بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة أعضاء المجلس الوطني السوري.... حفظكم
الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إخوتي الأعزاء، لست في رسالتي هذه في معرض
أن أتدخل في شؤون أعمالكم فإن مما لا ريب فيه أن كل واحد يعرف تمامًا ماذا عليه أن
يعمل ويسعى إلى القيام به لتحققوا جميعًا عملاً متكاملاً يخدم القضية الأساسية التي
من أجلها تم إنشاء مجلسكم المحترم. ولست في معرض أن أضع نفسي واعظًا أو مرشدًا أو
... فأنا أجزم بأنكم جميعًا تفوقونني في هذا المضمار وما لديكم ليس بالقليل، ففيكم
العالم الجليل، والمربي الفاضل، والقاضي الكبير، والمحامي الحاذق، والفيلسوف المحنك،
والكاتب الأديب، والمهندس المبدع، والطبيب
الماهر.. و غير ذلك من المهارات... ولكني أردت من رسالتي هذه أن تكون تذكيرًا..وأود
أن أخبركم بأني إذ أخاطبكم بما أخاطبكم به فإنني لا أنأى بنفسي عن أن أخاطبها هي الأخرى
بمثله؛ فيما توجب عليها وهو في مقدورها واستطاعتها...
إخوتي الأعزاء، أنتم تعلمون كيف تناديتم لتشكيل
مجلسكم، وتعلمون الصعوبات التي واجهتكم في صدد ذلك، وتعلمون الزمن الطويل الذي استغرقتموه
حتى حصلتم على ما يمكن أن يكون نواةً للهدف الذي تنشدون.... وعندئذٍ هتف الشعب السوري
كله فرِحًا سعيدًا بتلك النواة، وهو يتطلع بشوق ولهفة إلى أن يكسو هذه النواةَ جسمٌ؛
جميع خلاياه حية، تنبض بما تنبض به قلوب الثوار، وتكون جهاز تلقٍ أمين لكل ما يصدر
عنهم (عن الثوار)، تلقي تنفيذ وتطبيق لا مجرد تلقي علم واطلاع...
وقمتم مشكورين بالمباشرة بالإعداد لكل ما يخدم
هدف الثوار... فشكلتم اللجان والهيئات، والمجالس الفرعية، وانطلقتم (حسب المتاح) في أصقاع الأرض، تُبلغون
وتشرحون... وتدْعون وتطالبون... واكتشفتم في تحرككم هذا؛ كم كانت المهمة التي أردتم
القيام بها صعبة، وشاقة؟ وكم هي كثيرة وكبيرة وكؤود؛ تلك العقبات التي كانت تقف في
طريقكم بوجه طبيعي أو تُوضع في طريقكم عمدًا...؟ ورُبما لا أكون مجانبًا للصواب إذا
قلت أنكم في تحرككم ذاك اكتشفتم أن كثيرًا منكم يسبح في بحر هائج تثير أمواجَه عواصفُ
من اتجاهات شتى، وهو لا يُتقن السباحة، وليس ذلك عيبًا فيه وإنما هو نتيجة أكثر من
أربعة عقود من الشلل الذي فُرض على الشعب بوجه عام... كما أن السفينة التي أعددتموها لهذا الإبحار لم
تكن حائزة على أدنى المطلوب...أيضًا لأسباب؛ جلها خارج عن إرادتكم!
إخوتي الأعزاء... إذا كان لا يُقبل من غيركم
أن يرجع بأقل من درجة الامتياز في عمل موكل إليه في مجال ما!... فإنه يُكتفى منكم أن
تصلوا بالسفينة إلى بر الأمان لأن العمل الذي تصديتم له كبير جدًا؛ كبيرٌ بكِبَر الثمن
الذي يدفعه الشعب دمًا مهراقًا على أرض سوريا الحبيبة... حتى إنّ بعضكم ربما لم يكن
في حسبانه أن هذا العمل كبير بهذا القدر فرضي – جزاه الله خيرًا – أن يعمل خوفًا من
أن يبوء بإثم التهرب من العمل..
إخوتي الأعزاء... قلت ذلك كله لأقول لكم ما
بعده... وهذا القول سأجعله أسئلة تُطرح عليكم بصفتكم مجلسًا وطنيًا سوريا (أو كأفراد)
شُكل للتحدث باسم الثورة ودعمها والأخذ بها قُدماً:
1- هل سأل كل واحد منكم نفسه حين يأوي إلى
فراشه... ماذا أنجزت اليوم للثورة؟ فإن كان جوابه إيجابياً فليحمد الله ويسأله المزيد،
وإلا فليعاهد ربه على تعويض ما فرّط..
2- هل سأل كل واحد منكم نفسه... هل بدر مني
اليوم تقصير حيال الثورة وأنه كان بمقدوري أن أعمل (كذا..) ولم أعمله، ثم سارع إلى
تداركه؟
3- بما أن أعضاء المجلس من البشر فهم معرضون
للخطأ العفوي والخطأ العمد؛ فهل تنادى مجلسكم الموقر لاجتماع كي يقول للمخطئ: أنت أخطأت،
ومن ثم يُصار جديًا إلى تصحيح هذا الخطأ وقطع دابر ما نتج عنه؟.
4- قد يحتاج القيام بعمل ما لصالح الثورة،
أو المجلس، أن يخدش حظًا من حظوظ النفس فهل ألقيتم هذا الحظ جانبًا مقابل إنجاح ذلك
العمل؟
5- هل كانت لجانكم المختصة بأمر ما، تقوم بهذا
الأمر أمام الهيئات الدولية بوضوح وجلاء من غير تمويه أو تنازلات، محاباة لتلك الهيئات؟
وبعبارة أخرى : هل أخذتم ما أسند إليكم فعله بقوة؟
6- هل تناوبتم على مدى الأربع وعشرين ساعة
من أجل متابعة ما يجري على الساحة السورية ميدانيًا، وانطلقتم في إثر تلك المتابعة
إلى اتّخاذ ما هو لازم إزاء ما يجري على المستويات كافة : إعلاميًا، وإغاثيًا، ونصرة،
وعزاءً، وشحذًا للهمم، ... فعلى سبيل المثال: لنفرض أن شهيدًا أو أكثر ارتقى إلى ربه
في منطقة ما؛ فكم هو جميل أن يبادر ممثلو تلك
المنطقة في المجلس (أو من المجلس كله) ما يُشعر بأنهم أحسوا بذلك، وعرفوا عن حيثياته
الكبيرة والصغيرة، ويكون لذلك أثر طيب في النفوس فضلاً عن كون هذه المبادرة تعبيرًا
عن وجود صلة روحية وعضوية بين المجلس والشعب،وإن ظهور مثل هذه المبادرة غير متعذر،
وليس صعبًا، فيمكن أن يكون- على الأقل- على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الفضائيات
أو في موقعكم الإلكتروني.. أو بأي طريقة..
7- إن كثيرًا من التساؤلات تنطلق على ألسنة
محبيكم، ومؤملي الخير فيكم، حول أمور لم يرتاحوا إلى ما آلت إليه، أو إنهم لم يقتنعوا
بما تناقلته وسائل الإعلام بشتى أنواعها، من تفاسير وشروح؛ أو حتى ما يُشاع بين الناس
عنها، فهل صارحتم هؤلاء الناس بالحقيقة، وأطفأتم ما في صدورهم من شوق الوصول إليها.
8- هل تداعيتم إلى إنشاء صندوق خاص بأعضاء
المجلس( غير صندوق المجلس العام لقضاياه) يُزوَّد من جيوبكم كنسبة مفروضة ولو كانت
قليلة (كل حسب طاقته)، أو تُجبى له تبرعات ممن تعرفون من أهل الخير، وذلك للحالات الطارئة
والحرجة، والتي لا ريب أنكم مررتم بها، ولمرات!!!
9- هل جربتم أن تجبُّوا الغيبة عن أنفسكم بالردود
المنطقية والمعقولة وكذلك في حدود معينة؛ فليس المطلوب الرد على كل كبيرة وصغيرة؛ وحين
تدرؤون الغيبة عن أنفسكم فأنتم بذلك تؤدون عدة خدمات: منها تُثْلِجون صدور محبيكم،
وتهدون الحائر في أمركم، وتفوتون الفرص على المغرضين الظانين بكم ظن السّوء.
10- إن في دروب العمل فرصًا، ربما لا تأتي
مرة أخرى... فهل أعددتم العدة لاقتناصها، وعدم السماح لها أن تفوتكم، وذلك في مختلف
المجالات الإعلامية والسياسية والاجتماعية والمالية وغيرها..؟
إخوتي الأعزاء، الذي أريد أن أذكّرَ به كل
واحد منكم هو أن يعلم أنه مسؤول أمام الله يوم القيامة عن أداء الأمانة التي حملها...
وأن سؤال الدنيا (وإن كان سيتم) سهل ويسير أمام سؤال يوم الدين... ومسؤوليتكم ليست
صغيرة؛ كما أن أجر من يقوم بها على الوجه الذي يُرضي به الله تعالى ليس قليلاً... فأرجو
أن تتدبروا ما طرحت عليكم من أسئلة، وغيرُها كثير، وما أوردتُه منها كان على سبيل المثال
لا الحصر، وإن الأمر لجد وليس بالهزل، وليفكر كل واحد منكم في أنه واقف بين يدي الله
عز وجل؛ وهو يُسأل عن هذه الأمانة... عن نصرة شعب مظلوم، دماؤه تسيل كالأنهار، وأعراضه
تنتهك، وأمواله تُنهب، و... ويُسأل كذلك عن عدم إحباطه لمكر يُمكر، وخططٍ توضع، وأفخاخ
تُنصب، وجيوشٍ تُجيش، لطمس الحقيقة، وتزويرها، وهذا كله حرب أخرى... فهل أنتم مستعدون
لأن تجيبوا عما تصرفتم حيالها، وعن مدى التزامكم بمقولة عمر رضي الله عنه: لست بالخبّ
ولا الخبُّ يخدعني... وهل وضعتم أمام أعينكم مقولة قِيْلت في خالد بن الوليد – رضي الله عنه - وهو
يخوض معركة الإيمان وتحرير الناس من كل عبودية لغير الله: ((كان لا ينام ولا يُنيم)).
إخوتي، والله إننا لندعو لكم جميعًا من أعماق
قلوبنا أن يأخذ الله بأيديكم، ويصلح أعمالكم.. ولكن، كما تعلمون، إن الله سبحانه وتعالى
ربط التغيير بمبادرة الإنسان للسير في طريقه، فبادروا أنتم بالتغيير، واعقدوا العزم،
وانفوا الخبَث، ودعوكم من القيل والقال، وإضاعة المال، وأروا الله ثم الثوار منكم ما
يكون في مرضاته، وفي الوقت نفسه تطيب نفوس الثوار به.. فوالله إنهم ليستحقون الكثير..وأقل
ما يجب أداؤه لهم ألا يُحسّوا أنهم أُتُوا منْ قِبَلكم... ثمّ إنكم لتعلمون أن قدرَكم،
يا أعضاء المجلس الأعزاء، أن يكون أدنى مهامكم مواكبة الثورة، وهي – كما ترونها – فتية
شابة ولله الحمد، فشمّروا عن سواعد الجد، وكونوا (على الأقل) بمحاذاتها لا خلفها.
أرجو منكم أن تسامحوني فيما إذا كنت قد أخطأت
بحقكم في رسالتي هذه، فما هي إلا اجتهاد اجتهدته؛ فإن كنت مصيبًا فمن الله، وإن كنت
مخطئًا فألتمس العفو منه أولاً ثم ممن أخطأت في حقه ثانيًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم/ محمد جميل جانودي.
الأربعاء 14/ربيع الآخر/1433 الموافق لـ
7/آذار/2012.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق