بعد تحسن سعر صرف الليرة
السورية بات الجميع يتساءل عن سبب ارتفاع وانخفاض سعر الليرة السورية؟، وما هو سعر
الصرف الحقيقي لليرة ؟، ومن وراء هذه اللعبة الخبيثة في تحديد سعر صرفها؟، وما
الأهداف الكامنة وراء ارتفاعها أو انخفاضها؟، ولماذا لم يقترن ارتفاع وانخفاض
الليرة بارتفاع وانخفاض اسعار السلع في السوق السورية؟.
العديد من الدول تعتمد أنظمة
صرف مرنة قابلة للتعديل على أساس بعض المعايير مثل المؤشرات
الاقتصادية. وقد تتّبع نظام التعويم المدار حيث تقوم السلطات بتعديل أسعار صرفها
بتواتر على أساس مستوى الاحتياطي لديها من العملات الأجنبية والذهب. أو تستخدم
التعويم الحر الذي يسمح لقيمة العملات أن تتغير صعوداً وهبوطاً حسب السوق، وهذا
النظام يسمح للسياسات الاقتصادية بالتحرر من قيود سعر الصرف.
والمعروف ايضا أن اللاعبين
الأساسيين في سوق الصرف هم:
-
المصرف المركزي
من خلال تدخله بالقيام
بعمليات السوق المفتوحة على العملات الأجنبية من جهة، وتنفيذ أوامر الحكومات من
جهة أخرى. ويكون هذا التدخل في العادة من أجل حماية مركز العملة المحلية أو بعض
العملات الأخرى.
-
البنوك التجارية والمؤسسات المالية
حيث تتدخل في السوق لتنفيذ
أوامر زبائنها أو لحسابها الخاص. حيث تقوم هذه المراكز بجمع أوامر الزبائن،
ويقومون بالمقاصات، ويحولون الفائض من عرض أو طلب للعملات الصعبة.
-
سماسرة الصرف أو مكاتب التحويل
وهم وسطاء نشطون يقومون
بتجميع أومر الشراء أو البيع للعملات الصعبة لصالح عدة بنوك أو متعاملين آخرين،
ويقومون بضمان الاتصال بين البنوك والأفراد وإعطاء المعلومات عن التسعيرة المعمول
بها بدون الكشف عن أسماء المؤسسات البائعة أو المشترية لهذه العملات. ومن أمثلة
الوسطاء المستقلون بروكرز، ويسترن يونيون ، أما في السوق السورية فهناك السحلول
والهرم ..الخ.
والمفروض أن إقامة
سعر صرف متعدد لليرة يهدف بالأساس إلى تخفيض آثار حدة التقلبات في الأسواق، وتوجيه
السياسة التجارية لخدمة بعض الأغراض المحددة.
لكن ما يحصل في سورية لا يخضع لاعتبارات علمية
عملية لاقتصاد دولة بمعنى الكلمة وانما يخضع الى معايير اقتصاد عصابات مافياوي
بمعنى الكلمة.
بالأمس صرح رئيس “مجموعة
عمل اقتصاد سوريا” أسامة القاضي أن ما شهدته الأيام الماضية من ارتفاع مفاجئ وسريع لليرة السورية أمام الدولار الأمريكي
“مسرحية وجزء من الحملة الإعلامية التي تخوضها عصابة الأسد قبل مؤتمر جنيف2″ لتثبت للعالم أنها لا زالت تستطيع التحكم في مفاصل الحياة العسكرية
والأمنية والاقتصادية في سورية، مؤكدا أن الاقتصاد السوري
يعيش “حالة عبثية تدميرية”.
و فسر أن ما حصل هو أن الطلب على العملة انخفض لدرجة أن ضخ حجم بسيط من العملة
الأجنبية سواء من المعارضة في المجال الإغاثي أو من قبل نظام الأسد والموالين له
لأسباب تكتيكية وإعلامية مكَّنَه من رفع سعر العملة أمام الدولار، بالإضافة
إلى الأدوات الأمنية التي تتعامل بها العصابة مع الصرافين غير المنتمين لها من
خلال وضع العشرات منهم في السجون وإغلاق المتبقي،
الأمر الذي يؤكد عجز سعر الصرف عن التعبير الحقيقي عن الواقع الاقتصادي.
وطبعا ان ما يؤيد نظرية
اعتماد الأسد على اقصاد عصابة مافياوي هو الاجراءات التي اتخذها خارج نطاق مبادئ
الاقتصاد والمال منها مثلا:
-
منع استيراد الكثير من السلع وحتى الضروري منها.
-
الامتناع عن دفع الاجور لشريحة واسعة من الموظفين
المتواجدين في المناطق المحررة.
-
رفع اسعار السلع في السوق سواء منها المستورد أو المنتج
محليا.
-
منع التحويل بالعملات الاجنبية في الداخل والخارج.
-
احتكار سوق التحويلات الخارجية.
-
ضخ كميات من العملات الاجنبية بأسعار افتراضية في كل
فترة.
-
تجريم التعامل بالعملات الاجنبية في الداخل.
-
طبع كميات من الدولار والليرة السورية المزيفة وطرحها من
قبل الدولة في السوق المحلية. لمنع الاستفادة منها خارج البلاد ولمنع عمليات غسل
الاموال، و لسهولة التخلص منها في الفترة القادة.
وبالتالي ” فإن ارتفاع سعر
صرف العملة السورية مقابل الدولار ليس له أية دلالة اقتصادية حقيقية، بسبب عدم استنادها
للآليات التي تحدد سعر العملة والتي تجعل من التحكم في سعرها مسألة ذات مرجعية
حقيقية،
و بسبب تعطيل ألة الانتاج
والخدمات وغياب الاحتياطي النقدي.
واعتماد آلية مختلفة في
تحديد سعر صرف الليرة السورية بغية استهداف فئتين من الشعب الثائر :
-
الفئة الأولى هي الموجودة في المناطق الثائرة بغية
حرمانها من أبسط مقومات العيش والصمود و الاستمرار بالثورة بعد فشل آلة الموت
الحربي في اخضاعها، و توفيرها للمناطق الموالية أو التي مازالت تحت سيطرته بحدها
الأدنى. وهنا لاحظنا أن العصابة عملت على رفع سعر الصرف في البداية حتى وصل الى
أسعار خيالية ، ومن ثم ارتفعت أسعار السلع المحلية والمستوردة حدا لم يعد باستطاعة
المواطن السوري التعامل معه، لجأ بعدها إلى خفض سعر صرف الليرة السورية ولكن من
دون خفض لأسعار السلع سواء المستوردة أو المحلية نظرا لإخضاعها لعوامل أخرى كندرة
توفرها في ظل ازدياد الطلب عليها كونها من السلع الضرورية.
لذلك نجد أن أسعار بعض المواد
الغذائية والمحروقات في البلد استمرت بالصعود الى ان وصلت الى هذا الحد؛ بحجة ان التاجر قد اشتراها في ايام صعود الدولار، على الرغم من أن الكثير
منها انتاج محلي ، فنجد مثلا أسعار السلع كما ظهرت في يوم الخميس 7/11/2013م وبالرغم من ارتفاع الليرة امام الدولار والذي سجل هذا
اليوم (105) ليرات للدولار.: كرتونة البيض - 600 ليرة سوري- كيلو الدجاج - 950 ليرة سوري- كيلو اللحم - 2400 ليرة سوري- كيلو البندورة - 180ليرة سوري- كيلو الموز - 270 ليرة سوري- كيلو السكر - 140ليرة سوري
- علبة البيبسي - 160 ليرة سوري- كيلو ارز الشعلان - 550ليرة سوري- باكيت ماجي - 60 ليرة سوري - تنكة الزيت - 9000 ليرة سوري- علبة البسكوت - 450 ليرة سوري- كيلو الجبنة البلدي - 650 ليرة سوري- كيلو اللبن ( الخاثر ) - 160 ليرة سوري- كيلو البصل اليابس - 90 ليرة سوري - حفاظات أطفال –
750 ليرة سوري
-دبس بندوره الكيلو-700.
علبة سردين - 150 ليرة
سوري- علبة الطون - 240 ليرة سوري (وطبعا معظم علب السردين والطون والمعلبات والمعكرونة هي من المعونات المجانية من المنظمات
الدولية والغير مخصصة للبيع أصلا.)
-
أما الفئة الأخرى المستهدفة اليوم فهي في الخارج؛ والتي عن
طريقها يتم تحويل الاموال للفئة الاولى؛ وهي التي استفادت بداية من انخفاض سعر
الصرف ولكنها اليوم باتت هي المستهدفة من انخفاض الدولار أمام الليرة بغية تحقيق
أكبر عائد للعصابة الحاكمة من تلك التحويلات وتقليل كمية مبالغ الليرات المحولة
للسوريين في المناطق الثائرة.
وكما عبر القاضي أنه لا
يمكن لـ ”اقتصاد فاشل” حيث معدل التنمية فيه “سالب أكثر من 25%” أن يرفع من قيمة
عملته ولو لليرة واحدة، مذكرا بتصريح رئيس وزراء العصابة الحاكمة وائل الحلقي في
تشرين الأول/أكتوبر الماضي بأن خسائر الاقتصاد تتجاوز 2900 مليار ليرة سورية، وكما
ذُكر بتصريح وزير الصناعة كمال الدين طعمة منذ أيام، والذي قدر فيه خسائر القطاع
الصناعي بـ336 مليار ليرة سورية، إضافة إلى نفور الصناعيين والتجار من سورية.
بالنتيجة فإن الجميع يدرك
أن سياسة التشبيح الاقتصادي الهدف منها اركاع الشعب الثائر بعد أن عجزوا عن اخضاعه
بآلة القتل الحربية والتي سُمح له دوليا باستعمال كافة أنواع الاسلحة ، واليوم يحاول
تحقيق أهدافه من خلال سياسة التجويع والحصار وبموافقة ومباركة من قبل المجتمع
الدولي ضمن شعار الخنوع أو الموت جوع، والعمل على جر المعارضة إلى الى جنيف2 لتنفيذ
مخططاتهم المشبوهة ، لكنهم سيفشلون في تحقيق مآربهم لأن الثورة ماضية ، ولأن عناصر
استمرار الثورة لم تعد بيد الشعب السوري وحده، بعد أن تحولت إلى حروب بالوكالة
لتصفية جميع الصراعات المتراكمة منذ مئات السنين، و بات المطلوب اليوم ارجاع
الثورة الى الحضن السوري ومن ثم القضاء على مقومات استمرار العصابة الحاكمة، من
خلال توحيد الجهود المخلصة ضمن مسار الثورة؛ والانطلاق الى بناء اقتصاد دولة حقيقي
من رحم الثورة بإذن الله.
فثورتنا مكتوب على أحد
جانبيها ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ وعلى
الجانب الآخر ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق