الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-11-18

لماذا يكرهنا العالم بشرقه وغربه، ومن أين أتت (الاسلاموفوبيا) وما الهدف من تسويقها؟ - بقلم: طريف يوسف آغا

لابد أن الكثير منا، وعلى ضوء ثورات الربيع العربي، وخاصة تطورات السورية والانقلاب على المصرية ومواجهة البقية لصعوبات وتراجعات على الصعد الأمني والاقتصادي والسياسي وعلاقة القوى العظمى شرقها وغربها بذلك، لابد أن الكثير منا بدأ يسأل لماذا يكرهنا الجميع، نحن العرب المسلمون، ولايريدون لنا أن نعيش بسلام في ظل دول ديمقراطية دستورية وتحت راية الحرية؟ لابد من العودة إلى التاريخ لايجاد الجواب الذي هو أوضح من أن يغفل عنه أحد.    


    الدول العظمى (النووية) اليوم في العالم هي أمريكا وانكلترا وفرنسا وروسيا والصين، ثم تأتي الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، ويبدو أن إيران على الطريق، وكما نلاحظ فأربعة منها تحوي على أكثريات سكانية مسيحية، ولايمكن لأحد إنكار هذا العامل في سياسات الدول مهما أنكرته هي.لم تتوقف أوربة المسيحية عبر تاريخها الطويل عن النظر إلى العرب المسلمين كالعدو الرئيسي لها، وهي التي كانت ممثلة يوماً بالامبرطورية الرومانية المسيحية البيزنطية، كون العرب هم من كسروا شوكتها وأخرجوها حينها من بلاد الشام بعد معركة اليرموك الشهيرة (634م). وقد بقيت أوربة منذ هذه المعركة تعتبر تلك البلاد محتلة من قبل العرب المسلمين، وزاد من هذا الموقف العدائي لنا غزو الأمويين للقارة الأوربية في عقر دارها من بوابتها الاسبانية في بداية القرن الثامن الميلادي وبقائهم فيها لسبعة قرون وتسميتهم لها بالأندلس ثم زحفهم إلى فرنسا، فما اعتبرناه نحن فتحاً حينها كان بالنسبة للأوربيين ليس بأكثر من غزو وعدوان خارجي أجنبي.

     ولهذا حاولت أوربة المسيحية بعد حوالي الخمسة قرون من معركة اليرموك، وبقيادة مشتركة بريطانية-فرنسية، استعادة ماتعتبره أملاكها في (الأرض المقدسة) فيما عرف بالحملات الصليبية، وهي التي استمرت لقرابة القرنين (1096-1291م) وانتهت كما نعلم بالفشل. وقد انشغلت أوربة خلال ذلك أيضاً بالمساعدة على إخراج العرب المسلمين من إسبانيا، ثم انشغلت بعدها بقليل بمحاربة الدولة الاسلامية العثمانية لقرابة الستة قرون (1299-1923م) والتي وصلت جحافلها إلى أسوار العاصمة النمساوية فيينا في قلب أوربة. صحيح أن العثمانيين لم يكونوا عرباً، ولكن هذا لم يفرق كثيراً عند الأوربيين، نعم العرب هم من أتوا بالاسلام، ولكن الاسلام انتشر بعد ذلك في كافة أنحاء المعمورة، ولهذا صار هو (البعبع) الرئيسي بالنسبة لهم، وأيضاً صار كذلك كل من يعتنقه، ومن هنا أصل مايسمى الآن (الاسلاموفوبيا)، أي الخوف من كل ماهو إسلامي، لأنه يعني بالنسبة للغرب هزيمتهم وإخراجهم من بلاد يعتقدون أن لهم حق تاريخي وديني فيها، أو يعني غزوهم في عقر دارهم. هل تحتاجون لأسباب أكثر من ذلك لتفسير لماذا يكرهنا الغرب ويحاول دائماً أن يبقي العرب خاصة والمسلمين عامة تحت لجام الأنظمة المحلية القمعية العميلة لهم؟

     هذا عن الغرب، ولكن ماذا عن الشرق؟ كما نعلم، فبعد عامين من وقوع معركة اليرموك التي أخرجت امبرطورية الغرب الرومانية المسيحية من بلادنا، حصلت معركة القادسية التي أخرجت امبرطورية الشرق الفارسية من العراق. ولكن العرب المسلمين لم يكتفوا باخراج الفرس كما فعلوا مع الرومان، بل تابعوهم إلى عاصمتهم (المدائن) وأسقطوا الامبرطورية بأكملها عام 637 م، وهي التي كانت تعتبر الامبرطورية الأطول عمراً عبر التاريخ (حوالي ألف عام)، فهل هناك حاجة لذكر لماذا يكرهنا الايرانيون اليوم ويريدون الثأر منا؟ وقد تابعت الجيوش العربية الاسلامية مسارها في العهدين الأموي والعباسي لتحتل أيضاً مناطق شاسعة من الهند، لتقع الأخيرة بعد ذلك تحت سيطرة المماليك ثم المسلمين المغول حتى القرن الثامن عشر حين سقطت تحت نير الاحتلال البريطاني. ولهذا نجد أن الهند، والتي أصبحت دولة نووية اليوم، لاتنظر بعين الحب للعرب خصوصاً وللمسلمين عموماً، بالرغم من أن أكثر من 150 مليون هندي يعتنقون الدين الاسلامي. أما الروس، فقد تم غزو واحتلال وحرق عاصمتهم موسكو مرتين من قبل المسلمين غير العرب، مرة من قبل تيمورلنك المسلم المغولي (المتشيع) في نهاية القرن الرابع عشر، والثانية عام 1571 م من قبل العثمانيين، ولهذا نجد أن الروس أيضاً ينظرون بعين البغض والكراهية للمسلمين، ولنا نحن العرب بالمعية. أما الصين فتنضم كذلك لنادي كارهي العرب والمسلمين كون جيوش الفتح قد وصلت إلى حدودها إبان حكم الأمويين، وقد صالح ملك الصين حينها القائد العربي قتيبة بن مسلم الباهلي بدفع الجزية على أن لايدخل بلاده. وأخيراً، فلا أعتقد أن أحداً يجهل سبب كراهية اليهود لنا، فنحن من حمل الرسالة الجديدة التي أتت لتنافس رسالتهم. وكذلك نحن من أتى بلقب (خير أمة أخرجت للناس) لتتحدى اللقب الذي حملوه قبلنا وهو (شعب الله المختار) ونحن كنا سبب إخراجهم من الجزيرة العربية بعد نزول الاسلام ونحن من لايزال يحاربهم اليوم ونريد إخراجهم من الأرض التي يدعونها (أرض الميعاد) في حين هي أرضنا. بالرغم من أن اليهود يشكلون الأقلية العددية بين (كارهينا وأعدائنا)، إلا أن خطرهم هو الأعظم لأنهم يجيدون حشد بقية تلك الأطراف في مواجهتنا دون كلل أو ملل. وكلما شعروا بمحاولة لتفاهمنا مع أي طرف، عادوا ووجدوا الوسيلة، سياسية كانت أم دينية، ليبقوه في الجهة المضادة لنا. وكلما أحسوا بمحاولة منا للتقارب فيما بيننا أو الانتفاض على حكامنا العملاء، التفوا علينا وأفشلوا محاولاتنا.  

     بعد فشل مشروع (الحملات الصليبية) وهزيمتها، رأت أوربة أنها ليست بحاجة لتكرار التجربة بغزو بلادنا عسكرياً، بل ستقوم بزرع دولة إسرائيل كرأس حربة وربيبة لها في قلب تلك البلاد لتوطين اليهود فيها كوننا نمثل عدواً مشتركا لكليهما. وعلى هذا الأساس تم وضع اتفاقية (سايكس-بيكو) عام 1916 وأرسل البريطانيون والفرنسيون جيوشهم من جديد لتنفيذ تلك المهمة ثم سرعان ماعادوا وانسحبوا بعد زرع تلك الدولة في فلسطين، وأيضاً بعد زرع حكام يأتمرون بأوامرهم في البلاد العربية قاطبة من المحيط إلى الخليج. ثم رأينا كيف ورثت أمريكا هذا الدور الأوربي بعد الحرب العالمية الثانية حين تحولت إلى الدولة العظمى الأولى على الساحة، فصارت تلعب دور العضلات، في حين اكتفى البريطانيون بدور العقل.
 
   يجب أن لايغيب عن ذهننا هنا أن الغرب والشرق المسيحيان ينظران إلى اليهود أيضاً كأعداء. فبالنسبة لهما، اليهود هم من أوقعوا بالسيد المسيح (ع) وخانوه بتسليمه للسلطات الرومانية الوثنية حينها والتي قامت بصلبه (حسب المعتقد المسيحي). ثم كان اليهود من هاجروا إلى أوربة عبر فترات متقطعة بعد ظهور المسيحية والاسلام، فقاموا بما يتقنونه أكثر من أي شئ آخر، قاموا بالسيطرة على رؤوس الأموال فيها وبالتالي التحكم بمقدرات شعوبها وبالقرار السياسي لحكوماتها. ويكفي أن نقرأ مسرحية شكسبير الشهيرة (تاجر البندقية) ونرى كيف اختزلهم الكاتب بشخصية المرابي القبيح النفس والهيئة (شيلوك) لنفهم كيف كان الأوربيون ينظرون إلى اليهود ويشعرون اتجاههم. وإذا كانت أوربة حديثاً قد تحالفت معهم، فلأنها بحاجة إليهم ليس إلا، وهو حلف مصلحة مؤقت يشبه إلى حد كبير حلف شيعة إيران مع علوي سورية، وهما العدوان اللدودان تاريخياً، وعادة ماينقض العدوان على بعضهما حين تنتهي مصلحة الحلف.
     لابد من الاشارة أخيراً إلى أن الجهة الأقوى هي التي تفرض في النهاية قناعاتها ورغباتها على الجهة الضعيفة، واتهام العرب والمسلمين بالارهاب وتسويق كلمة (اسلاموفوبيا) إنما نجح لأنه يأتي من الجهة الأقوى عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً. فاذا عدنا إلى التاريخين القديم والحديث، لوجدنا أن تلك الدول التي تشتكي من (إرهابنا) ومن (إجرامنا) وتستعمله مبرراً لكراهيتنا والتنكيل بنا والاساءة لنا، كانت هي في مراحل سابقة، وماتزال كلها حتى اليوم، تمارس أعمالاً الارهاب والاجرام أقل مايقال فيها. وإذا تجاهلنا قليلاً ماجرى من حروب ومجازر بعد أحداث هجمات نيويورك 2001، فيمكن أن نسوق الكثير من الأمثلة عما أقول. منها مجازر وجرائم إسرائيل في فلسطين، والروس في أفغانستان والشيشان وإيران في الأحواز والهند في كشمير والصين في التيبيت واحتلال فرنسا وانكلترا لنصف مساحة آسية وافريقية في القرنين التاسع عشر والعشرين وارتكابهما لمئات المجازر خلال ذلك، حيث كان نصيب الجزائر وحدها المليون شهيد. وكذلك هناك جرائم ومجازر أمريكا في فيتنام، وكذلك مع الهنود الحمر وعبيد افريقيا، والأنكى من ذلك أن كل هؤلاء مازالوا ينكرون تلك الجرائم ويترفعون حتى عن الاعتراف بها والاعتذار عنها. أما حين يتهمونا بأننا أمة قامت على الغزو، فهم يتجاهلون التاريخ، فكل أمة شعرت في الماضي بقوتها وتفوقها على غيرها، لجأت للغزو والتوسع بمبررات دينية (نشر دين جديد أو الدفاع عن مقدسات) أو سياسية (توسيع مناطق النفوذ) أو اقتصادية (سلب خيرات الآخرين لمجرد أنهم ضعفاء). وقد فعل هذا قبلنا الآشوريون والأكاديون والفراعنة والاغريق والفرس والرومان وغيرهم، وفعله بعدنا الفرنسيون والبريطانيون والبرتغاليون واليابانيون والألمان والاسبان والروس ومؤخراً الأمريكان. أم أن مايتعلق بهم هو تحرير وتحضير وعدالة ومايتعلق بنا هو تصدير للارهاب؟
  
  إذاً الارهابي والمجرم بالمنظور الدولي ليس بالضرورة من يمارس تلك الأعمال، وإنما هو الضعيف الذي لايستطيع الدفاع عن نفسه. وقد تفبرك الدول العظمى أحياناً تهماً كهذه أو تدفع أو تشجع على ارتكابها، كما حصل في حالة العراق والكويت، لتستعملها  فيما بعد لتبرير احتلالها أو ابتزازها للدول الضعيفة لتنهب ثرواتها وتضيفها لمناطق نفوذها، فهل من مبصر؟
***
(يسمح بنشرها دون إذن مسبق)
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 15 محرم 1435، 18 تشرين الثاني، نوفمبر 2013
هيوستن / تكساس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق