الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-11-06

قراءة حول تطور العلاقات السورية المصرية: الأبعاد الجيو- سياسية لسوريا ومصر د. أحمد حمودي*

بعد أحداث 30-6-2013 في مصر تَبادر الى الذهن سؤال: هل هناك من تغير حدث او متوقع أن يحدث للسياسة الخارجية المصرية تجاه الثورة السورية؟!
كان هناك مبادرة سريعة لرئيس الائتلاف الحالي لزيارة مصر ولقاء عابر لوزير الخارجية، ومنذ أن رأيت الأداء الركيك للجربا غير الممارس للدبلوماسية قط أصابني التشاؤم، ولكن هذا شكليٌّ لن يؤثر على توجهات السياسة الخارجية المصرية في المستقبل.

من وجهة نظري، ليس من المتوقع أن يحدث تحول استراتيجي جذري في العلاقات المصرية السورية لأسباب عدة أهمها:
-الميراث السياسي لحسني مبارك الذي كان يرى من ايران ونفوذها وطموحاتها المذهبية خطرا على مصر، لا سيما مصر ذات الإرث الفاطمي الذي يمتد بين ثنايا "القاهرة المعزّية"، وطالما وُصف الشعب المصري بأنه سنيُّ المذهب شيعيُّ الهوى!
- العلاقات المصرية السعودية المتطورة حاليا، وهذه الأخيرة لديها عداء تاريخي استراتيجي مع ايران، وبالتالي مع النظام السوري الحالي، وهذا يعني أن مصر مرتبطة سياسيا بالمواقف السعودية وليس من المتوقع أن تنفك عنها في ظل التحولات السياسية التي تمر بها مصر.

ولكن ماذا عن الموقع الجيو-سياسي لمصر وسوريا الذي أثبت تاريخيا وحدته وارتباطه الوثيق، ما يفسر حالة الرعب الاعلامي والفوبيا النخبوية المصرية من تكرار التجربة السورية في مصر؟!

في الواقع هناك الكثير من الدروس التاريخية التي تؤكد وتفسر حالة الحياد التي طغت على الموقف المصري الرسمي تجاه الحدث السوري عموما وضبط ايقاع حراك الثورة السورية او المعارضة السورية خصوصا، حيث كانت هذه الاخيرة تعتبر مصر عاصمة الحراك السياسي لها بعد استانبول، ولا أدل على ذلك من جعل الائتلاف من القاهرة مقرّاً له في ظل رئاسة معاذ الخطيب له، وكذلك حالة الاستهداف والتمادي الذي اتسم به مثقفو وسياسيو اليسار وأجهزة الإعلام الخاص للحالة السورية، مما أسهم في خلق حالة من ثقافة الكراهية لدى بعض شرائح أو أبناء الشعب المصري تجاه الشعب السوري.

الدروس التاريخية جميعها تؤكد أن هاجس التغيرات السياسية لسوريا وعلاقاتها الاقليمية والدولية كان يسيطر على الدولة المصرية منذ ايام الفراعنة. ويمكن أن يُسرد العديد من هذه الدروس، سردا تأريخيا مرتبا منذ عهد الفراعنية حتى حرب 1973، على النحو المقتضب التالي:**
-خلال أواسط الألف الثاني ق.م باتت سوريا عرضة للتنافس الدولي بين الحثيين في الأناضول والحوريين في شمال بلاد ما بين النهرين، والمصريين، فمع صعود الحثيين لم يعد المصريون يكتفون بالسيطرة على جنوب سوريا، مناطق درعا حاليا، وعلى ساحلها. وكان رمسيس الثاني قلقا على أمن مصر إذ أن احتمال خسارة سوريا بالكامل كان سيمهد الطريق لغزو مصر كما حدث مع الهكسوس. كان رمسيس الثاني يريد الوصول الى حدود طبيعية يسهل الدفاع عنها ويشعر المصريون بالأمان وراءها. وهو ما ادى الى حدوث معركة "قادش" المصيرية التي وقعت بين المصريين والحثيين في عام 1284 ق.م بالقرب من حمص إلا أن المعركة لم تكن حاسمة. فقد أفضى تواتر الأنباء عن تحريك الحوريين جيشهم إلى إنهاء المعركة بالتوقيع على اتفاق بين المصريين والحثيين لمواجهة خطر الحوريين، وكان هذا أول اتفاق دولي معروف في التاريخ، ولا تزال هناك نسخة عنه محفوظة في متحف استانبول.

- في أوائل الالف الاول ق.م قامت الامبراطورية الفارسية التي كانت اول قوة عظمى. وبعد عهد أرتحششتا الاول (486- 465 ق.م) بدأت الامبراطورية الفارسية بالتدهور ما ادى الى ثورات عدة في مصر أخرجتها من تحت السيطرة الفارسية، وذلك في اوائل القرن الرابع ق.م. وكان درس رمسيس لا يزال حيا في ذهن المصريين، فللحفاظ على استقلال مصر كان لزاما على حكامها مدّ نفوذهم إلى جنوب سوريا.

- بعد وفاة الاسكندر المقدوني 323 ق.م تفككت الامبراطورية المقدونية وتقوسمت بين قادته، وتقاتلوا فيما بينهم لأربعين عاما، ونتج عن ذلك نشوء ثلاث دول:
الأولى في اليونان والبلقان، والثانية في ممتدة من الأاضول غربا الى الهند شرقا، والثالثة في مصر وجنوب سوريا. وكان مقدرا لـ "سلوقس" أن يحكم الدولة الثانية، في حين حكم الدولة الثالثة "بطليموس". ولكي يحفظ بطالسة مصر استقلالهم عن السلوقيين في شمال سوريا والأناضول، اهتموا بتوسيع نطاق نفوذهم إلى جنوب سوريا فيما تركز النطاق السلوقي في سوريا على وادي العاصي في شمال البلاد.

- في أوائل القرن الثاني ق.م بدأ الضعف يدب في أُسرة "البطالسة"، وبما أن "البارثيين" كانوا يحاولون مدّ نفوذهم غربا والسلوقيين جنوبا، أحس المصريون بالخطر إذا ما وقع جنوب سوريا في يد إحدى القوتين العظميين اللتين تنافسهما على الشرق الادنى.

- في القرن الرابع الميلادي أخَذَ الصراع بين أقطاب الشرق الأدنى الثلاثة، الأناضول ومصر وبلاد ما بين النهرين، بُعدا ثقافيا ودينيا. فقد اعتنق قسطنطين المسيحية وأراد نشرها كأيديولوجيا موحدة لإمبراطوريته الرومانية، لكن الثقافة الهيلينية ظلت مهيمنة ما جعل من الطبقة العليا المدينية في مصر وسوريا تتمسك بها، بينما كانت الطبقات الوسطى والفقيرة اضافة الى سكان الريف تتمسك بثقافتها السريانية أو العربية.

- خلال الفترة الاسلامية سيطر العرب في اقل من مئة عام على منطقة ممتدة من ضفاف الاطلسي غربا الى حدود الصين شرقا. وفي العصر الأموي، حيث دمشق عاصمتهم، جعلت السيطرة على مصر تتيح للأمويين مدّ نفوذهم الى شمال افريقيا.

- في العصر الإخشيدي، الذين خلفوا الطولونيين في النصف الاول من القرن العاشر الميلادي، استقلّوا عمليا عن الحكم العباسي، ولضمان استقلاليتهم وسّع الاخشيديون نطاق حكمهم على جنوب سوريا حتى مدينة دمشق وجعلوا من الدولة الحمدانية في حلب عازلا بينهم وبين العباسيين.
- وخلال الحكم الفاطمي لمصر عام 967 م باتت سوريا مقسّمة الى شمال تحت السيطرة البيزنطية، وجنوب تحت السيطرة الفاطمية، وشرق تحت حكم البويهيين/ العباسيين.

- مع بدء الحملات الصليبية سرعان ما بدأت حركة اعادة توحيد الشرق الادنى مع نشوء دولة عماد الدين الزنكي في الموصل، شمال العراق. وبعد استلام نور الدين الزنكي السلطة ضمّ دمشق الى حكمه ومنها تَطلّع الى مصر. وخلال عام 1163 حاول "أمالريك" ملك القدس ان يجتاح مصر لكن نور الدين شتتَ انتباهه عنها بمهاجمة طرابلس وهو ما أقنع نور الدين الزنكي لاحقا بضرورة السيطرة على مصر.

- خلال سيطرة صلاح الدين الايوبي على مصر، الذي رفض ان يخضع فيها لنور الدين الزنكي وبعد موت الزنكي، بدأ صلاح الدين بالتطلع لمدّ نفوذه الى سوريا. وبحلول عام 1176 أصبح في امكانه السيطرة على حلب وباقي مناطق الزنكيين، ليؤسس دولة في وسط العراق وشماله، وكيليكيا، ومصر وسوريا، اضافة الى شرق ليبيا والحجاز واليمن. وبعد تحقيق ذلك بات قادرا على ان يهزم الصليبيين بسهولة في معركة حطين عام 1187.

- ومع صعود قوة المغول في الشرق ومع سقوط بغداد عام 1258م انتبه قطز، قائد المماليك في مصر، حقيقة أن خط الدفاع الاول عن مصر يقع في جنوب سوريا. لذا انتقلت الجيوش المملوكية الى عين جالوت، قرب غزة، للتأكد من عدم تقدم جيش المغول الى قلب سيناء. وانتصر المماليك في هذه المعركة فجنّبوا مصر مصير سوريا والعراق! وبعد اسابيع قليلة اصبح في امكانهم ان يهزموا المغول قرب حمص وان يطردوهم خارج وسط سوريا وجنوبها.

- بعد صعود العثمانيين، بعد فتح القسطنطينية عام 1453، طمحوا للتحالف مع مماليك مصر لتوحيد الجهود ضد البرتغاليين والأسبان. ومع تأسيس الدولة الصفوية في فارس اصبحت سوريا مسرحا للصراع مرة اخرى بين بلاد ما بين النهرين، والأناضول، ومصر. وبعد معركة مرج دابق 1516 بات العثمانيون مسيطرين على سوريا ومصر.

- أثناء سيطرة نابليون على مصر دفع العثمانيين الى ارسال جيش عبر سوريا وأسطول كان مقررا أن يرسو في "أبي قير" ليدعم الغزو البري. لكن بونابرت تمكّن من هزم العمانيين في جوار العريش. واكتشف بونابرت أن وضعه غير آمن طالما بقيت سوريا خارج سيطرته وهذا ما دفعه الى التوجه بجيشه الى فلسطين وفرض حصار على عكا التي تعد البوابة الجنوبية لسوريا، إلا أنه فشل في اقتحام عكا.

- في عصر محمد علي الكبير ادى سعيه الى تعزيز قوته الاقتصادية والعسكرية الى وعيه بأهمية الابعاد الجيو-سياسية في مقاربة دور مصر في الشرق الاوسط. وفي عام 1829 احتلت قوات محمد علي بقيادة ابنه ابراهيم سوريا، ولولا تدخل الروس في معركة كونيا لتمكّن محمد علي من إنهاء الدولة العثمانية.

- في بدايات القرن العشرين، وبعد فرض الاحتلال الغربي على منطقة الشرق الاوسط ووفقا لاتفاقية سايكس-بيكو، شمل النفوذ الفرنسي سوريا وفرض ذلك مرحلة جديدة من تاريخها، فقد اضحت سوريا، الواقعة بين ثلاثة نطاقات جيو-سياسية هي العراق ومصر وتركيا، ساحة صراع بين هذه القوى الثلاث، إضافة الى المملكة العربية السعودية، خصوصا خلال العقدين الذين أعقبا استقلال سوريا، والتي نتج عنها الوحدة بين سوريا ومصر (1958- 1961). وقد يفسر هذا الأمر اعتبار "كاوتسكي" أن الاستعمار خلق دولا بالعالم الثالث بالمعنى القانوني لكنه لم يخلق أمما- أي بالمعنى الثقافي.

- أدت تجربة نابليون في الشرق الى تعليم فرنسا درسا مهما. فالسيطرة على مصر وحدها لم تسعفه في الانطلاق للسيطرة على الشرق الادنى. لهذا السبب اراد الفرنسيون اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يرتبط بفرنسا ويؤدي دور العازل ما بين مصر وسوريا. وقد دفعت الدروس النابليونية فرنسا الى التركيز خلال القرن 19 على توثيق العلاقة مع سوريا وتوسيعها. وبعد ما سيطر البريطانيون على مصر ايدوا اقامة وطن قومي لليهود عبر ما عرف بـ "وعد بلفور". ما فسر قيام حرب 1948 التي شارك فيها العرب، حيث رأت مصر وسوريا ان ذلك يهدد امنهما القومي، وكذلك اشتركا معا ضد اسرائيل خلال حرب 1967 وحرب 1973.

وهكذا يظهر لنا أن الأهمية الجيو-سياسية لسوريا ومصر بالغة العمق والأهمية الأمر الذي يدفع بنا نحو السؤال المستقبلي الملحّ والمقلق والضروري: ما هي ملامح السياسة الخارجية المصرية تجاه الحالة السورية؟ وهل في طريقها إلى التغير الجذري؟ منعاً لحدوث السيناريو السوري الذي كوّن حالة من الصراع الإقليمي والدولي عليها..
فهل ستكون حيادية أم متحالفة مع النظام القائم أم ستدخل في حالة تأثير مباشر لصالح المعارضة السورية كما هي حال السعودية؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمات.

* حاصل على الدكتوراة في التربية، ومهتم بعلم المستقبليات والقضايا الاستراتيجية.


** استفاد المقال في توصيف الأهمية الجيو-سياسية لسوريا ومصر من كتاب: "صراع القوى الكبرى على سوريا: الأبعاد الجيوسياسية لأزمة 2011" للدكتور جمال واكيم، نشر شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 2012.

هناك تعليق واحد:

  1. المقال تاريخي جيد لكن الربط بين الماضي والحاضر غير واضح المعالم والنتائج .

    ردحذف