الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-03-16

المجزرة الإسرائيلية في سورية عام على الثورة - بقلم: طريف يوسف آغا


 يصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الثورة السورية المباركة من أجل الحرية والكرامة، وهناك سؤال يطرح نفسه وبقوة على الساحة المحلية، وكذلك على الساحتين العربية والدولية. وهو لماذا لم تتجاوز بعض ثورات الربيع العربي الأسابيع، والبعض الآخر الأشهر، في حين وصلت ثورتنا إلى خط نهاية عامها الأول ولاتوجد أي آثار لخط النهاية؟


من يحبون الاجابات السريعة من دون تفكير، سيتقدمون بعدة محاولات للاجابة على السؤال:
     منهم من سيقول أن جيش النظام قوي ومحترف وغير قابل للانكسار!
أرد على هؤلاء بأننا شاهدنا هذا الجيش في حروب حقيقية وأمام جيش نظامي في حزيران وتشرين ولبنان، ورأينا بأنه كان أبعد مايكون عن الاحتراف. ولكنه ولاشك قوي في مواجهة الشعب الأعزل لأنه في الأصل مجهز لمواجهة شعبه كما رأينا في مجزرة حماة عام 1982 والمجازر التي تحدث اليوم في حمص وادلب ودرعا وغيرها، كما أنه مجهز لحرب الميليشيات كما رأينا خلال الحرب الأهلية اللبنانية وكذلك حرب المخيمات كما رأينا في تل الزعتر.

وهو أيضاً ذو فعالية عالية في اقتحام السجون وتصفية نزلائها العزل في الزنزانات كما فعل في مجزرتي تدمر وصيدنايا.

     يرى البعض الآخر أن سبب تأخر الحسم في الثورة السورية اليوم هو الدعم المزدوج الروسي-الصيني للنظام، باستعمال الفيتو في مجلس الأمن، وكذلك بتزويده بالسلاح.

أرد على هؤلاء بأن هذا الدعم لاشك يساعد النظام ويقويه، ولكن دعنا أن لاننسى أن الغرب لم (يتعطل) في الماضي ولن (يتعطل) اليوم بسبب أي فيتو من أي جهة، وهو إن أراد أن يتصرف فلن تمنعه يد مرفوعة في مجلس الأمن أو أي مجلس آخر، وحرب البوسنة التي شنها الناتو على الصرب عام 1997 أكبر دليل على ذلك.

     ويجيب البعض على السؤال بأن الدعم الإيراني العسكري والمادي للنظام السوري، وتزويده بمقاتلي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وجيش المهدي العراقي، هو مايمد بعمر هذا النظام ويبقيه في السلطة.

أرد على هؤلاء بأن هذا الدعم لاشك يساعد النظام أيضاً، ولكن حين يحسم الغرب أمره ويقرر التدخل المباشر في سورية لايقاف المجازر ضد الشعب، فان النظام الإيراني سيكون حينها مشغولاً بالتفكير كيف سينجو بنفسه قبل التفكير  بمساعدة غيره. كما أن ملفه النووي من جهة يضعه في موقف لايحسد عليه، والتململ الشعبي في الشارع ضد الفساد والاستبداد من جهة ثانية يجعله يتحسس رقبته من ربيع شبيه بالربيع العربي قد يدق أبوابه في أي وقت.

     كل هذه الأجوبة والردود عليها (لايبقي في الميدان إلا حديدان)، ومن هو (حديدان) برأيكم سوى إسرائيل؟

فهو ساذج حقاً من يظن أن القرارات والمواقف الدولية حول الشرق الأوسط يمكن أن تتخذ بدون الموافقة الإسرائيلية، وخاصة في شأن دولة لها حدود مشتركة معها. وكنت قد أشرت في مقالة سابقة إلى ماجاء في كتاب الجنرال الأمريكي المتقاعد (ويسلي كلارك) كيف أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق (بوش الابن) كانت تعتزم تغيير النظام السوري بعد انتهائها من العراقي فيما سمي بخطة (الدول السبعة)، لولا دخول إسرائيل على الخط حينها. وقد تم فهم هذا التدخل بأنها دعت (بوش الابن) لأن يختار بين المضي بخطته وبين ضمان فترة رئاسية ثانية في البيت الأبيض. وهذا مايعيد إلى الذاكرة كيف أن أبيه كان قد خسر الفترة الرئاسية الثانية في انتخابات 1993 حين (كتر غلبة) وأصر على عقد مؤتمر (مدريد) للسلام عام 1991 لايجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية وكذلك للجولان المحتل، محاولاً استغلال انتصاره في حرب الكويت في نفس العام. ولكن لاشفع له انتصاره ولاتاريخ خدماته الوطنية، فخسر الانتخابات وعاد إلى بيته.

     وبالعودة إلى (بوش الابن)، فقد وجهت له إسرائيل رسالة واضحة بعد احتلاله للعراق ومفادها أنها سألته: ومن قال لك أن إسرائيل تريد تغيير النظام السوري؟ فكان أن غيرت الادارة الأمريكية خطتها آنذاك وقررت حذف سورية منها. وليس سراً في الأصل أن مصالح النظام الأسدي من جهة واليمين الإسرائيلي المتطرف من جهة ثانية تلتقي حول الهدف الرئيسي وهو حماية كل طرف لأمن وسلامة جاره على أرض الواقع، ولكل طرف حرية شتم واتهام وتهديد الطرف الثاني كما يشاء عبر وسائل الاعلام.

     من كل ماسبق، نستطيع أن نفهم قلق إسرائيل على مصير النظام السوري وخوفها من المجهول القادم إذا سقط النظام، ولهذا نراها تعنف واشنطن وتطالبها بتخفيف لهجتها ومواقفها اتجاهه. فهي، أي إسرائيل، غير قادرة من موقعها الرسمي كعدوة لهذا النظام أن تمد له يد المساعدة علناً. وبالتالي نراها تستميت لتمنع الدول العظمى من التدخل عسكرياً أو حتى الضغط عليه لازالته، بل وتطالب تلك الدول بالاستمرار باضاعة الوقت بعقد المؤتمرات والاجتماعات واللجان والوفود والحملات الاعلامية، عل النظام يتمكن من سحق الثورة كما حصل في مجزرة حماة عام 1982، فيبكي البعض قليلاً ويتباكى البعض الآخر، وتصدر بعض الادانات والتنديدات من هنا وهناك، ثم يوضع الأمر على الرف ويقال: الحاضر أفضل من الماضي والحي أفضل من الميت وليس بالامكان أفضل مما كان وغير ذلك من العبارات التي تبرر إعادة التعاون مع النظام.

     إذاً فيمكن أن نستنتج مما سبق أن المجازر التي ترتكب اليوم في سورية بيد قوات النظام هي ليست بدعم روسي أو صيني أو إيراني كما هو الظاهر، وإنما هي مجازر إسرائيلية بامتياز، والدول التي ذكرناها ماهي إلا (كومبارس) ضروري لتصوير المشهد. وهذا يعيد إلى أذهاننا مجزرتي صبرا وشاتيلا عام 1982 واللتين أضيفتا إلى سجل المجازر الإسرائيلية السابقة مع أنهما نفذتا بيد القوات اللبنانية. الفرق بين هاتين المجزرتين ومجازر آل الأسد في سورية، أن إسرائيل هدفت لذبح الفلسطينيين في الأولى، ولكنها ربما لم تهدف بالضرورة لذبح الشعب السوري في الثانية بقدر ماهدفت وتهدف إلى الابقاء على نظامه الذي لاتريد له أن يذهب.

     إذا فهمنا هذا الأمر جيداً، فيبقى على الشعب السوري الذي بدأ ثورته من أجل الحرية والكرامة، محاولاً اللحاق بأشقائه في تونس ومصر وليبيا، يبقى عليه أن يجد الوسائل التي تساعده على الصمود في وجه آلة القتل الوحشية. ثم الانتقال من الدفاع إلى الهجوم وحسم معركته ضد النظام، ليلتفت بعد ذلك ليصفي حساباته مع من استرخصوا دماء أطفاله ونسائه من أجل مصالحهم.      

***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
الخميس 22 ربيع الثاني 1433، 15 آذار، مارس 2012
هيوستن / تكساس


***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
الخميس 22 ربيع الثاني 1433، 15 آذار، مارس 2012
هيوستن / تكساس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق