فيما قبل انطلاق الثورة السورية في العام 2011 كانت تدار مؤسسات "الدولة السورية" وفق منظومة البيروقراطية والفساد التي استمرت لعقود، الناتجة عن البنية الهرمية الديكتاتورية والطائفية والعائلية وتغلل أصحاب المصالح وقوى الأمن في المؤسسات الحكومية، والتي ازدادت سوءا في عهد "الولد المأفون" نتيجة تشكيل البيروقراطية الاقتصادية الجديدة التي كان يقودها "رامي مخلوف" ابن خالة "بشار" والتي عملت على طرد الاستثمارات الأجنبية (الاستثمار الاجنبي المباشر FDI). وقد كان على كل مستثمر المرور عبر قنوات "رامي مخلوف" ليأخذ الإتاوة المطلوبة ليسمح له بالاستثمار. لذلك لم نشهد خلال حكم "الولد" إلا تطورا بسيطا في البنى التحتية للمؤسسات السورية أو القطاع الخاص، المتميز بالهامشية والعائلية، وأما قطاع السياحة فقد بقي متخلفا لدرجة أن سوريا عرفت كدولة مرور للسائحين، فالسائح الأجنبي حين يريد أن يزور "مدرجات بصرى الشام" يزورها نهارا ويبيت ليلا في عمّان، عاصمة الأردن!
هذه بعض العوامل، والتي هي
جزء من عوامل أخرى كثيرة، قادت إلى ثورة الشعب السوري على هذه العصابة المجرمة،
والتي تمثلت في جذورها في حالة "الاختناق المؤسساتي" Institutional Bottleneck بالمؤسسات الحكومية،
وانعكس ذلك في غياب المحاسبية والشفافية والنزاهة لفترات طويلة عن المؤسسات
القائمة، وبعد أن تكبدت قطاعات الدولة، خاصة قطاع الصحة والتعليم، أضراراً جسيمة
فيما يتعلق بالبنية التحتية والكوادر وتوفر الخدمات وإمكانية الوصول إليها والتي
قادت إلى توقفها في بعض المناطق، ازداد الأمر سوءا، خاصة في مناطق النزاع التي
تحمل سمة الكرّ والفرّ وأولوية السيطرة التي تهيمن على أطراف النزاع.
ووفقا للأدبيات السياسية فإن الدولة الفاشلة Failed States توصف بأنها التي تتسم فيه الدولة بالتوتر والصراعات العميقة، كما تتسم بالخطورة وتموج بنزاعات شرسة، ودرجات مختلفة من الاستياء المجتمعي، وإن قدْرا مفرطا من السخط موجها إلى الدولة والمجموعات التي بداخلها، وتتزايد حركة النزوح الجماعي للسكان داخل وخارج البلاد، وتتنامى الثورات والحروب الأهلية المستمرة، ويزداد التدهور السياسي والاقتصادي والأمني بشكل مريع، والتدخل الخارجي الكثيف في شؤون البلد الداخلية، وتجريم الدولة ونزع الشرعية منها، وتفشي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفقدان الدولة السيطرة على الحدود بدرجات متفاوتة، حيث تكون السلطة متمركزة في العاصمة والمدن. وتفترس الدولة الفاشلة مواطنيها بحيث تنتشر بين طلاب الجامعات الجريمة والسرقة والتطرف والإرهاب وغياب القانون بشكل متنامي وانتشار تجارة السلاح والمخدرات. أما معدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي ومتوسط دخل الفرد فهي في غاية البؤس. وعادة ما ترتفع معدلات التضخم والعملة المحلية تكون في حالة هبوط مستمر مما يجعل الدولة تلجأ إلى طبع نقود ليس لها رصيد وتصبح العملة المحلية غير مرغوب فيها.
هذه المواصفات تنطبق إلى
حد كبير على الوضع في سوريا ولم يبقى سوى بعض السمات التي تتسم بها المؤسسات
"البيروقراطية" من قبيل دفع الرواتب للموظفين في بعض المناطق دون الأخرى
وتقديم الخدمات الأساسية في المناطق المستقرة كقلب العاصمة دمشق، التي تحطيها العصابة
بسياج أمني شديد التحصين، وأيضا المناطق الساحلية ذات الأغلبية العلوية التي تتمتع
بترسانة سلاحية تمتلكها الميلشيات المسلحة الخاصة ببيت "الأسد".
ولكن السؤال: هل المجموعة التي تحكم جزءا من سوريا ينطبق عليها مصطلح النظام السياسي؟!
في التعريف الأولي للنظام السياسي فإنه يعرّف بأنه "نظام اجتماعي يقوم بعدة أدوار أو وظائف متعددة استنادا إلى سلطة مخوّلة له أو قوة يستند إليها - منها إدارة موارد المجتمع وتحقيق الأمن الداخلي والخارجي وتحقيق أكبر قدر من المصالح العامة والعمل على الحد من التناقضات الاجتماعية". ووفقا لهذا التعريف فإن العصابة التي تدعي أنها تحمي وتحمل صفة دولة وتستنكف عن وسمها بالنظام لا تحمل أيّاً من خصائص النظام فضلا عن الدولة.
وإن كان للمراقب من الداخل
أو الخارج ملاحظات حول قيام المؤسسات ببعض المسؤوليات الخدمية تجاه الشعب السوري
فإن ذلك مرتبطا بأسباب:
الأول، أن هذه العصابة توفر الأمن والاحتياجات الغذائية لمناطق الأقليات خاصة الأقلية العلوية لتظل سياجا له حتى الرمق الأخير ولتثبت لها أنها الحامي الوحيد لها من الانقراض فإما أنا أو البديل يكون جبهة النصرة وداعش.
الثاني، الدهاء السياسي التي تمتلكه الأجهزة الأمنية، وليس بشار ولا الحكومة العاجزة التي تأخذ الأوامر من أقبية المخابرات بدليل إقالة قدري جميل ربيب روسيا لأنه خرج عن تعاليم الأسياد الطائفيين، والتي تتشكّل من النخبة العسكرية العلوية التي أسسها حافظ المقبور، والتي تُظهر في المناطق السنية التي تسيطر عليها أو المناطق العلوية التي يلجأ لها السنة على أنها تودّ أبناء الوطن ولا تريد بهم أي سوء وما هم في الحقيقة إلا رهائن لديهم لم يتم استخدامهم بعد! وربما هؤلاء المسالمون ممن يأخذون صفة "الحياديون" يفضّلون السلامة واستمرار مصالحهم بغض النظر عمن يحكمهم.
الثالث، أن المؤسسات الحكومية السورية تنتمي إلى ميراث مؤسساتي ليس بالحديث، يعود إلى عقود عديدة، وبالتالي الاستمرار المؤسسي بصفته الراهنة إنما نتيجة العمل البروقراطي القديم الذي يقوم به الموظف من أجل الحصول على لقمة عيشه الضرورية ولا تعبر عن حالة انتماء لهذه العصابة، وهذا ربما يتيح لنا الفرصة للتفكير حول إمكانية الحفاظ على ما تبقّى من المؤسسات، والتي تعرف بالخصائص الصلبة (البنى التحتية) والخصائص المرنة (البنى الفوقية: أصحاب المؤهلات المتبقية التي لم تستنزف بعد).
ولكن لماذا يسيطر مصطلح
"النظام" على أجهزة الإعلام والمعارضة المناهضة لهذه العصابة؟!
بالواقع كلمة نظام (بالإنجليزية (Regime (كذلك régime من النطق الفرنسي الأصلي للكلمة) تشير إلى مجموعة من الظروف، غالبًا تكون ذات طبيعة سياسية. ولكن الاستخدام الحديث لهذه الكلمة يضفي على هذا المصطلح معنى سلبيًا، حيث إنه يشير إلى حكومة متسلطة أو ديكتاتورية. وينص تعريف قاموس ويبستر على أن كلمة نظام تشير بكل بساطة إلى شكل من أشكال الحكومات، في حين أن قاموس "أوكسفورد" الإنجليزي يُعرّف نفس الكلمة على أنها "الحكومة، خصوصًا المتسلطة". واليوم، يتم تطبيق الاستخدام السياسي لمصطلح النظام في أغلب الأحوال على أي حكومة لا تكون منتخبة بشكل ديمقراطي، والتي تفرض قواعد وقوانين صارمة وفي الغالب تعسفية على الأشخاص ولا تكون قابلة للتفاوض، بسبب الطبيعة غير الديمقراطية للحكومة. وكما أن الاقتران السلبي بلفظة " البيروقراطية" هو السائد إذ تعني لأول وهلة التشدد والتعنّت الحكومي وربما الفساد لدى المتلقي بينما تعني في الحقيقة "تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة" فإن "النظام" يعني الاقتران السلبي للتسلط والاضطهاد.
بالواقع كلمة نظام (بالإنجليزية (Regime (كذلك régime من النطق الفرنسي الأصلي للكلمة) تشير إلى مجموعة من الظروف، غالبًا تكون ذات طبيعة سياسية. ولكن الاستخدام الحديث لهذه الكلمة يضفي على هذا المصطلح معنى سلبيًا، حيث إنه يشير إلى حكومة متسلطة أو ديكتاتورية. وينص تعريف قاموس ويبستر على أن كلمة نظام تشير بكل بساطة إلى شكل من أشكال الحكومات، في حين أن قاموس "أوكسفورد" الإنجليزي يُعرّف نفس الكلمة على أنها "الحكومة، خصوصًا المتسلطة". واليوم، يتم تطبيق الاستخدام السياسي لمصطلح النظام في أغلب الأحوال على أي حكومة لا تكون منتخبة بشكل ديمقراطي، والتي تفرض قواعد وقوانين صارمة وفي الغالب تعسفية على الأشخاص ولا تكون قابلة للتفاوض، بسبب الطبيعة غير الديمقراطية للحكومة. وكما أن الاقتران السلبي بلفظة " البيروقراطية" هو السائد إذ تعني لأول وهلة التشدد والتعنّت الحكومي وربما الفساد لدى المتلقي بينما تعني في الحقيقة "تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة" فإن "النظام" يعني الاقتران السلبي للتسلط والاضطهاد.
بناء على هذه المقدمات
الضرورية فإن النتيجة تتكون من التالي:
مصطلح "النظام"
لا ينطبق على العصابة الأسدية لا بالمعني السلبي ولا بالمعنى الإيجابي للكلمة!
وعليه أيها السادة المحترمون فإن العصابة التي تحكم ما تبقّى من سوريا ليست نظاما
سياسيا وإنما هي "طائفة" أو "مافيا" تتجمل بمواصفات الدولة
والنظام وهي ليست كذلك!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق