فقد قتل على أيدي عصابات
الأسد حتى اليوم مئات الآلاف من السوريين ، واعتقل وعذِّب مئات الآلاف ، وشرد في
أصقاع الأرض ملايين لا تعد ولا تحصى ، إلا أن الشعب السوري بمختلف أطيافه قد عقد
العزم على مواصلة الثورة حتى النصر ، واسترداد حريته ، وإعادة بناء سورية الموحدة
القائمة على العدل والمساواة واحترام القانون ، وصون حقوق الإنسان !
المسيحية والإسلام :
لقد صرح القرآن الكريم
أن الديانة المسيحية في الأصل ديانة سماوية كالإسلام ، أنزلها الله عز وجل على
السيد المسيح هدى للناس ورحمة ، وقد أباح الإسلام
للمسيحيين ممارسة طقوسهم الدينية في حرية تامة ، ولم يمنعهم من بناء كنائسهم ،
وشدد في حماية ممتلكاتهم وأعراضهم وحقوقهم ، ولم يجبر أحداً منهم على تغيير دينه
والتحول إلى الإسلام ، وكانوا أحراراً في اختيار مساكنهم وأعمالهم التي يكسبون بها
أرزاقهم ، وصرح
القرآن الكريم أن المسيحيين أقرب الناس مودة إلى المسلمين ﴿ لَتجِدَنَّ أشدَّ
النَّاسِ عداوَةً للذين آمنوا اليهودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً
لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ، ذَٰلِكَ بأنَّ منهُمْ قسِّيسِينَ ورُهْبَانًا
وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ
أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا
مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ
وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) سورة المائدة 82 ــ 84 ، وذكر
القرآن الكريم أن منهم من يحب الخير ويعمل له ، وأن له أجره عند ربه ( مِنْ أهْلِ الكِتابِ أمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلونَ آياتِ اللهِ آناءَ الليلِ وَهُمْ
يَسْجُدون يؤمنونَ
باللهِ واليومِ الآخِرِ ويأمُرونَ بالمعروفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ويُسَارِعونَ
في الخَيْراتِ وأولئكَ مِنَ الصَّالِحينَ وَمَا
يَفْعَلوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ واللهُ عليمٌ بالمُتَّقينَ ) سورة آل
عمران 113 ـ 115 .
وللسيد المسيح عليه السلام في الإسلام مكانة عظيمة ، فقد وصفه القرآن الكريم بأنه
كلمة الله ألقاها إلى مريم عليها السلام ، وأن له مكانة علية في الدنيا والآخرة ،
وأنه من المقربين إلى ربه ( إذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ
بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ المَسيحُ عيسى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيهاً في الدُّنْيا
والآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبينَ ) سورة أل عمران 45 ، وذكر أنه ولد
بطريقة فريدة من أمه العذراء البتول ، وقد رفعه الله إلى السماء إنقاذاً له من غدر
اليهود الذين هموا بقتله ( إذْ قالَ اللهُ يا عيسى إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ
إليَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذينَ كَفَروا وَجاعِلُ الذينَ اتَّبَعوكَ فَوْقَ الذينَ
كَفَروا إلى يَوْمِ القِيامَةِ ثُمَّ إليَّ مَرْجِعُكُمْ فَأحْكُمُ بَيْنَكُمْ
فيما كُنْتُمْ فيهِ تَخْتَلِفونَ ) سورة آل عمران 55 .
كما أن للسيدة مريم
عليها السلام مكانة عظيمة في الإسلام ، فقد خصص لها سورة باسمها في القرآن الكريم ،
وأشاد بطهرها وإيمانها ونسكها وعبادتها ، وتشريف الله لها واصطفائها على نساء
العالمين ( وإذْ قالتِ الملائكةُ يا مَرْيمُ إنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ
واصْطَفاكِ عَلى نِسَاءِ العَالَمينَ ، يا مَرْيَمُ اقْنُتي لِرَبِّكِ واسْجُدي
وارْكَعي مَعَ الرَّاكِعينَ ) سورة آل عمران 42 .
وللإنجيل مكانة عظيمة في الإسلام كما جاء وصفه في القرآن الكريم ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى
وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) سورة المائدة 46 ، وكذلك
وصف الحواريين تلاميذ السيد المسيح بأنهم أنصار الله وأحباؤه ( يا
أيُّها الذينَ آمَنوا كونوا أنْصَارَ اللهِ كَمَا قالَ عيسى ابنُ مريمَ
للحَواريِّين مَنْ أنْصَاري إلى اللهِ قالَ الحَوارِيُّونَ نَحْنُ أنْصَارُ اللهِ
) سورة الصف 14 .
المسيحيون في خطاب الإخوان
المسلمين في سورية :
منذ نشأة الجماعة في مصر عام 1928 على يدي مؤسسها "حسن
البنا" رحمه الله ، ثم في سورية عام 1944 على يدي "مصطفى
السباعي" رحمه الله ، فقد اتسم خطابها بالانفتاح على الآخرين ، على اختلاف
أديانهم ومعتقداتهم ومشاربهم ، وقد أكدت الجماعة في أدبياتها المختلفة هذا التوجه
الفكري المنفتح ، وساهمت عبر تاريخها الطويل بإغناء مؤتمرات الحوار بين الأديان ، بل
فتحت الباب لانتساب غير المسلمين إليها ، مما يدل دلالة عملية على انفتاح فكر الجماعة
، وإيمانها العميق بضرورة أن يشارك في بناء الوطن كل أبنائه دون تمييز ، كما جاء مثلاً
في "المشروع السياسي لسورية المستقبل" الذي نشرته الجماعة في عام
2004 ، وعرضت فيه رؤيتها لبناء "الدولة الحديثة" وأكدت أن هذا البناء (
ينبغي أن يشمل جميع المواطنين دون تمييز ولا استثناء ، ونحن إذ نتقدّم بمشروعنا
السياسي لأبناء أمتنا وشعبنا للنهوض بوطننا ، فإننا نسعى للتعاون مع الجميع في
سبيل تنفيذه ) ، وقد أكدت الجماعة في مشروعها كذلك أنها ليست وصية على المجتمع
والدولة ، كما فعل "حزب البعث" في سورية الذي نص في (المادة 8) من
الدستور الذي فرضه على الناس أنه هو وحده القائد للدولة والمجتمع ، فقد وورد في
مشروع الجماعة ( أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية لا تدّعي أنها جماعة
المسلمين ، ولا أنها وصية على الناس باسم الإسلام ، وإنما هي صاحبة مشروع تعرضه
على الناس ، وأن سبيلها هو الحوار بالتي هي أحسن ، مع كل التيارات الفكرية
والاجتماعية والسياسية والدينية ) .
وتحت عنوان (مرتكزات
الدولة الحديثة) ذكرت الجماعة أن الدولة الحديثة التي ننشدها ترتكز على عدة
مرتكزات منها أنها ( دولة مواطنة : يتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون ،
ويتمتعون بالحقوق السياسية والمدنية التي يكفلها الدستور ، وتنظمها القوانين ) .
وحول التعددية العرقية
والدينية وتحدي الوحدة الوطنية ذكرت الجماعة أن ( النسيج الاجتماعي السوري يتكون
من أكثر من عشرين مجموعة من الطوائف الدينية والعرقية ، وتنظر الجماعة إلى هذا
التنوع على أنه يمكن أن يكون عامل قوة وغنى ، وليس عامل تفتيت . وترى الجماعة أن
التعامل مع التنوع العرقي والطائفي يقوم على عدة مبادئ :
1- احترام حرية
العقيدة والعبادة التي كفلها الإسلام بشكل بين وجلي ( لا إكراه في الدين قد تبين
الرشد من الغي ) .
2- الاعتراف
بالخصوصيات العرقية والدينية والمذهبية والثقافية .. لكلّ شرائح المجتمع السوري،
في إطار الوحدة الوطنية .
3- تعميق روح
الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر ، والتأكيد على أن لكل طائفة الحق في
الاحتفاظ بمعتقداتها الخاصة ، وأن يكون لها دورها الوطني الأصيل .
4- التوازن في
النظرة إلى التدين والطائفية .. فالتدين نزعة أصيلة في النفس البشرية ، والتزام
بعبادات وسلوكيات وقيم إنسانية رفيعة ، وتواصل مع الآخر ، وحوار معه ، في حين أن
الطائفية تعصب وانغلاق وخوف من الآخر ، وكره له ، وهي من آثار غياب الفهم الصحيح
للدين ، لا أثرٌ من آثار التدين .
5- تعميق روح
المواطنة ، واعتماد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات ، وكذلك اعتماد مبدأ
الكفاءة وتساوي الفرص أمام جميع المواطنين[16] للمشاركة في مؤسسات الدولة السياسية
والاقتصادية والتعليمية والعسكرية والأمنية .
ولم تكن هذه المفاهيم مجرد شعارات ترفعها
الجماعة في سورية لاسترضاء الآخرين ، وإنما مارست الجماعة هذه المفاهيم عملياً في
مناسبات عديدة ، كما ذكرنا آنفاً من قبولها في عضويتها مواطنين غير مسلمين ، وشاركت
في مختلف الأنشطة الوطنية إلى جانب المسيحيين وغيرهم من الأطياف السياسية غير
الإسلامية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشاركة
إخوان سورية في "إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي" الذي
أبرم في عام 2005 وشارك فيه نخبة من السياسيين المسلمين وغير المسلمين ، كما شارك
الإخوان في "المجلس الوطني السوري" الذي تأسس في عام 2011 ، وفي "الائتلاف
الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" الذي تأسس في عام 2012 ، وهذه
الكيانات السياسية على اختلافها كان لجماعة الإخوان المسلمين في سورية دور لا ينكر
في تقريب وجهات النظر ، حرصاً منها على وحدة الوطن والسلام الأهلي .
وبالمقابل ، فقد كان لبعض الرموز المسيحية مواقف وطنية مشهودة في
تاريخ سورية الحديث ، كما فعل مثلاً السياسي الكبير "فارس الخوري"
الذي كان عضواً في مجلس الشورى في عهد "الشريف فيصل" ، ثم تولى
وزارة المالية ، وأسس مع نخبة من الوطنيين السوريين "حزب الشعب"
لمقارعة الفرنسيين ، وشارك بتأسيس الكتلة الوطنية التي وقفت بحزم في وجه الفرنسيين
، وانتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ، ومرة أخرى عام 1943 ، وتولى رئاسة مجلس الوزراء السوري عام 1944 ، وكان لتوليه رئاسة السلطة التنفيذية هذه في
البلد المسلم صدى عظيم في حينه ، وقد شكل ذلك الحدث سابقة في تاريخ سورية الحديث
بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم ، مما يدل على ما بلغته سورية من النضج السياسي
والحضاري والإنساني في ذلك الحين قبل أن تبتلى بالاستبداد والفساد والطائفية
البغيضة التي روج لها الأسد وعصابته المجرمة ، والواقع أن فارس الخوري لم يكن
الوحيد من السياسيين المسيحيين الذين كان لهم مواقف وطنية مشهودة في تاريخ سورية ،
بل كان إلى جانبه وقبله وبعده نخبة من المسيحيين الذين ساهموا في الدفاع عن الوطن
وساهموا في بنائه ، وقد أدرك أعداء الأمة منذ زمن بعيد أن هذه اللحمة الوطنية بين
المسلمين والمسيحيين تقف حجر عثرة أمام مخططاتهم الماكرة ، فعملوا جاهدين على
تمزيق هذه الوحدة من خلال افتعال الخلاف بين الطرفين ، وإثارة الفتن بينهما بشتى
الطرق الدنيئة ، إلا أن التحقيق في كل مرة كان يثبت أن أنظمة الأمن الرسمية أو بعض
الجهات المشبوهة تقف وراء هذه الحوادث بهدف زرع بذور الفتنة بين الطرفين .
توصيات :
1. إن هذا المؤتمر وأمثاله فرصة للحوار الأخوي بين السوريين ، مسلمين
ومسيحيين ، لتعزيز وحدتنا الوطنية ، ولنعلن للعالم أجمع من هم أبناء سورية ، وكيف
تكون المواطنة الحقيقية ، ولنضيف بلقائنا هذا لبنة جديدة للسور المنيع الذي يحصن
سورية ويحمي أبناءها على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وثقافاتهم .
2.
إن
الواقع الحالي وما يتهدد الوطن من أخطار يفرض على جميع السوريين أن يتواصلوا ويصروا
على أن التسامح الديني أمر لا يمكن المساس به .
3. إن إثارة الفتن بين المسلمين والمسيحيين هي من مخططات
الأعداء الخبيثة التي تستهدف تبرير تدخلهم في شؤوننا الداخلية ، مما يوجب على
المرجعيات المسيحية والإسلامية مواجهتها بالوسائل المناسبة حفاظاً على السلم
الأهلي .
4. نؤكد على ضرورة إعلاء قيم المواطنة ، وحقوق الإنسان ، والمساواة في
الحقوق والواجبات ، وحرية الاعتقاد ، وتجنب الأحكام المسبقة والسلبية ، وتعزيز الاحترام
والمحبة المتبادلة وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة .
5. تحريم وتجريم استخدام العنف بجميع أشكاله بين أبناء الوطن ، واعتبار
التسامح الديني فضيلة إسلامية ومسيحية عليا مبنية على حرية الاعتقاد ، والاحترام
المتبادل ، والاعتراف بحق الطرفين في الاختلاف والتنوع .
6. إن مصطلح "الأقليات الدينية" الذي يطلقه بعضهم على
المسيحيين هو من المصطلحات الدخيلة ، وهو لا يعبر في سياقه العربي عن شيء من
التمييز بين المذاهب والأديان ، لأن المجتمع بمختلف فئاته متجذر بهوية وطنية واحدة
، وانتماء ثقافي حضاري واحد ، وهذا ما يستدعي تجديد الوعي المعرفي والموضوعي بجوهر
المسيحية والإسلام اللذين لا يعترفان بمثل هذه المصطلحات الدخيلة .
7. ندعو إلى معالجة بعض الإشكاليات التي تقع أحياناً بين المسلمين
والمسيحيين من خلال الحوار ، مع رفض التدخل الخارجي الذي قد يستغل أخطاء بعضهم
لتخريب العلاقة بين الطرفين ، والإساءة إلى السلم الأهلي .
8. نستنكر ما يتعرض له المسيحيون والمسلمون من بطش الأنظمة الاستبدادية
، ومحاولات زرع الفتنة بينهم ، مما أجبر أعداداً غفيرة من الطرفين على الهجرة إلى خارج
الوطن .
9. نرفض النظريات التي تبشر بصراع الحضارات والأديان ، وندعو إلى التآخي
والتعايش والحوار السلمي الكفيل بوأد مختلف الخلافات التي قد تقع بين مواطني الوطن
الواحد .
10.
إن
نجاح تعايشنا المشترك ـ مسلمين ومسيحيين ـ على مدى القرون الماضية هو أكبر دليل
على الطبيعة المتأصلة بيننا ، وهي حقيقة تاريخية وضرورة اجتماعية عاشها السوريون
في مختلف الحقب وخلال ما واجهته سورية من تحديات ، وتحفل كتب التاريخ بالشواهد
الحية على ذلك ، وهي تطبيق لما جاء في القرآن الكريم والإنجيل من نصوص تدعو إلى
المحبة والوئام ، وإلى العمل معاً لخير البلاد والعباد .
11.
نحذر
من الفضائيات التي تعمل على إثارة الفتن الطائفية ، وندعو إلى ميثاق شرف إعلامي يجرِّم
العبث بأمن المجتمع ووحدته الوطنية تحت ذرائع دينية .
12.
ضرورة
الترويج للقيم الأخلاقية النبيلة التي نادت بها المسيحية والإسلام ، وذلك في مناهج
التربية والتعليم ، وفي الدراسات والمؤتمرات والندوات واللقاءات المسيحية الإسلامية
.
13.
ينبغي
العمل على تغيير الصورة النمطية التي روج لها أعداء الأمة بتصوير الإنسان العربي وكأنه
يولد إرهابياً ، وكأن الدين أصبح سبب العنف والإرهاب ، مع أن الدين منه براء .
14.
إن
الرسالتين الإسلامية والمسيحية أرستا قواعد العدل بين الناس ، وحرمتا الظلم بشتى
أنواعه وأشكاله ، وقد ربى الإسلام والمسيحية المؤمنين على هذه الأخلاق الإنسانية
النبيلة ، ويشهد التاريخ على دفاع أبناء الديانتين عن الحق والعدل ، عاملين على أن
يعم العدل بين البشر جميعاً ، وأن يكون هو المرجعية الوحيدة التي تؤطر علاقات
البشر بعضهم مع بعض .
15.
إن
الحضارة العربية العظيمة التي بناها المسلمون والمسيحيون تشكل حالة حضارية رائدة
في التسامح والتكامل الحضاري ، وهذا ما يؤهلها اليوم لدور رائد وفريد في حوار
الحضارات الراهن .
16.
ضرورة
توحيد الجهود لتوعية الأجيال الجديدة حيال ما يحاك للمنطقة من مؤامرات لتمزيق وحدة
الأمة على أساس ديني أو طائفي أو مذهبي ، ونشر ثقافة المحبة والسلام والتسامح بدلاً
عن التطرف الديني الذي يرتكبه بعضهم عن جهل بالدين أو عن تشدد غريب عن طبيعة الدين
.
17.
نؤكد
على أن من يحاول إلغاء الآخر إنما يحاول إلغاء إرادة الخالق عز وجل ، الذي شاءت
حكمته البالغة أن يخلق الناس شعوباً وقبائل .. ليتعارفوا .. لا ليقتل بعضهم بعضاً .
د.أحمد محمد كنعان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق