الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-03-08

عام على الثورة السورية.. الحالات الراهنة والمستقبلية – بقلم: أحمد حمودي


 مشروع القرار الذي ستتقدم به الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن ينص بشكل أساسي على دخول المساعدات الإنسانية إلى المدن والبلدات السورية المحاصرة وإنهاء حالة العنف المستمرة منذ عام. سرعان ما صرح نائب وزير الخارجية الروسي بأن القرار المزمع تقديمه غير متوازن! نفس الاسطوانة والتعليلات التي أطلقتها السياسة الخارجية الروسية منذ شهور! كان القرار ممكنا لأن يكون متوازنا عندما يكون الواقع متوازنا! بمعنى لا مساواة بين القوة الغاشمة التي يستخدمها النظام بقواته الثقيلة وبين الإمكانات التي تتوفر للجيش الحر والذي يتبع لحد الآن أسلوب حرب الشوارع.. إن رفعت روسيا حق النقض للمرة الثالثة فانه ستكون فضيحة لمجلس الأمن وسيظهر العجز الدولي (الغربي) خاصة..


ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تصر الولايات المتحدة على التقدم بقرار سيحرجها أمام العالم للمرة الثالثة؟ ربما يعود السبب-في تصوري- لاحتمالين متناقضين:

أ‌-    لأن الولايات المتحدة تريد أن تصل مع روسيا إلى طريق مسدود حتى تبرر التدخل في سوريا كما فعلت في حالات سابقة مماثلة.. لأن القرار الذي سينبثق عن مجلس الأمن سقفه لن يكون التدخل الأجنبي.. لذا لاحظنا التسرع المفاجئ للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في المرة الماضية لاستصدار قرار يدين النظام والذي أدى إلى رفع الفيتو الروسي والصيني المفاجئ أيضا للعالم.

ب‌-  الولايات المتحدة لا تريد أصلا التدخل المباشر في سوريا وستظل متبعة أساليب الضغط السياسي والاقتصادي بكافة أشكالها على النظام السوري.. وتتضح هذه السياسة من خلال فرضها الأخير العقوبات المالية على الهيئة العامة للتلفزيون السوري ووضعها على القائمة السوداء الأمريكية (black list) والشيء المثير للسخرية تعليق الإعلام الرسمي السوري على هذا الإجراء بأنه يفضح ازدواجية المعايير الأمريكية وادعائها بأنها تحمي حريات التعبير! متناسية التعتيم الذي يمارسه النظام على تغطية الأحداث في سوريا منذ عام ومنعه معظم وسائل الإعلام من التغطية سوى وسائل الإعلام الذي يضمن النظام ولاءها له، وحين تخرج وسائل الإعلام هذه أو الصحفيين عن أجندة النظام سوف ترى ما لا تحب! أدناه المنع والطرد كما حدث مع الصحفية اللبنانية "غدي فرنسيس" التي تعمل مراسلة لدى تلفزيون "الجديد" وجريدة "الأخبار" القريبتين من النظام. عودة مرة أخرى يمكن القول أنه يتصل بموقف الولايات المتحدة الموقف التركي الذي لا يزال غير متعدّ للظاهرة الصوتية، فتصريحات اردوغان الأخيرة بأن بشار الأسد سيحاسب على خلاف والده الذي لم تطله يد العدالة شبيهة بتصريحاته في الأيام الأولى للأحداث، يومها تفاؤل معظم السوريين بالموقف التركي الحازم..  يبقى التأكيد أن الموقف التركي مرهون بالغطاء الدولي فتركيا غير مستعدة لخوض حرب بالإنابة عن الغرب في سوريا وهي ترى أمام أعينها الدعم الإيراني للنظام وتحاشيها الدخول بحرب إقليمية قد يدفعها ثمن الاستحقاقات الداخلية وفقدان حزب العدالة والتنمية قاعدته الشعبية.

ولكن يبدو أن المناورة السياسية هي التي تفرض نفسها في علاج المسألة السورية ولهذا الاعتقاد عدة دلالات منها:

أ- الدلالة الأولى: ما زالت الولايات المتحدة تتبع الأسلوب الدبلوماسي مع روسيا مراهنة على تغير الموقف  الروسي بعد وصول بوتين للرئاسة.. لذا لاحظنا صمتا غربيا مطبقا على الاختراقات التي حدثت في الانتخابات الرئاسية الروسية، ومن غير شك فإن هذا الرهان هو الذي فرض نفسه! ولكن السؤال المطروح بشدة هل سيتغير الموقف الروسي بعد وصول بوتين للرئاسة؟ أعتقد أن الانتخابات الرئاسية التي أوصلت بوتين مرة أخرى للكرملين هي استحقاقات للموقف الروسي المتصلب والداعم بقوة للنظام.. من الواضح أن سوريا منذ الفيتو الأول دخلت اللعبة الدولية وفرضت منطق الحرب الباردة من جديد في المنطقة.. إن من خرج لانتخاب بوتين كان ثمنا لمواقفه القومية التي تعيد روسيا للساحة كقوة دولية تكسر حدة القطب الواحد الذي تفرضه الولايات المتحدة منذ عقود.. لذا لن نتوقع الكثير من التغير في الموقف الروسي.

ب- الدلالة الثانية: التي تؤكد أن المناورة السياسية هي التي تفرض نفسها في علاج المسألة السورية هو اجتماع وزير الخارجية الروسي مع الوزراء الخارجية العرب المزمع عقده السبت القادم الموافق العاشر من مارس.. ولكن السؤال المهم لماذا أجلت روسيا لقاء وزير الخارجية الروسي مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع الوزراء الخارجية العرب؟ أعتقد أن روسيا باتت تعتقد أنه بات من الضروري التأثير على الموقف العربي- بعيدا عن التنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي- لتخليه عن الضغط على النظام السوري ولأن الموقف الخليجي متشددا من النظام مقارنة بدول عربية مازالت تدعم النظام وتراهن على استمراره في السلطة مثل العراق والجزائر، لذا فإن روسيا أرادت أن تربك الموقف العربي المتناقض من النظام السوري لتظهر بأنها طوق النجاة الوحيد لحل الأزمة السورية وأنها وحدها تملك المبادرات السياسية لحل هذه الأزمة، لذا لاحظنا تصريحات وزير الخارجية الروسي بأنه لا مبادرة واضحة ستناقش في اجتماعه مع وزراء الخارجية العرب. قد يتمخض اجتماع وزير الخارجية الروسي مع الوزراء الخارجية العرب عن صيغة توافق روسي عربي حول حلحلة الوضع بسوريا ولكن لا اعتقد أن هذا الاجتماع  سوف يؤدي إلى حلول واقعية على الأرض طالما النظام السوري ماضٍ في حلوله الأمنية والعسكرية لقمع الثورة في سورية. روسيا تدعي أنها تبحث عن مقاربات جماعية للوصول إلى تسوية بين النظام والمعارضة ولكن الواقع يؤكد أن روسيا تريد أن تنقذ الأسد من الهاوية بأي ثمن كان. بشكل عام الخطاب السياسي الروسي-شأنه شأن النظام- يعاني من تناقضات وشوزفرينا سياسية، فبينما تطالب الدول الغربية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا نجدها تتدخل بشكل سافر في دعمها غير المحدود للنظام السوري، وبينما تركز المواقف الدولية على ضرورة قيام نظام جديد في سوريا نجد أن الموقف الروسي  يصر على ضرورة إنتاج النظام بوجود الأسد على رأس السلطة أو عدم وجوده.

جـ- الدلالة الثالثة: الموقف الصيني الذي يعتبر -بحسب تقديري- أقل تشددا وأكثر مرونة بالتعامل مع الملف السوري، يؤكد هذا تصريح وزير خارجية الصين بأن "شعوب منطقة الشرق الأوسط أدرى بوضعها الراهن"، ولحسابات صينية متعددة منها القضايا متشابكة المصالح مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يرتبط بملف تايوان والتبت التي تحاول من خلالهما الولايات المتحدة الضغط على الصين في هاتين المنطقتين الحليفتين لأمريكا، تريد أن لاتسخن الصين العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة فضلا عن العلاقات الاقتصادية الوطيدة بين البلدين. في هذا السياق تأتي المبادرة الصينية المؤلفة من ست نقاط والتي تنص على "وقف فوري وشامل وغير مشروط لكل أعمال العنف من الحكومة السورية والأطراف المعنية"، و"إطلاق فوري لحوار سياسي شامل من دون شروط مسبقة ولا حكم مسبق بين الحكومة السورية ومختلف الأطراف تحت الوساطة النزيهة للمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية .كما تنص على "دور قيادي للأمم المتحدة في تنسيق جهود الإغاثة الإنسانية..  على أساس احترام سيادة سوريا"، وترفض "التدخل العسكري ضد سوريا أو فرض ما يسمى (تغيير النظام)". ويجب أن يلتزم أعضاء مجلس الأمن الدولي بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية".
من الواضح أن المبادرة الصينية لا تختلف كثيرا عن المبادرات الروسية سوى أنها أكثر دبلوماسية ولا تتسم بغباء الدب الروسي الذي دائما ما يخسر الرهان على تعنته السياسي فهل هذا سيحدث مستقبلا؟!

تبقى نقطة مهمة في هذا السياق أيضا ألا وهي التغير في المواقف الدولية وهو مرهون بالتغيرات السياسية الداخلية للدول، حيث سنشهد انتخابات قادمة في الولايات المتحدة وفرنسا.. فعلى سبيل المثال تصريح "دومنيك دوفيلبان" رئيس الوزراء الفرنسي السابق والمرشح للانتخابات الرئيسية القادمة بأن  "الوقت حان للتفكير بتحرك ميداني" في سوريا مقترحا شن "ضربات محددة الأهداف" ضد نظام الأسد، هذا يؤكد أن الموقف الفرنسي قد يكون أكثر تشددا في الأيام القادمات في حال وصول هذا الأخير لسدة الرئاسة، في حين نلاحظ  أن الموقف الفرنسي الحالي ما زال يراهن على الضغط السياسي والاقتصادي باتجاه النظام.
يبقى الموقف الخليجي الذي تقوده السعودية أداة الضغط المأمولة على المواقف الدولية وما يدفعها العلاقات التاريخية والثقافية بين الشعبين- ظهر هذا جليا بتشبيه المندوب السعودي في الأمم المتحدة في 3 آذار ما يحدث في سوريا بمذبحة سربرينيتا( مذبحة البوسنة)-  بالإضافة لهدفها إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، ولكن الموقف الخليجي ظهر ضعيفا بعد مؤتمر أصدقاء سوريا حيث وجد نفسه وحيدا أمام الرهان الغربي على الضغط السياسي والاقتصادي في سوريا كذلك الموقف الروسي ضيق الأفق.

أمام كل هذه التجاذبات السياسية الدولية يبقى الرهان على البنية الداخلية للثورة السورية والحفاظ على مكتسبات هذه الثورة التي خرج من أجلها الشعب السوري. ويعتقد البعض أن النظام استطاع أن يجر الثورة إلى التسلح لكي يظهر بمظهر الضحية أمام العالم وربما لا نستبعد أن النظام حاول ومازال يحاول تذكية عناصر متشددة بين صفوف الثورة ليقول للعالم بأنه يواجه "جماعات إرهابية متشددة" وليختزل مطالب الثورة بإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة بينما من المفترض أن يكون التفاوض على انتقال سياسي سلمي للسلطة.

من الواضح أن النظام يعمل بـ"إستراتيجية" لقمع الثورة السورية مستعينا بالخبرات الروسية والإيرانية، وهذا يحتاج لتحليل خبراء عسكريين لتوضيح هذه النقطة الذات.. لكنه من المؤكد أن النظام يتبع استراتيجية التمشيط الأمني والعسكري أفقيا وعموديا بمعنى أنه يقوم بالعمليات العسكرية بدءا بمدينة ثم أخرى، ولكن هذا لا يعني أن مدينة ما تسلم من قمعه الدامي وإن كانت أقل صورة من مدينة أخرى. على سبيل المثال هو ركز حملته العسكرية خلال أكثر من خمس وعشرين يوما على "بابا عمرو" واليوم ينتقل بحملته إلى "ادلب" باعتبارها المعقل الأكبر للجيش السوري الحر-حيث هناك عشرات المدن والقرى التي تقع خارج سيطرة النظام وبحالة عصيان مدني- ولكننا نشهد في نفس الوقت حملات عسكرية في حماه ودرعا وريف دمشق وريف حلب وإن كان بشكل متقطع. لكن بالمقابل هناك تمدد أفقي وعمودي أيضا للحراك الثوري فيوم سقوط "بابا عمرو" كان هناك أكثر من ستمئة نقطة تظاهر في سوريا.
وأمام انغلاق أفق التدخل الدولي لحماية المدنيين يبقى الخوف أن تصبح سوريا ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية والدولية-كما هي حال العراق- بعد تسلل العديد من المقاتلين العرب منهم ليبيين حسب تقارير إخبارية وان كانت ذات التقارير تشير إلى أن أعداد هؤلاء مازالت قليلة ولكنها من وجهة نظري مرشحة للازدياد مع تنامي الروح الأيديولوجية للثوار.. في هذا السياق يشير الخبير "بيتر هارلينغ"، من مجموعة الأزمات الدولية، وفقاً لما أوردت عنه صحيفة "انترناشيونال هيرالد تريبيون"،:" في دولة تشهد حالة من الفوضى، يكون غني عن القول إنه يتم إنشاء مساحة للمتطوعين الأجانب. لكن دورهم يبقى محدوداً، إلى أن يرى المقاتلون السوريون قيمة في وجودهم"
لكن هذا لا يعني أنه سيكون في سوريا سيناريو كسيناريو العراق وهو تمدد "تنظيم القاعدة" على الأراضي السورية، لأنه من وجهة نظري ليس لتنظيم القاعدة قبول لدى القاعدة الثورية ويوضح بعضهم مستغربا من هذه الفوبيا المسيطرة على البعض: "فإنقاذ المصور البريطاني والصحافية الفرنسية على أيدي كتيبة «الفاروق»، التي تكبدت وفاة ثلاثة عشر من عناصرها على يد قوات الأسد التي كانت تريد قتل الصحافيين أثناء تهريبهم من حمص إلى لبنان، كشف زيف ذلك، فـ«القاعدة» التي قطعت رأس الصحافي الأميركي "دانيال بيرل" بأفغانستان لا يمكن أن تسمح بتهريب فرنسية وبريطاني إلى لبنان"!.

وتبقى "الكتلة الصامتة" كما يحلو للبعض أن يسميها هي عقدة الحراك في سوريا كتبت "غدي فرنسيس" في كتابها المثير "قلمي وألمي- مئة يوم في سوريا": "لم تتكلم هذه الغالبية بعد، وذلك لأسباب كثيرة، أبسطها أن لا أحد يسمعها في الضوضاء وفي احتقان ولّد لوائح شرف وعار تصنف الناس نسبة لآرائهم، وأعقدها أن آلية العمل السياسي الجماعي التي اخترعها العقل البشري تنعدم في بلد يحكمه حزب واحد.." وأضيف سببا أساسيا آخر أن الطبقات المتوسطة المدينية غير مستعدة لدفع ثمن التغيير بدءا من فقدان المكاسب الاقتصادية نتيجة التغيير المحتمل وانتهاء باحتمالية العنف والقتل نتيجة القمع المستمر من قبل قوات النظام وميلشياته المنتشرة في كل حي أو زقاق. وتبقى الإشارة إلى أن من بين الكتلة الصامتة معظم أبناء الأقليات خاصة المسيحية منها التي تفضل الإبقاء على الأسد عن وصول الإسلاميين المحتمل للسلطة في سوريا. وربما سقوط الأسد سوف يعيد ترتيب الديمغرافية السكانية لسوريا من جديد مثلها مثل أي تحول تاريخي لحضارة من الحضارات! ويتشاءم بعضهم في تصور مستقبل سوريا: "لن يخرج عن دولة منهكة، أو دولة مدّمرة، أو تقسيم قادم بعد فترة زمنية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق