الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-03-15

يقظة متأخرة ...من غفلة .. بقلم محمد صالح عويد


كان جالسا على بقايا مقعد صغير ،خلف بقايا منضدة ،يسرٌح بصره في ظلام الحجرة الذي أخذ في التكاثف تدريجيا ،حين أخذت تحتضر على زجاج النوافذ المهشمة ،آخر الغروب
لا يدري مدى الزمن الذي أنفقه على هذه الحالة ،بعينين مفتوحتين ، ذاهلتين
وبلا تفكير في شيء ودون ان يفطن إلى الظلمة التي اخذت تحاصره
كان لا يزال محاصرا بالصور المفجعة التي تلاحقه وتضغط على دماغه بشكل مؤلم ،طفرت من عينيه الدموع بلا وعي وهو يحاول ان ينسى ما حصل له يوم الاجتياح الملعون ،لم يكن يتخيل وهو الذي بدأ وعيه يتبلور منذ قرأ مبادئ القانون السياسي من خلال العقد الاجتماعي لروسو ، وكتابات مونتسيكيو اللذان كانا منظري وواضعي اسس فكر الثورة الفرنسية انزلقت على شفته الرخوة ابتسامة لا مبالية بائسة وهو يسترجع صدى صوت اخته البالغة من العمر اربعة عشر ربيعا وصراخ زوجته وهن يستنجدن به وجزع مفزع لطفليه اللذان ينظران الى أمهما وعمتهما تسحلان ،وابيهما يذوق هوان الخنوع امام ضربات القتلة وسبابهم الغريب
تذكر كيف انه استغاث بانتمائه اليهم بذات الحزب ،أغمض عينيه وهو يتذكر انه آمن بذات القيم والمنحى السياسي الذي يسوقهم كالبهائم امام راع لا يعنيه كم يقتل وكم يباد من اعدائه وأنصاره نفكلهم سواء ....في معركة البقاء
حرب الخراب والتنكيل والذبح


رأى بأم عينيه كيف سحلت حرائره الى مستودع المؤسسة الاستهلاكية ببابا عمرو وأسقط الفزع قلبه بين رجليه وهو يرى تجمعا من النائحات الصائحات المستغيثات بكل مقدس أن يتم العفو عنهن واطلاقهن ؟؟؟!!ولكن لا حياة لمن تنادي

وجروه كالبهيمة من الأنعام التي تجر الى المسلخ على وجهه وامام ناظريه انتهكت الوحوش اعراضهن وتراوحوا عليهن كما الذباب على قطعة سكر

اشاح بوجهه خجلا من صورته التي انعكست على شظايا الزجاج التي لا زالت معلقة على اطار النافذة

تفاجأ بصورته وسط الظلام ؟؟؟؟التفت ....وفجاة راى شيئا ،فاتجه إليه ببصره في دهشة ،اجل لقد اضيئت الحجرة على حين غرة ،وسرى فيها شعاع هادئ كما لو كان بفعل نفحة غامضة نوأخذ يتساءل عن مصدر هذا النور ....؟؟
وكيف وقع ذلك ؟؟؟

ولم يطل به التفكير حتى اهتدى إلى ان النور قد تسرب إلى حجرته المتهالكة بفعل القذائف التي لم تتوقف عن قصف الحي منذ شهر ونيف
كان النور من الغرفة المقابلة تماما ،انه نفحة من حياة غريبة تدخل لتزيح الظلمة والفراغ وتملا صحراء وجوده ...

كانوا أربعة رجال ملثمين ، وعرفهم فورا من دخولهم الحذر وتفقدهم ارجاء البيت البائس الذي لجؤوا اليه وشعر وكانهم جاؤوا لانتشاله من وحشة ووحشية المه ومصابه ،كانوا جنود الجيش الحر الذي تمرد رافضا قتل الأبرياء وانبروا للدفاع عن آدميتهم وبرا بقسمهم الأول بحماية الوطن وأبنائه ....لا قتلهم لمجد قام على الذبح والتعسف والابادة التي ترتكب بحق أخوتهم ..

حمل كيس آلامه وأوجاعه ووحشة عقله ونزل الدرج واتجه الى البيت المقابل وطرق الباب مستجيرا فلبوه بعد ان اجفلوا من زائر غريب وفد بلا مبرر ،دون مقدمات طلب ان يقبلوه بينهم ليسترد أعتبار انسانيته ويدافع عن قيم امن بها وما علم انه مغدور إلا بعد ان سفكت كل حياته بايدي المتوحشين
وعند الفجر كانوا قد غادروا الى مهمتهم بعد ان اوصلوه الى تجمع اغاثة للجرحى والقيادة التي اختلط فيها آهات الجرحى والناجين ممن المذبحة مع نداءات الاطباء ،وتعليمات تصدر من ضابط الى نقاط تمركز المقاتلين الموزعة في ارجاء المدينة وتزايد توافد المسعفين وهم يحملون بقايا جرحى فقدوا اجزاء من اجسادهم واخرون يحملون اشلاء لمجهولين قضوا في ظروف مرعبة من ملحمة الموت المخيم على المدينة المنكوبة ...

أراد ان يميط اللثام عن وجهه ، وحانت منه التفاتة الى الركن البعيد من المكان الملون بالدماء لتصدمه صورة زوجته وهي تحمل معدات طبية وتساعد احد الاطباء لنقل الدم بطريقة بدائية لاحد الجرحى الذي احضر للتو ،انزل يده وترك لثامه وأطرق براسه خجلا من أرادتها وكبريائها وتساميها فوق مصيبتها .وانتحى به أحد الضباط جانبا ليعطيه تعليمات العمل في صفوفهم وناوله بندقية أحد الشهداء الذين قضوا في معركة الفجر عند حاجز الأنشاءات ،وانطلق ضمن مجموعته ليشارك في ملحمة الدفاع عن مدينته التي اصابها الدمار من كل جوانبها ..ولكنها كانت لا تزال صامدة .....حتى احجارها اشعرته بالصمود والثبات ،حين عاد في المساء كان الجميع كأنهم خلية نحل تعمل وفق آلية عمل لا تعرف التعب والهوان والاستسلام

لم يمط اللثام عن وجهه ، لا زالت زوجته تعمل بهمة عالية دون الالتفات الى نداءات الجسد المتعب المثخن بجراح الغدر ، وحين جاء آخرون ليقوموا بمتابعة العمل بدلا عن رفاقهم المتعبين ...تفاجأ بالضابط يعطي تعليماته ان تحتمي النساء المتواجدات في المكان للدخول في ركن بعيد امن ، وبعد ان اكتمل ولوجهن المكان رأى احد الجنود يغلق عليهن الباب ويحتمي بزاوية قريبة من الباب من المطر المتساقط ، وتحت تلامح الانوار المرتعشة المنبعثة من فانوس قريب راى الجندي يحتضن بندقيته ويظل يذرع المكان جيئة وذهابا وهو يحرس النساء من غدر الغزاة الاقذار

صدمته المقارنة بين ادعاءات نظامه وبين افعال الرجولة التي يراها ،تذكر بعض الكائنات الناطقة التي كانت تستهول وتتهم هؤلاء على محطات تلفزة الدجل التي تدافع عن القتلة

انصت بإرهاف إلى الجندي وهويردد أغنية ريفية شائعة بصوت شجي ،واهن:
يما مويلي الهوى ...يما مويلية ,,,,
ضرب الخناجر ..ولا حكم النذل ..فيا
الرياض 13 -3 -2012 محمد صالح عويد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق