الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-03-10

مجازرُ عائلةِ الأسد لمْ تُمحَ من ذاكرةِ أهلِ البلدِ - بقلم: سعد العثمان


في أوائل عام 1980م، كانت انتفاضة الشَّعب السُّوري، ضد النِّظام الاستبدادي في أوج تقدُّمها، وارتبك نظام الأقليَّة في سوريَّة، وظهر ذلك واضحاً في خطاب الرئيس المقبور حافظ الأسد يوم: 8/3/1980م، وعندئذ طلب نظام الأقليَّة في سوريَّة، من الخبراء السوفييت المتخصِّصين في قمع الشُّعوب، والذين ساعدوا ستالين على ذبـح ملايين المسلمين، طلب منهم حافظ الأسـد دراسة الحالة السُّورية، وتقديم النَّصائح للنِّظام، ووصل عدد من هؤلاء الخبراء المجرمين، وتجوَّلوا في حماة وغيرها، وتعرَّفوا على أوقات وأماكن اغتيال عناصر السُّلطة؛ الذي كان يحدث يومياً في حماة وحلب، وبعد تفهُّم الموقف من قبل هؤلاء المجرمين (اليهود) السوفييت قدَّموا نصيحتهم وهي: أن يقتل النِّظام خمسين مواطناً على الأقل، في المكان والزَّمان الذي تقع فيه حادثة الاغتيال، فلعلَّ القاتل يكون أحد هؤلاء الخمسين.


وبدأ نظام الأقليَّة الطَّاغي الدِّيكتاتوري يطبق هذه النَّصيحة السـتالينية، اعتباراً من نهاية الرُّبع الأوَّل من عام 1980م. ومن تطبيقاته لها ما فعله في جسر الشُّغور:

جسـر الشُّـغور
تقع بلدة جسر الشُّغور في نهاية سـهل الغاب، قبل أن يدخل نهر العاصي لواء إسكندرونة، وتتوسط المسافة بين حلب وحماة واللاذقية، ويمتاز أهلها بالمحافظة على دينهم، وعاداتهم العربيَّة والإسلاميَّة، وقد هبَّت هذه البلدة مع حماة وحلب وإدلب وحمص في آذار 1980م، حيث انتفضت هذه المحافظات، تعلن رفضها لنظام الأسـد، وتؤيِّد الانتفاضة الشَّعبية التي أنهكت وحدات الأمن الأسـديَّة آنذاك، قبل أن يتسلَّم الجيش العقائدي المهمَّة، من وحدات الأمن، ويخمد انتفاضة الشَّـعب بالدَّبابة والصَّاروخ والمدفع.

أضربت بلدة جسر الشُّغور يومي السَّبت والأحد، وفي يوم الاثنين: 10/3/1980م، خرجت مظاهرة بدأها طلاب المدرسة الثَّانوية، وانضمَّ إليها عدد كبير من المواطنين، فجابت الشَّارع الرَّئيسي في البلدة، يهتفون: ( يا أسـد!! مانك منَّا، خذ كلابك وارحل عنَّا).

هاجمت المظاهرة المؤسسة الاستهلاكيَّة، رمز الجوع والحرمان في النِّظام الأسديِّ، وحرقتها، ثمَّ توجَّه المتظاهرون إلى مكتب حزب البعث، ففـرَّ البعثيُّون، وتركوا أسلحتهم التي غنمها المتظاهرون، وكذلك أخذوا أسلحة مخفر الشُّرطة، فكانت انتفاضة عامَّة من الشعب في جسر الشُّغور، شارك فيها الأهالي جميعاً، بكافة أطيافهم وتوجهاتهم، ومللهم ونحلهم.

وفي وقت صلاة العصر، وصلت أكثر من خمس وعشرين طائرة عموديَّة، محمَّلة بجنود الوحدات الخاصَّة، يقودهم العميد: علي حيدر، ويعاونه العقيد: عدنان عاصي، قائد مخابرات إدلب، ومحافظ محافظة إدلب: توفيق صالحة.

وصلت هذه الطَّائرات المحمَّلة بالرِّجال والعتاد، إلى جسر الشُّغور وليس إلى الجولان!!، ولما أقلعت هذه الطَّائرات اتجهت شمالاً، وكان المفروض أن تتَّجه جنوباً نحو العدوِّ الصُّهيونيِّ، ولكنَّ البعثيين أعلنوا ذلك صريحاً، منذ أن استلموا الحكم في سوريَّة، قالوا: إنَّ القضاء على الرَّجعيَّة:(الإسلام، والعلماء، والدُّعاة، والحركة الإسلاميَّة) قبل محاربة الصُّهيونيَّة، وهاهم اليوم يفاوضون الصَّهاينة من أجل تطبيع العلاقات معهم، وكي يتعاونوا معهم على القضاء على الأصوليَّة، كما يريد معلمهم الأكبر: ( أمريكا ).

نزلت الطَّائرات حول البلدة، في معمل السُّكر، وفي الثَّانوية، وطريق حمَّام الشَّيخ عيسى، وساحة البريد، ومحطَّة القطار ...)، ونامت البلدة بعد أن طوَّقتها الوحدات الخاصَّة، وفرضت منع التَّجوُّل.

مذابح اللَّيلة الأولى:
بدأت الوحدات الخاصَّة، تعتقل كلَّ مَنْ وصلت يدها له، وتقتله في الحال، دون معرفة شيء عنه، فقتلوا قرابة خمسين مواطناً مسلماً ومسيحيَّاً، وكلُّ من وقع في أيديهم خلال الليلة الأولى قتلوه، كما أنَّهم أحرقوا قرابة ثلاثين محلاً تجارياً للمواطنين، بعد أن نهبوا ما فيها من البضائع، ومنها محلات الذَّهب، ومحلات الأقمشة، ومحلات الأدوات الكهربائيَّة، ومكتبة في الشَّارع الرَّئيسي للبلدة، داسوا على مصاحفها ومزَّقوها قبل حرقها.

مذابح اليوم الثَّاني:
تبادلت الكتيبة الأولى بعد أن قتلت خمسين مواطناً، لا ذنب لهم سـوى أنَّهم من أهالي جسر الشُّغور، واستلمت كتيبة ثانية، قامت باعتقال الرِّجال من البيوت، وجمعوهم في مراكز تمركز الوحدات الخاصَّة، ثمَّ ساموهم أقسى أنواع التَّعذيب، كالضَّرب بالكابلات الحديديَّة، وحرق لحاهم، وصعقهم بالكهرباء ...الخ.
وكانوا يسألون الرِّجال المعتقلين، فمن كان طالباً في الجامعة، قتلوه حالاً دون تحقيق معه، وكأنَّ جريمته أنَّه طالبٌ جامعي، وقد استشهد قرابة خمسة عشر طالباً من طلاب الجامعات، بعضهم من آل الشَّيخ، والحلي، وغيرهم.

وشكَّل النِّظام الإرهابيُّ في سوريَّة محكمةً ميدانية، جعلت من مكتب البريد مقراً لها، وشارك فيها كلٌّ من: ناصر الدِّين ناصر: وزير الدَّاخليَّة، وعلي حيدر: قائد الوحدات الخاصَّة، وتوفيق صالحة: محافظ محافظة إدلب، وحمدو حجُّـو: أمين فرع حزب البعث بمحافظة إدلب، ومحمد أنيس: أمين شعبة حزب البعث بجسر الشُّغور.

وأصدرت هذه المحكمة حكم الإعدام على كلِّ من مثل أمامها.
وصبرت جسر الشُّغور ثلاثة أيام، ذاقت فيها المـرَّ والعلقم، ومن جرائمهم التي يندى لها جبين البشر:

1ـ شـقُّ صدر طفل لا يزيد عمره عن ستة أشهر إلى قسمين، أمام أمـِّه، التي سقطت ميتـة من هول المنظر.

2 ـ قتـل فتـى ارتمـت أمُّـه عليه لتحميه من القتل، فقتلوها معه.

3 ـ التمثيل بجثث بعض الضَّحايا لإرهاب المواطنين.

4 ـ حـرق عدَّة بيوت منها: بيت نور الدِّين الخطيب، والشَّاعر الأديب: يحيى حاج يحيى، ويحيى تلـجو، وعبد الرَّحيم منصور، وعبد الكريم النَّايف.

5 ـ حـرق دكان الشَّهيد سليم الحامض، بعد نهب ما فيـه، وذلك بعد استشهاده بيومين.

وفي اليوم الثَّالث قامت الجرَّافات، بتحميل الجثث من الشَّوارع، ودفنوها في حفر جماعيَّة، بدون كفن، أو صلاة جنازة.

حفلةُ الوداع قبل نقل الرِّجال إلى إدلب:
وبعد التَّحقيق المبدئيِّ، والتَّعذيب الرَّهيب، نقلوا عدداً كبيراً من رجال جسر الشُّغور إلى إدلب، وبعد تحميلهم في السَّيارات، مكبَّلة أيديهم وأرجلهم بالأسلاك الشَّائكة، يضربونهم ضرباً شديداً، وكأنَّ الوحدات الخاصَّة تودِّعهم قبل أن تسلِّمهم للمخابرات العسكريَّة، لتكمل معهم التَّحقيق، ويصل الضَّرب إلى حدِّ الإغماء، فيظنُّون أنَّه قد مات، لذلك يتركونه وينشغلون بغيره.

كان لا بدَّ من الدِّفاع عن النَّفس والعرض، من أبناء هذه البلدة الشُّرفاء، وأهلها العظماء، ورجالها الأماجد، فكانت معركة غير متكافئة، ولكن!! كان هناك رجال صبروا، ونالوا الشَّهادة، ولقَّنوا الوحدات الخاصَّة دروساً في فنِّ الدِّفاع عن النِّفس والعرض والشَّرف، رحمهم الله، وأسكنهم فسح جنَّاته. أختم مقالتي بكلمات جميلة لشاعر وأديب جسر الشُّغور، أستاذنا وأخونا الفاضل: يحيى حاج يحيى:

قـد تـمـلِـكُ  سوطًا  يكويني         وتحُــزُّ القلبَ  بـسـكِّـيـن
قـد تجعل غُلَّك في  عُنُـقـي            وتـضـجُّ  تـئـنُّ  شـرايـيـني
لـكـنْ لـن أخـضَعَ في  يومٍ           للظُّلـم بـضـعـفٍ أو  لـيـنِ
أنا لـي هدفٌ أسـمى أعلـى           نفسي لا تـرضـى بـالـدُّونِ
كـلُّ الأحـرارِ قـد انـتـظموا        في صفِّ  الـفـكـرةِ  والـدِّيـن
وسـتـبـقـى  وحـدَكَ  منبوذًا       فـي سجن الـوهـمِ وفـي الـهـون
فـتـبـاشـيـرُ الفجر  انطلقتْ       مـن جُـرحِ  شـهـيـدٍ  وسـجين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق