الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-03-22

كلٌ يعمل على شاكلته - بقلم: د. محمد وليد حياني


يريد الكثيرون من أبناء الوطن في الداخل والخارج بل يتمنون أن يحصدوا ثمار الثورة السورية المباركة دون تعب وعناء ومشقة، ودون أن يقدموا لها ما قدمه ويقدمه أبناء الثورة المباركة، وكأن التاريخ يقدم تلك المنجزات والمكتسبات على مائدة مفتوحة للقاصي والداني.

كما يحسب الكثيرون ممن يتفاعلون مع الثورة من وراء شاشات الحاسوب وعبر برامجياته وآلياته، أو عبر الفضائيات أنهم سيقطفون الكثير من تلك الثمار، من خلال انفعالهم وتفاعلهم مع أحداث الثورة ومنجزاتها على الأرض بوضع إعجابات أو كتابة تعليقات, إن الأمور لاتساق بهذه الطريقة أو تلك
وما نيل المطالب بالتمني        ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

نعم إنها سنة من سنن الله في الخلق، وهي التراغم والتدافع، والتدافع إما أن يكون داخل النسق الواحد أو الصف الواحد أو الجماعة الإنسانية الواحدة أو بين نسق وصف وجماعة فيما بينها صفا صفا ونسقا نسقا، كما قد يكون التدافع – بل لنقل التغيير – حميدا ومقاصده شريفة مجيدة، أو يكون عكس ذلك، والأخير لا يتمناه حر ثائر … فما يزرعه أبطال الثورة السورية المباركة اليوم من خير وعطاء ونماء وإصلاح وتجديد، إنما هو دفع وتدافع، دفع لعدو سمَى نفسه بطلا وطنيا وقوميا وجدارا للصمود والتصدي  لما يقارب الخمسين سنة، وأرغم الشعب كذبا وزورا وبهتانا على الاعتراف بوطنيته، فضلا عما خلفه من أجهزة قمعية فاقت عدد أصابع اليدين والرجلين لإزالة كل ما يمت من القيم الدينية والأخلاقية بصلة، واستورد قوالب شيوعية اشتراكية جاهزة ليطبقها في بيئة غير بيئتها الطبيعية، رغم أنها أخفقت قبل ذلك في مهدها، بينما يتمسك هو ذاته بتلك النظريات وتطبيقها ، وهذا ما دعاه إلى طلب تدخل القوات الروسية في سورية لتدافع عن آخر موطئ قدم لها خارج حدودها، وكأن التدخل الإيراني السافر وجيش المهدي وحزب اللات لم يفلحوا في إيلام الثورة والثوار، ولم يلحقوا بسورية ومدنها وبلداتها وثوارها الضرر والدمار والخراب.

إن التدافع والإصلاح والتغيير اليوم يمضي في طريقه عبر مؤسستين وطنيتين اثنتين، أولاها عسكرية تتمثل بالجيش الحر، الذي تبنى حماية الثورة والثوار وفق نسق مضبوط في تحركه وتوجهه بما يخدمهم ويحميهم ويدافع عنها وعنهم، والثانية تتمثل بالثورة السلمية وما يمثلها داخليا وخارجيا على اختلاف مسمياتها ومشاربها وتوجهاتها، والتي تتفق على أهداف وقواسم مشتركة، أولها وأهمها إسقاط النظام الخائن والحزب الواحد، وبناء حكم مدني وتعددي ديمقراطي، من خلال تداول سلمي للسلطة تقيمه أو تقيله انتخابات برلمانية دستورية وفق قوانين ناظمة لذلك، وفوق هذا وذاك إفراز قيادات جديدة  على مستوى الدولة والمعارضة، وكل ماسبق ذكره يبنى بعناية وحرص ودأب، تحت أجواء القصف والتنكيل والتدمير الذي يقوم به ذلك النظام الأسدي ومن يدعمه ويسانده داخليا وخارجيا.    

إن الثورة السورية المباركة لا تشبه أخواتها من ثورات الربيع العربي التي بدأت في ميدانها بإزالة رأس النظام أولا، إما بهروبه أو محاكمته أو قتله أو تسليمه للسلطة إلى نائبه، لتنتقل تلك البلدان إلى مرحلة تفكيك النظام ومحاكمة المسيئين، وإعادة هيكلة وترتيب بيتها الداخلي وما اعترى الخطوة الأخيرة من تهديدات بتقسيم البلاد ومناوشات وصراعات داخلية واحتراب.

بينما في سورية الجديدة ولدت ثورتها بالمقلوب – وهذا قدر بلاد الشام، أن تكون متميزة على أقرانها – والولادة بالمقلوب إما أن تنتهي سريعا بموت الأم إذا لم يتم إسعافها بسرعة – وهذا ما لم يتم، ولن يتم بإذن الله – أو بتقطيع الجنين إلى أجزاء حفاظا على الأم والتضحية بالوليد – وهذا ما يسعى النظام لفعله لتقسيم البلاد لا سمح الله، وسبق أن قام الاحتلال الفرنسي بذلك ولم يفلح – أو بولادة قيصرية تستدعي عملية جراحية بمباضعها وآلاتها وآلامها حفاظا على الأم ووليدها – وهذا دأب و ديدن الثوار الأحرار الأبطال الذين يحرسون بلدهم وثورتهم بعيون لا تنام وجهود لا تتوقف كخلية نحل يأخذ فيها كل دوره في البناء، ويدافع عن ثراها الطاهر، وقد يستدعي الأمر في كثير من الأحيان إقصاء المتطفلين والفاسدين والتخلص منهم بصورة نهائية كما سيقصى ذلك النظام الفاسد.

إن نظام حزب البعث الواحد والحكم الأسدي الفاسد  أمسكا بتلابيب ومفاصل الدولة داخليا وخارجيا كأخطبوط، وما زال يقنع نفسه والعالم أنه في أفضل مراحله، لا بل يصر على تهميش الثورة والثوار وعدم الاعتراف بهما، بينما أبناء الثورة المباركة ينتزعون ملكه ويتخلصون من براثنه كما ينتزع الغصن الكثيف الشوك من جزة صوف، بكل ما يعتري ذلك النزع والانتزاع من ألم وتقطيع، والأمل بالله وحده يحدو الثورة والثوار نحو النصر بإذن الله.

إن من يدعون أنفسهم رواد الثورة زورا وبهتانا وإدعاء وفزلكة، ولم تلدهم تلك الثورة ولادة طبيعية من بين صفوفها ولم تتبناهم، ليسوا على شيء، وهم عالة عليها - قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين- ولن يسرقوا هذه الثورة المباركة - التي أرخصت لها الأنفس والدماء - كما سرقت ثورات التحرر العربية من نير الإستعمار الغربي, إنما سيبقى ما ينفع الناس كل الناس على امتداد الوطن الحبيب مهما تعددت مذاهبهم ومشاربهم وأعراقهم لأنهم القادة الحقيقيون لهذه الثورة، وهم الأولى بمكتسباتها وما ستصل إليه من ذروة مجد وفخار، ولا مكان للمتسلقين والمتطفلين والقراصنة واللصوص وكل أولئك لن يطالوا شيئا من الثورة المباركة إلا كمن يحاول أن يطال النجوم بيديه أو أن يحرث البحر أو أن يشتهي الحصاد بلا حرث، وهم غثاء وزبد وخبث . وكل إناء بالذي فيه ينضح، وكل يعمل على شاكلته، إنها ثورة حتى النصر فاستبقوا الخيرات .
د.محمد وليد حياني  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق