الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-01-03

الدعوة إلى وحدة الأمة ونبذ الخلاف - بقلم: د. محمد المحمد

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين ... أما بعد :

 فإن كتاب الله وسنة رسوله r ما حرصا على شيء بعد التوحيد حرصهما على وحدة الأمة، وذم الفرقة بين أبنائها، ومعالجةِ كلِ ما من شأنه أن يؤدي إلى ذلك، أو يخدش أخوة المؤمنين حتى في أبسط أمور الدنيا. 


 وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتها لإيجاد الأمة التي تكون كالجسد الواحد والبنيان المتين في آيات وأحاديث كثيرة منها قوله سبحانه :[...وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ] {الحج:78}ومنها قوله  تعالى:[وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ...] {آل عمران:103} فالذين يعتصمون بحبل الله لا شك أنهم سيقطفون الثمرة التي أعدها الله لهم حيث قال :[فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا] {النساء:175}. اللهم أدخلنا في رحمتك ومنَّ علينا بفضلك وأهدنا صراطاً مستقيما .

كما أكدت السنة الدعوة إلى الأخوة والوحدة بين المسلمين في مواقف كثيرة وبأساليب شتى منها:

الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ "([1]).وقال r "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ " ([2]).وقال أيضاً صلاة ربي وسلامه عليه " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ".([3])  هذه التعاليم والآداب الإسلامية العظيمة  كفيلة بحفظ الوحدة وحماية الأخوة  وإظهار الإسلام بصورته الحسنة ووجهه الجميل من السماحة واليسر واتساعه لكافة الاختلافات الفكرية والمصالح البشرية ما دامت معتصمة بالكتاب والسنة على وجه من الوجوه الصحيحة التي يحتملها النظر السديد والتأويل الرشيد.

 أما الخلافات القائمة على الهوى والبطر والمصالح الخاصة فإنها مذمومة، قد حذر الله تعالى منها في كتابه العزيز حيث قال  Y:[وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {آل عمران:105} فقد ذكر بعض العلماء أن سبب نزول هذه الآية هي الفتنة التي أوجدها اليهودي شاس بن قيس بين الأوس والخزرج ، وقد رجعوا إلى الله ورسوله سامعين مطيعين بعد أن زرفوا دمع الندامة ، فنزلت هذه الآيات معاتبة لهم على صنيعهم، ومرشدة لهم بالاعتصام بحبل الله تعالى والوحدة، ومحذرة من دسائس غير المسلمين ومن طاعتهم، وأنه ليس وراءها إلا الارتداد على الأعقاب، والكفر بعد الإيمان،([4]) قال U [....وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ#  مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ] {الرُّوم 31-32} فقد جاء عن ابن عباسt أن هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى الذين تفرقوا واختلفوا في دينهم، وقيل نزلت في أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة من أمة محمد r ([5]).قال ابن كثير: والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد، لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه (وكانوا شيعاً) كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، فإن الله تعالى، قد برَّأ رسوله r مما هم فيه ([6]) ولحق بهم الفشل والضعف والانكسار وأدى إلى ذهاب الريح، وقد أخبر تعالى عن ذلك فقال:[.. وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ..] {الأنفال:46}
والسنة النبوية المطهرة حذرت أشد التحذير من التفرق في كثير من الأحاديث منها:

1-           ما روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله r " من خَرَجَ من الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ من أُمَّتِي ..الحديث"([7]) وفي رواية "وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أو يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ أو يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ " ([8])

2-وروى مسلم في صحيحه عن محمد بن شريح قال: قال رسول الله  r " إنه سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هذه الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا من كان " ([9])  وفى لفظ "من أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ على رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أو يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ " ([10]). وما هذه الشدة إلا لعظم ما يترتب على الفرقة من ضعف وهزيمة وذل وانكسار.

  والآثار المرفوعة عن النبي r في هذا الباب كثيرة جداً وكذلك عن الصحابة y والتابعبن.

 وً يكفي لمعرفة أضرار الفرقة وخطورتها أن نبي الله هارون عليه السلام اعتبرها أكبرَ خطراً، وأشدَّ ضرراً من عبادة الأوثان، فحين صنع السامري لقومه عجلاً من الذهب وعكفوا على عبادته، التزم هارون عليه السلام جانب الصمت وبقي ينتظر أخاه موسى عليه السلام، ولما وصل موسى ورأى القوم عاكفين على العجل وجه أشدَّ اللوم إلى أخيه، فقال هارونu : [..إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي] {طه:94}  فجعل من خوف الفرقة بين قومه عذراً له في عدم التشديد في الإنكار، ومقاومة القوم والانفصال عنهم.

وأخيراً أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالوحدة والمحبة والتآلف، والتعاون على البر والتقوى ونعوذ بالله من الفرقة والتنازع والتباغض والتعاون على الإثم والعدوان، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



[1] - صحيح البخاري ج2/ص862 صحيح مسلم ج4/ص1986
[2] - صحيح البخاري ج1/ص182 صحيح مسلم ج4/ص1999
[3] - صحيح مسلم ج4/ص2000 الجمع بين الصحيحين ج1/ص500
[4] - ينظر الصحوة الإسلامية بين الإختلاف المشروع  والتفرق المذموم
[5] - تفسير البغوي ج1/ص339
[6] - تفسير ابن كثير ج2/ص197
[7] - صحيح مسلم ج3/ص1477
[8] - صحيح مسلم ج3/ص1476
[9]- صحيح مسلم ج3/ص1479
[10] - صحيح مسلم ج3/ص1480

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق