في سورة الحجرات آداب اجتماعية جلّاها القرآن
الكريم نبراساً للمسلمين يعيشون بضيائه ويأنسون بنوره، لقد أراد الله تعالى ان
يبني المسلمون مجتمعهم الطيب النبيل على أسس أدبية واخلاقية عالية يتفيّئون ظلالها
ويسعدون بوارفها ، فإذا الجميع في أمن وحب وسلام.
في هذه السورة نداءات خمسة تشير بمرتكزاتها
الأخلاقية إلى الطريق السليم للمعاملات بينهم أولها:
أ-
يا أيها الذين آمنوا ؛ لا تقدِّموا بين يَديِ الله
ورسوله ، واتقوا الله ، إن الله سميع عليم.(1)
فكان
أول أدب احترام القائد المسلم والتأدب في الحديث معه ، ومثال هذا القائد نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ امر الله تعالى المسلمين أن يعاملوا الرسول صلى الله عليه وسلم بما يجب من
التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام فقال تبارك وتعالى" يا أيها الذين آمنوا
لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" ومن معاني هذه الآية :
1-
أن لا تسرعوا في الأشياء قبله بل كونوا تبعا في
جميع الأمور وقد أحسنَ معاذ رضي الله عنه الأدب مع الحبيب القائد حيث قال له النبي
صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن " بم تحكم ؟ " قال بكتاب الله
تعالى قال صلى الله عليه وسلم " فإن لم تجد ؟ " قال بسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم " فإن لم تجد ؟ " قال رضي الله
عنه أجتهد رأيي .فضرب في صدره وقال" الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله صلى
الله عليه وسلم " فكان من أدب معاذ أنه أخّر رأيه ونظرَه واجتهاده إلى ما بعد
الكتاب والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله
2-
لا تقولوا
خلاف الكتاب والسنة وقال العوفي عنه : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه صلى الله
عليه وسلم.
3-
لا تفتئِتوا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه .
4-
لا تقضوا أمرا
دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال سفيان الثوري" لا تقدموا بين يدي الله
ورسوله " بقول ولا فعل
5-
وقال قتادة
ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل القرآن في كذا وكذا لو صح كذا.. فكـَرِه
الله تعالى ذلك ، فعقّب القرآن منبهاً" واتقوا الله "فيما أمركم به فهو
سميع لأقوالكم،عليم بنياتكم.
وتجلّى الأدب الثاني في
الحديث بصوت خفيض في حضرته صلى الله عليه وسلم وعدم الاختصام فيما بينهم أمامه صلى
الله عليه وسلم
ب-
يا أيها الذين آمنوا ؛ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي
، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكُم وأنتم لا تشعرون.(2)
وقد
روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقد روى قال البخاري عن
ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أخبره أنه قدم ركب من بني
تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه أمِّرِ القعقاعَ بن
معبد وقال عمر رضي الله عنه بل أمِّرِ الأقرع بن حابس فقال أبو بكر رضي الله عنه
ما أردت إلا خلافي فقال عمر رضي الله عنه ما أردت خلافك. فتماريا ،حتى ارتفعت
أصواتهما فنزلت في ذلك هذه الآية.
ويروى
عن أبى بكر الصديق رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية " يا أيها الذين
آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" قلت يا رسول الله والله لا أكلمك إلا
كأخي السرار.
وعن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله وأنتم لا تشعرون " كان ثابت بن قيس بن
الشماس رفيع الصوت فقال أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنا من أهل النار حبط عملي .وجلس في أهله حزينا. ففقده رسول الله صلى الله عليه
وسلم،فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك ؟
قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول، حبط
عملي أنا من أهل النار. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال فقال
النبي صلى الله عليه وسلم " لا بل هو من أهل الجنة " قال أنس رضي الله
عنه فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة
كان فينا بعضُ الانكشاف فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال بئسما
تعوّدون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه .
وروي
عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى
الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال من أين
أنتما ؟ قالا من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا . وقال
العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه
الصلاة والسلام لأنه محترم حيا وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائما
وأُمِر
المسلمون أن يخاطبوارسول الله بسكينة
ووقار وتعظيم ولهذا قال تبارك وتعالى " ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض
" كما قال تعالى " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا "
فمن فعل ذلك خٌشي أن يحبط عملُه إنْ غضب منه النبي صلى الله عليه وسلم"
فماذا
نقول للذين يسبونه صلى الله عليه وسلم ويشتمونه ودينـَه ويعتبرون أنفسهم مسلمين ،
بل ماذا نقول لمن يتحدثون عنه دون أدب واحترام ؟ ويقولون : هو رجل ونحن رجال؟!!.
قال
صلى الله عليه وسلم " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي
لها بالا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي
لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " ثم ندب الله تعالى
إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال :" ولا تجهروا له
بالقول كجهر بعضكم لبعض" فمقام الرسول عليٌّ سامق صلى الله عليه وسلم.
ونرى الأدب الثالث في هذه
السورة يتضح بالتثبّت من
خبر الفاسق لئلا يحكم بقوله فيُخطئ في الحكم. وقد نهى الله عز وجل عن اتباع سبيل
المفسدين ,
ج- يا أيها الذين آمنوا ؛
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ، فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين.(6)
ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد
بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق
وقد روى الإمام أحمد القصة التالية عن الحارث بن ضرار الخزاعي:
قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى
الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع
إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا
رسول الله رسولا إبّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة ،فلما جمع الحارث
الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبّانَ الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يبعث إليه احتبس عليه الرسولُ ولم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله
تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه( وجهائهم)فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان وقَّت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول
الله صلى الله عليه وسلم الخلفُ ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة ،فانطلقوا بنا نأتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة
إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض
الطريق خاف فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن
الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث
البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن
المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم ؟ قالوا
إليك قال ولم ؟ قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة
فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله.قال رضي الله عنه لا والذي بعث محمدا صلى الله
عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي ؟ " قال لا والذي بعثك
بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه
وسلم خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله ، فأكدت الآية الشريفة صدق
الحارث وكَذِب الوليد.
لا بد إذاً قبل اتخاذ أي قرار في حق الآخرين أن
نتثبت من الخبر كي لا يُظلم أحدٌ ، والظلم ظُلُماتٌ نربأ بأنفسنا الوقوع فيه.
أما الأدب الرابع فيتجلّى
في حب الناس واحترامهم وإنزالهم منازلهم من التقدير والمكانة ، أما السخرية
والاستهزاء بعباد الله فمنقصة يقع فيها الفاعل ليس غير.وقد ثبت
في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الكبر بطر الحق وغمط
الناس "
د- يا أيها الذين آمنوا؛
لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكُنَّ
خيراً منهنَّ، ولا تلمزوا أنفسكم ، ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الاسمُ الفسوقُ بعد
الإيمان ، ومن لم يتُبْ فأولئك هم الظالمون.(11)
قد يكون من تحتقره وتسخر منه خيراً منك عند الله
تعالى وأعظم قدراً فنبهنا الله تعالى إلى ذلك وحذّرنا من الوقوع فيه
ولمّا ذكر القومَ دخل فيهم النساء ، لكنّ الله
تعالى خص النساء بالذكر لكثرة ما يحدث ذلك منهنّ وقالت العرب : إذا ذُكر القومُ
قُصد الرجال والنساء، فإذا ذُكرت النساءُ بعدُ فالقومُ إذ ذاك للرجال "
إن هذه الآية تحذر من أمور عدة :
1- السخرية تدل على الكبرياء والمتكبر
خاوي القلب والفكر حين يظن نفسه خيراً من غيره.
2- من اللمز والهمز ( قيل اللمز باليد
والهمزُ باللسان ، وقيل غير ذلك ، والهمز واللمز ذكرك أخاك بما يكره أن يوصف
به.الم يقل الله تعالى : " ويل لكل همزة لمزة " وقال:" هماز مشاء
بنميم " يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا
عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يطعنْ بعضُكم على
بعض .
3- التنابز بالألقاب والتداعي بما يسوء
الشخص سماعها روى ابن الضحاك قال فينا نزلت- في بني سلمة -" ولا تنابزوا
بالألقاب " قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا
وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول
الله إنه يغضب من هذا فنزلت" ولا تنابزوا بالألقاب "
التنابز بالألقاب
يحزن المدعُوَّ ويكرّهُه بالداعي ، ويورث البغض والشحناء في المجتمع المسلم ، وكم
نعاني من هذه العادة الخبيثة التي انتشرت – لجهلنا – بين الناس ففرّقتهم.
إن الادب الخامس في هذه
السورة ينهى عن الظنّ والتجسس والغيبة وهي أمراض تصيب المجتمع حين يركن لهواه
هـ- "يا أيها الذين
آمنوا؛ اجتنبوا كثيراً من الظنِّ ، إن بعض الظنِّ إثمٌ ، ولا تجسّسوا ، ولا يغتب
بعضُكم بعضاً ، أيحب أحدُكم أن يأكل لحم أخيه ميْتاً ، فكرهتموه ،واتقوا الله ، إن
الله توابٌ رحيم."(12)
أ- ينهى
الله عباده عن كثير من الظن وهو التهمة والتخوين للأهل والأقارب والناس في غير
محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيراً منه احتياطا ، يقول عمر رضي الله
عنه : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا ،
ويقول ابنه عبد الله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول " ما
أطيبكِ وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفسُ محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم
عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وأن يُظنَّ به إلا خيرا " ويقول صلى الله
عليه وسلم " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا
تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا " ،
ويقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث لازمات لأمتي : الطيرة والحسد وسوء الظن
" فقال رجل وما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟ قال صلى الله عليه
وسلم" إذا حسدْتَ فاستغفر الله وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض " ويقول
صلى الله عليه وسلم " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم
" "
ب-
والتجسس غالبا
يطلق في الشر ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل
إخبارا عن يعقوب عليه السلام: " يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا
تيأسوا من روح الله " وقد يستعمل كل منهما في الشر ففي الصحيح أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا
وكونوا عباد الله إخوانا "
وقال
الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو
يتسمع على أبوابهم .
ج-
" حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة سئل عن معناها ؟ فقال : صلى الله عليه وسلم
" ذكرك أخاك بما يكره " قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال صلى
الله عليه وسلم" إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد
بهته "ورواه الترمذي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله
عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم
" لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته "
ولا
غيبة في التحذير كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر"
ائذنوا له بئس أخو العشيرة " وحذرالعائد في هبته " كالكلب يقيء ثم يرجع
في قيئه"ولا غيبة في النصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي
الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم " أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم
فلا يضع عصاه عن عاتقه " ولهذا شبه تبارك وتعالى الغيبة بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز
وجل " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه "
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه
حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم" ورواه الترمذي ، وكم نقف أمام هذا
الحديث " يا معشر من آمن بلسانه ولم
يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين , ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم
يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " فنشعر ببعدنا عن الأب
الإسلامي في تعامل المسلمين بعضهم مع بعض. "
يقول
النبي صلى الله عليه وسلم: "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون
وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس
ويقعون في أعراضهم " روى أبوهريرة أن ماعزا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال يا رسول الله إني قد زنيت فأعرض عنه حتى قالها أربعا فلما كان في
الخامسة قال" زنيت " قال نعم قال " وتدري ما الزنا " قال نعم
أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال " ما تريد إلى هذا القول
" قال أريد أن تطهرني قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أدخلت
ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البئر " قال نعم يا
رسول الله قال فأمر برجمه فرجم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما
لصاحبه ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب ثم سار
النبي صلى الله عليه وسلم حتى مر بجيفة حمار فقال : أين فلان وفلان " انزلا
فكلا من جيفة هذا الحمار " قالا غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا ؟ قال
صلى الله عليه وسلم " فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه والذي نفسي بيده
إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من
حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار
جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال
" وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الله وهو ابن المبارك به بنحوه وقال أبو
داود أيضا حدثنا إسحاق بن الصباح حدثنا بن أبي مريم أخبرنا الليث حدثني يحيى بن
سليم أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاري
رضي الله عنهما يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من امرىء يخذل
امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في
مواطن يحب فيها نصرته وما من امرىء ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه
وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته " تفرد به
أبو داود . (من تفسيرابن كثير بتصرف)
وبما أن التربية للمؤمنين حين يناديهم ( يا أيها
الذين آمنوا) فالناس حين يعقلون هناءتهم وراحتهم ويُعملون العقل يجدون في الإسلام
الخير كله ، فتؤدي النداءات الخمسة إلى نداء الناس جميعاً :
يا أيها الناس ؛ إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله
أتقاكم، إن الله عليمٌ خبير .(13)
يشرف
الناس بانتمائهم إلى أبيهم آدم وامهم حواء ، لكنّهم يتفاضلون بطاعة الله تعالى
ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ; بَعدَ النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا
نبّه القرآن إلى تساويهم في البشرية ليتعارفوا بينهم فيرجع كلٌّ إلى قبيلته ،
وينبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فيقول: " تعلموا من أنسابكم ما
تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر
"
إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبه إلى فضيلة التقوى التي ترفع صاحبها " إن
الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " " ولمّا
طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان
بمحجن في يده قال : " يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة
الجاهلية وتعظمها بآبائها فالناس رجلان: رجلٌ بر تقي كريم على الله تعالى ورجلٌ
فاجر شقي هين على الله تعالى إن الله عز وجل يقول" يا أيها الناس إنا خلقناكم
من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله
عليم خبير "
إنه سبحانه ينادينا ، فهل وعينا النداء؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق