كنا في أوقات كثيرة نقف أمام جمعية ما فيها مواد غذائية مفقودة في السوق أو تباع بسعر أقل من المحلات الأخرى , وكل ينتظر دوره في طابور طويل وحركته بطيئة , ليأتي بعض المقربين فيتجاوز الآخرين ويأخذ مايريد
من الناس
من يهمس ومنهم من يتحدث للذي يليه أو بعده مستنكراً , فيؤدي الأمر لخلخة في
الطابور وقد يكون الأول قد أصبح في الأخير , ثم تجد شخصاً جديداً قادماً يتحدث
بالمثاليات ويعلو صوته ويطلب من الناس الاصطفاف , فيقدم نفسه كأنه هو المُصلح والعاقل
والعادل
وبعد قليل
تراه قد تجاوز الجميع وأخذ طلبه والناس تنظر إليه وفي داخلها زوابع متناقضة من
أقوال وتجاذب ومفارقات وقد تصل إلى استعمال السلاح
تضيع
الحقوق بين الناس عندما تغيب المساءلة القانونية أو السلطة , وتتحول الحياة إلى
غابة مليئة بالحيوانات المفترسة والتي تنهال على بعضها تجبراً وغطرسة وسفكاً للدماء
البريئة ويكون الصراع على أشده , بحيث تختفي المبادئ والأخلاق ويصبح المحرك الفعال
هو الغر ائز الحيوانية
هي كحالة
عامة واردة في المجتمعات الانسانية وعبر تاريخه الطويل وبسبب ذلك حاول الإنسان
جاهداً التخلص من حالة الفوضى تلك , ووجد أن الحل المناسب والذي يقلل من سيطرة
الغرائز الحيوانية على الإنسان تعتمد على تنظيم وتوجيه تلك الغرائز وإدارتها
ومحاسبة الشاذ منها والمعتدية على إنسانية الإنسان , فكان الفضل الأول فيها للرسل
والأنبياء , والذين كانت دعواتهم جميعاً تنصب على أمرين أساسيين (مبشرين ومنذرين )
فالذي يسلك السلوك الحسن له خير الدنيا والآخرة , ومنذرين لسالكي السوء وأن حسابهم
سيكون عسيراً
إن
تعاليم الرسل والأنبياء والمفكرين والمصلحين والعقلاء قد يصل تأثيرها لفرد أو
مجموعة قد آمنت بتلك المبادئ , ولكن تلك التعاليم لايمكن أن يكون تأثيرها على
مستوى الحياة العامة والشاملة مالم تكن لها سلطة تفرضها على الجميع ويلتزم فيها
الناس ومن يشرد عن ذلك سيلقى الحساب العاجل والقصاص من المسيء , لذلك أوجد الإنسان
السلطة لتنظيم الحياة وتحقيق الأمن عن طريق المحاسبة
فلو
أسقطنا هذه المقدمة على واقع نعيشه الآن ونقصد فيه الحالة السورية وخصوصاً في
المناطق التي يسيطر عليها الثوار , نجد تجاوزات كثيرة وفي كل منطقة لها قوانين
خاصة بتوجهات المسيطرين على الأرض , ومع غياب السلطة الفعلية وغياب المرجعية
الموحدة للجميع , يظهر كل شخص على حقيقة أخلاقه وسلوكه والذي ورثها من جيناته
ومورثاته ومن مجتمعه ومن سلطته التي كانت تحكمه
وأكثر
الناس تشاؤماً أو منتقداً للواقع هو أكثرهم فساداً وإفساداً وتدهوراً في الأخلاق
فهو يمتلك في داخله الغيرة أو الحسد , فهو لايستطيع أن يجاري صاحب الخلق والضمير
لأنه حقيقة لايملكها , ولا يستطيع أن يكون مثل أولئك الأبطال والتي انكوت أجسادهم
بحر الصيف ونال منهم الحرمان وقلة النوم الكثير الكثير , وتجمدت عروقهم من شدة
الصقيع ,أو أنه يعمل على خلخلة الثقة بين
الناس والنيل من الثوار والثورة وشغله الشاغل خدمة العدو .
إن واقع
التجاوزات والموجودة في المناطق المحررة في سوريا يعتبر حالة طبيعية لغياب التنظيم
والإدارة والسلطة , والذي يحرك الناس هي أخلاقهم التي ورثوها ونمّوها فالذي ورثها
على السوء لن تنتج الخير أبداً , بينما الذي ورثها ونماها على الخير تجد فعلها في
كل بقعة من الأرض على ارض سوريا الحبيبة في المناطق المحررة
يريدون
من الجميع أن يكونوا ملائكة وبدون أخطاء , فالله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم
عليه السلام لتفوقه عليهم في أنه لم يجعله ولم يخلقه كخلقة الملائكة ولم يجعله مُسيّراً
وخلق في داخله الخير وخلق في داخله الشر
إن
ثورتنا بخير كبير وستبقى عظيمة وكبيرة والتي استطاعت أن تسير في طريقها مع أن
الطريق الذي سلكته وما زالت فيه يحيط به
وفي داخله كل أنواع الأوبئة ومن الداخل والخارج فالأعداء كثر واجتمعت عليه
الأمم كلها وهي تسير عبر تلك الأمواج العاتية في المحيطات السبعة الموجودة على
الأرض , وستصل لمبتغاها بإذن الله بهمة أولئك الأخيار والذين يحملون ورثة الأنبياء
والصديقين والشهداء .
د.عبدالغني
حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق