أيها السوريون الأبطال، أيتها
السوريات الكريمات:
ما أجمل أن تتعانق الربيعات والذكريات
العزيزة على قلوبنا في مثل هذه الأيام؛ أيام آذار الربيع، ربيع الثورات العربية
ونهوض المارد بعدما غط في نوم عميق طويل، والذكرى الثامنة لانتفاضة كرد سورية التي
تصادف الثاني عشر من آذار، عندما طفح الكيل لدى كرد سورية ولم يروا بدّاً من تحدّي
سياسة التمييز العنصري والطائفي من جانب السلطة الغاشمة ووجوب كسر حاجز الخوف من
آلتها القمعية، وذكرى يوم المرأة العالمي وضرورة إنصافها ورفع الحيف عنها، وقرب
حلول نوروز وأعياد الربيع، وإتمام ثورتنا المباركة عامها الأول من عمرها، ولا ننس
أن الثامن من آذار عام 1918م هو يوم إعلان استقلال سورية بُعَيد انتهاء الحرب
العالمية الأولى، كما أن الثامن من هذا الشهر يصادف ذكرى مؤامرة ثلة من المتسلقين
المغامرين، وقد سموا مؤامرتهم بثورة الثامن من آذار زوراً وبهتاناً!!.
إن ثورة شعبنا السوري التي تكمل العام الأول من عمرها، وهي أشد ثقة بنصر الله وقوة وصلابةً وعنفواناً، وتصميماً على الانتصار النهائي، وإصراراً على تكنيس سورية وتطهيرها كلِّها من أرجاس هذه العصابة
الحاكمة، وإعادة البسمة لشعبها الذي حرِم منها طوال عقود من السنين العِجاف، وتحقق
كل يوم مكتسبات
جديدة، وتكسب ساحاتٍ جديدةً وأصدقاءَ جدداً، الأمر
الذي يؤكد أن الشعب السوري قرر خوض معركة الحرية والكرامة حتى النهاية، مهما كانت
التضحيات، لعلمه أن ما دفعه طوال عهود الاستعباد والاستكانة كان أضعاف ما يقدّمه
وما سيقدمه مهراً لامتلاك قراره ومصيره ومستقبل بلاده وأجياله.
وإن انتفاضة شعبنا الكردي السوري،
التي نستحضر ذكراها الثامنة، وقد تبنّاها الشعب السوري كله عبر تسمية الجمعة
الماضية بـ"جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية "، وثورة شعبنا السوري أواخر السبعينيات حتى منتصف
الثمانينيات من القرن المنصرم، وقد تعرضت للتشويه المتعمّد لأسباب بات أبناء شعبنا
يعرفونها، لذلك أطلقوا قولتهم المشهورة في إحدى الجُمَع "عفواً حماة
سامحينا"،... هذه الثورات كلها تأتي حلقات كريمة وضّاءة نفيسة ممهورة بالدم في
مسلسل جهاد شعبنا الحر الأبيّ ونضاله، بعدما شعر أن سياسات النظام ومناوراته
ومعالجاته العرجاء البائسة للأزمات والتحديات الكبرى كلها إنما تنطلق من مؤامرة
"فرِّق تسُدْ"، وإنما تهدف إلى الاستمرار في نهجه الإقصائي الشمولي وضرب
مكونات الشعب السوري بعضها ببعض. لقد أدرك الشعب السوري كله الآن أبعاد قول
القائل" أُكِلتُ يوم أُكِل الثورُ الأبيض"، التي اتبعتها العصابة
الحاكمة الفاسدة المفسدة المتجردة من كل القيم والمثل النبيلة، فرأى أن ما يجمع
بين مكوناته أكبر بكثير مما يفرق، فبادر إلى توحيد قواه وتنسيق جهوده، وقلب السحر
على الساحر وقلب الطاولة على المتآمرين، قرر
أن يتخلص من هذه العصابة الطارئة على تاريخ سورية الناصع ويصحح المسار بعد
انحرافه، مستعيناً بالله قيّوم السموات والأرض، الذي له الخلق والأمر، بعد انسداد
كل الأبواب سوى بابه "هي لله هي لله لا
للسلطة ولا للجاه".
أيها الشعب السوري العظيم:
ونحن نعيش هذه الربيعات
المباركة ونحيي ذكرياتها العزيزة، لم يعد سؤال الشارع السوري والعربي والدولي:هل يسقط بشار
ونظامه؟ لأن هذا السؤال قد أجاب عنه الشعب منذ اثنَيْ عشرَ شهراً. ومنذ صعود أول
شهيد، ومنذ سقوط أول قطرة دم من أول بطل في سُوح الشرف. ولكن السؤال هو كيف سيكونُ
سقوطُ بشارٍ ونظامِه؟ هل سيكون على غِرار سقوطِ نيكولاي تشاوشيسكو، أم على شاكلةِ
القذافي، أم على طريقةِ مبارك، أم بطريقة أخرى تليق بسوء أفعاله وأفعال من جاء به
وسانده؟
لقد راهن
النظام السوري وأجهزته الأمنية القمعية على القضاء على الثورة خلال أسابيع عدة، بل
في غضون أيام معدودة، مستعيناً بآلة قمع رهيبة، وأساليب في البطش غريبة، لكن شعبنا
البطل أفشل الرهان، وقابل هذه الأساليب بالمزيد من التصميم والوحدة الوطنية
والدفاع عن نفسه وحقه في الحياة والحرية والكرامة، الأمر الذي يجعل حسابات الحقل
مختلفة عن حسابات البيدر لدى هذه العصابة التي لم تعرف يوماً سوى أساليب الإرهاب
والقمع وتكميم الأفواه وتكتيم الأنفاس وتكسير الأقلام والأذرع، متجاهلة رياح
التغيير وعنفوان الشباب وحيويتهم وإرادتهم الفولاذية المتسلحين بأحدث تقنيات
الاتصالات.
ولئن جاء
الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن مرة تلو أخرى في سياق تمايز الصفوف
والمواقف بين الأصدقاء والأعداء الحقيقيين للشعب السوري، وفي سياق تواطؤ
أطراف دولية فاعلة مع الظالم، ووقوفهم متفرّجين على سيل الدماء الزكية
الطاهرة، وجثث الشهداء الأبرار، وقصف المدن الآمنة، فاعلموا ـــ يا أبناء
شعبنا الحر الأبيّ ـــ أن باب الله لم يغلق ولن يغلق في وجوهكم أيها المؤمنون
الأحرار، اعلموا أن الله لا يُعجِزه أخذُ ظالم، ولا تُحجَب عنه دعوةُ مظلوم، ويُقسِمُ
بذاتِه العليّة أن ينصرَها، ولو بعد حين[وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا
يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ
طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ] {إبراهيم:43}. فعلّقوا قلوبَكم بالله ،وتوكّلوا
عليه، واعلموا أنّ النصر صبر ساعة: [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ
آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] {غافر:51}
ومن
هنا ندعو أبطال الداخل السوري، القابضين على الجمر، الذين علّموا الدنيا كيف يكون
الإصرار على استرداد الحرية والكرامة وتمريغ أنف الطغيان في الوحل، ندعوهم إلى توسيع
الحراك الشعبي، وتشجيع آليات برامج "العصيان المدني"، ودعم الجيش السوري
الحر، وندعو البقية الباقية في الجيش السوري النظامي والأجهزة الأمنية، ممن ما زال
في قلبه حب للشعب السوري وللوطن السوري، أن يتخلّوا عن هذا الطاغية السفاح ويقفزوا
من سفينته الغارقة قبل أن تحل ساعة الندم .
أيها الشعب السوري العظيم بكل
مكوناته وأطيافه:
إنك اليوم من رحم المعاناة تصنع
لسورية النصر... من الأشلاء والدماء تصنع لسورية الفجر...من عبير الشهداء تصنع
لسورية الفخر... من صمود أبطالك في حمص وفي درعا وريف دمشق وإدلب ودير الزور
والقامشلي وحماة وحلب...وغيرها من مناطق الثورة المباركة في بلدنا الحبيب سورية
تصنع المستقبلَ الحقيقي لوطنك، بعيداً عن الطغيان والإرهاب والفساد والتبعية
لأصحاب القلوب السود الذين يأبون إلا أن يبقوا في خنادق "صفّين"
و"الجمل".
وإننا
في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إذ نتقدّم بالشكر لأشقائنا العرب
والمسلمين وأحرار العالم الذين آوَوا ونصروا، نتمنى
عليهم أن يستكملوا ما بدؤوه بالإجراءات الآتية:
تفعيل
العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية العربية على النظام السوري، وطرد سفراء النظام
السوري، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلا شرعياً للشعب السوري، ودعم الجيش
السوري الحر بكل ما يحتاجه للقيام بواجب حماية المدنيين والتعجيل بتخليص الشعب من
طغيان هذه العصابة الدموية المارقة، ودعم المعارضة السورية وتحركها السلمي
وفعالياتها في الساحات العربية والدولية، ومعالجة الجرحى ضحايا الهمجية الأسدية، وتخفيض
علاقات التبادل التجاري مع الصين وروسيا، وإنشاء صندوق دولي
لإغاثة المدن المدمرة، وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الطبية والإنسانية
للمناطق السورية المنكوبة!!.
كما نتوجه إلى المعارضة السورية، بكل
أطيافها وتوجهاتها، إلى تغليب مصلحة الوطن والشعب على المصالح الذاتية، وإيجاد
الأرضية المشتركة وتوحيد الرؤى والجهود، للتعجيل بتخليص شعبنا وإنقاذ بلدنا من
الطغيان والفساد.
وفي الختام نتوجه بتحية الإجلال والإكبار لمفجِّري
الثورات العربية وأبطالِها، مستمطرين الرحمة والرضوان لشهدائها الأبطال، ونزجي ألف
تحيّةٍ وتحية لمفجّري الانتفاضةِ الكرديةِ في عمومِ المناطقِ الكرديةِ في سورية، مستمطرين
الرحمة والرضوان لشهدائها الأبطال، كما نزجي ألف تحيّةٍ وتحية للمرأة ونضالاتها
ودورها البنّاء إلى جانب أخيها الرجل في يومها العالمي، وألف ألف تحية وسلام
لمفجّري الثورة السورية وشهدائها الأبرار، الذين يتحدّونَ بصدورهم العارية وقلوبهم
العامرة بالإيمان بالله!! ونقول
لهم: اصبروا وصابروا ورابطوا، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً، وإن النصر صبر ساعة، وإن الله لن يتركم أعمالكم.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
قيادة جبهة العمل الوطني لكرد سورية
15 آذار 2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق