الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-01-31

أيها الثوار رسول الله معكم – بقلم: أبو طلحة الحولي


يحتفل بعض الناس في هذه الأيام خلال هذا الشهر ربيع الأول، بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظانين أن ذلك من علامات محبة رسول الله، ولكنهم وللأسف أخطؤوا الاحتفال وأخطؤوا الطريق، وما عرفوا أن محبة رسول الله ليست في الاحتفال بيوم ولادته، ولكن في إصلاح المجتمع من المجرمين، و تطهير البلاد من المفسدين، ونصرة المظلومين، ونجدة الملهوفين، وإغاثة المنكوبين، وإعانة الجائعين، ومساعدة المساكين، وفك المعتقلين، وإعانة المشردين.

إن محبة رسول الله الصادقة ليست كلاما يقال، وخطبا رنانة فقط، وإنما هي دعوة وجهاد وكلمة حق عند سلطان جائر، وثورة حق ضد الطغيان.


يحتفل أولئك على طريقتهم الجافة التي لا روح فيها ولا حياة، بينما تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله صلى الله عليه وسلم، باتباع سنته، والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم في إخراج الناس من عبودية النظام السوري الطاغي إلى عبودية رب العباد.

تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله بتقديم الشهيد تلو الشهيد ثباتا على المنهج الذي وضعه رسول الله في إعطاء الإنسان حريته، وكرامته.

تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله حاملين أرواحهم على أكفهم، مقبلين على الموت بصدور عارية، في سبيل إعلاء كلمة الله، ورفع راية الحق.

تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله بمحبة صادقة واقعية فعلية كما أخبر صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" البخاري (13)، ومسلم ( 44). فهاهم يضحون بكل محبوب، بأنفسهم وآبائهم وأولادهم والناس أجمعين.

ولد النبي صلى الله عليه وسلم وحال البشرية في أسوء حال، شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، فقد نسي الإنسان نفسه، وضاع فردا وجماعة، وانحرفت ممارساته الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية فلا تجد إلا الانحدار نحو الهاوية، " كان القرن السادس والسابع (لميلاد المسيح) من أحط أدوار التاريخ بلا خلاف، فكانت الإنسانية متدلية منحدرة منذ قرون، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي، فقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها  وشدة في إسفافها، وكأنَّ الإنسان في هذا القرن قد نسي خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وقوة التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، وقد خفتت دعوة الأنبياء من زمن، والمصابيح التي أوقدوها قد انطفأت من العواصف التي هبت بعدهم أو بقيت، ونورها ضعيف ضئيل لا ينير إلا بعض القلوب فضلاً عن البيوت فضلاً عن البلاد، وقد انسحب رجال الدين من ميدان الحياة، ولاذوا إلى الأديرة والكنائس والخلوات، فراراً بدينهم من الفتن وضناً بأنفسهم، أو رغبة إلى الدعة والسكوت، وفراراً من تكاليف الحياة وجدها، أو فشلاً في كفاح الدين والسياسة والروح والمادة، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا، وعاونهم على إثمهم وعدوانهم، وأكل أموال الناس بالباطل... على حساب الضعفاء والمحكومين".

و" بلغ الانحلال الاجتماعي غايته في الدولة الرومية والشرقية، وذابت أسس الفضيلة. وانهارت دعائم الأخلاق.وكان العدل كما يقول (سيل) يباع ويساوم مثل السلع. وكانت الرشوة والخيانة تنالان من الأمة التشجيع".

و" أما الأمم الأوروبية المتوغلة في الشمال والغرب فكانت تتسكع في ظلام الجهل المطبق، والأمية الفاشية، والحروب الدامية، لم ينبثق فيها فجر الحضارة والعلم بعد، ويقول (Robert Briffault ):" لقد أطبق على أوربا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر، وكان هذا الليل يزداد ظلاماً وسواداً. قد كانت همجية ذلك العهد أشد هولاً وأفظع من همجية العهد القديم، لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت، وقد انطمست معالم هذه الحضارة وقضي عليها بالزوال، وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي، كإيطاليا وفرنسا، فريسة الدمار والفوضى والخراب".

وفي ايران : " يقول البروفسور أرتهرسين مؤلف تاريخ ( إيران في عهد الساسانيين) :" كان المجتمع الإيراني مؤسساً على اعتبار النسب والحِرف، وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر ولا تصل بينها صلة، وكانت الحكومة تحظر على العامة أن يشتري أحد منهم عقاراً لأمير أو كبير، وكان من قواعد السياسة الساسانية أن يقنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه، ولم يكن لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقه الله لها، وكان ملوك إيران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم، وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها عن بعض تميزاً واضحاً، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع ".

وكان في هذا التفاوت بين طبقات الأمة امتهان للإنسانية يظهر لك جلياً في مجالس الأمراء والأشراف، حيث يقوم الناس على رؤوس الأمراء كأنهم جماد لا حراك بهم ويجلسون مزجر الكلب، وقد أكبر ذلك على رسول المسلمين وأنكره، ويتبين مما روى الطبري ما وصل إليه الفرس من الاستكانة والخضوع لسادتهم جرياً على عاداتهم، قال :" عن أبي عثمان النهدي قال لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس أجلسوه واستأذنوا رستم في إجازته، ولم يغيروا شيئاً من شارتهم تقوية لتهاونهم، فأقبل المغيرة بن شعبة والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبُسطهم على غلوة،  ولا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليها غلوة، وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي حتى جلس معه على سريره ووسادته، فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوه ومغثوه، فقال : كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني. اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون، وأن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول". انظر بالتفصيل الفصول الأولى من كتاب أبو الحسن الندوي رحمه الله (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) 67-75

ولد الإنسان من جديد بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، الإنسان في كل مكان، وفي كل زمان، ولهذا سبق الإسلام الديمقراطية الغربية في تقرير حقوق الإنسان فقرر حرمة الدم والمال والعرض، وإنسانية الإنسان، وكرامة الإنسان، وحرية الإنسان !! في عالم الواقع، والتنفيذ العملي والفعلي، لا عالم الخيال، أو منقوشة في الكتب والدساتير والقوانين الدولية فقط.

فالحرية التي تناضلون من أجلها أيها الثوار العظماء مستمدة من الله ورسوله ، وليست من تعاليم الغرب وقوانينهم.

والحرية التي تناضلون من أجلها هي لبناء الإنسان الصالح الحر، مهما كانت طائفته ومذهبه ولونه، الإنسان بمعناه الشامل، من حيث هو إنسان، وليس من أجل بناء المواطن العبد فقط.

إن النظام الوحشي السوري لا يبني الإنسان وإنما يمسخ الإنسان ويمسخ المواطن الذي يعمل معه، فيجعله أضل من الحيوان " أولئك كالأنعام بل هم أضل "، ويبني الغرب المواطن العبد، ولا يبني الإنسان الصالح الحر، وشتان بينهما، فالغربي يتحلى بالأخلاق والمعاملة الحسنة في بلده، فإذا خرج توحش، لا يعرف إنسانية، ولا ضميرا، ولا خلقا، يبحث عن مصالحه وماديته، فإذا هو عبد لمصالحه وماديته وشهواته. فالدم السوري المراق لا يهزه، ولو أبيد الشعب السوري بأكمله، فحريته ليست في الدفاع عن حرية الإنسان في أي مكان، وإنما ابتلاعه، وإفساده، والمراوغة ونصب الأفخاخ، وزرع الفتن، وإشعال الحروب، هذه حرية الغرب بصورتها المكشوفة، العارية، القائمة على حرية المصالح.

لقد تطور العالم ولكن الحقيقة أن الإنسان قد تخلف عندما عبد المادة، وقدس المصلحة، وأمات الروح، فصارت حياته حياة الآلات والتروس، مبرمجا في الحيرة والتيه، شقيا، وحشيا، متخلفا، بعيدا عن المنهج الرباني الذي وضعه الخالق الأعلى لحياة البشر، ذلك المنهج الايجابي المتوازن الذي فيه سعادة البشرية.

ولهذا ولد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ليكون بشيرا ونذيرا بدين الله للبشرية جمعاء، دين الإسلام، دين الرسل والأنبياء من قبله  إبراهيم وموسى وعيسى، دين المساواة والحرية، دين الكرامة والعزة، دين العدالة والحق، وعلينا تبليغ هذا الدين، ونشره في مشارق الأرض ومغاربها.

وهذه الثورة جزء من هذا التبليغ، ووسيلة لنشر هذا الدين في ربوع سوريا وبلاد الشام من جديد، وللعالم أجمع. 

فالثورة على هذا النظام الذي يمسخ الإنسان أيها الثوار ثورة مباركة، فالله معكم، وقد بارك الله في بلاد الشام، في خمس آيات في كتابه العزيز.

قال تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) ( الأعراف : 137)
وقال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الإسراء: 1).

وقال تعالى  في قصة إبراهيم: (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين*ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) ( الأنبياء: 70-71)

وقال تعالى (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين) (الأنبياء: 81)

وقال تعالى في قصة سبأ: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالَ وأياماً آمنين) (سبأ: 18)

وكما قال العلماء أنها بركة شاملة في كل شيء، وثابتة مستقرة على الدوام.
وقد أخبرنا الحبيب المصطفى إن الله قد تكفل بالشام وأهله : " إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله" أبو داود (2383) احمد (4/100) والحاكم (4/510)  وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وابن حبان (7306) وقال شعيب الارناؤوط محقق الكتاب إسناده صحيح.  وصححه الألباني في أحاديث فضائل الشام ص13
ورسول الله معكم " فقد دعا لكم بالبركة " اللهم بارك لنا في شامنا " البخاري (7094) الترمذي (3953) احمد (5987) ابن حبان(7301) وحث أصحابه على سكنى الشام " عليك بالشام " أبو داود (2383) احمد (4/100) والحاكم (4/510)  وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وابن حبان (7306) وقال شعيب الارناؤوط محقق الكتاب إسناده صحيح.  وصححه الألباني في أحاديث فضائل الشام ص13

وملائكة الرحمن معكم " لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها" الترمذي (3954)، احمد في المسند (5/185) والطبراني (4933) والحاكم (2/229) وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، صححه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي ص 12. بلفظ " يا طوبى للشام "

فطوبى لكم أيها الثوار، رجالا ونساء، وأطفالا، لتحرير الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية الله وحده.

لتحرير الإنسان من الذل والهوان إلى العزة والكرامة.

فلا عبودية للنظام السوري، ولا للاحتلال الغربي ، ولا للمنصب، ولا للمال، ولا للجاه، ولا للون، ولا للطائفة.

أيها الثوار لقد ولدتم من جديد بقدر من الله، حين انطلقتم بثورتكم، وآن الأوان لصناعة الإنسان المكرم من عند الله الخالق، ولنصحح المفاهيم للعناوين الكبيرة في حياة البشرية جمعاء :  الحب، والحرية، والوحدة، واحترام الإنسان.

وقبل هذا وذاك الإيمان بهذا الدين من جديد (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) ( النساء :136) إنهم مؤمنون ومع هذا خاطبهم الله سبحانه وتعالى بلفظ " آمنوا ".

لقد آن للبشرية أن تتعلم من هذه الثورة، معنى الحرية والكرامة والعدالة، وان تكف عن اللف والدوران، وأن ما تتشدق به من الحرية ما هو إلا خداع للنفس، بحثا عن أهوائها، تعيش على الأرض وتحت الأرض مثل الدودة، ليس لها رصيد في الفضاء، بينما حريتنا ضاربة جذورها في الأرض متصلة بالسماء.

فالثورة قامت ولا عودة للوراء، والإنسان المتوازن بروحه وجسده قد صحا معلنا البناء الحضاري، لسوريا وللعالم أجمع.

وهل هناك حضارة أرقى وأجمل وأفضل من حضارة شعارها "الله غايتنا، والرسول قدوتنا".

اللهم صلي على محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق