الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-01-27

"وامعتصاه " بقلم: د. محمد أحمد الخلف


الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :

وامعتصماه :كلمة صرخت بها امرأة مسلمة وقعت في الأسرى في بلاد الروم فوصلت الكلمة إلى الخليقة العباسي "المعتصم بالله " فلامست هذه الصيحة كل ذرة من ذرات جسمه وتغلغلت إلى سويداء قلبه وملكت عليه مشاعره وأحاسيسه ووجدانه وأرّقت عليه نومه فصاح صيحة المؤمن القوي الغيور على دين الله وأعراض المسلمات لبيك – لبيك – لبيك. وأرسل رسالة شديدة اللهجة قوية البيان لم يستدر بها عطف ملك الروم أو يتذلل له بقوله "سيدي ومولاي ملك الروم أرجو منك أن تطلق سراح المرأة المسلمة إذا شئت وإذا تكرمت. أرجوك من فضلك نحن أصدقاء وأحباب، عفوك ورجائي إليك لا تخذلني وتشَوه سمعتي بين أبناء شعبي وأنا أعدك بما تريد. لا والله لم يكن أجدادنا وحكامنا السابقين ضعفاء أذلاء يستعطفون ويتذللون أمام ملوك أوروبا وغيرها من حكام وملوك العالم.


بل وجه إليه رسالة تحمل كل معاني التهديد والوعيد والتحذير بقوله :
" بسم الله الرحمن الرحيم" (من خليفة المسلمين المعتصم بالله إلى ملك الروم إذا وصلتك رسالتي هذه فأطلق سراح المرأة المسلمة فوراً وإلا جئتك بجيش أوله عندك وآخره عندي )" وما أن وصلت الرسالة إلى ملك الروم حتى أسرع إلى إطلاق سراح المرأة المسلمة معززة مكرمة دون أن تمس بأذى أو تصاب بمكروه ، نعم لقد كان أجدادنا وآباؤنا على درجة من الغيرة والحمية والإنتصار للمظلوم والغيرة على أعراض المسلمات ما جعلهم لا يهابون ولا يخافون إلا الله ، وجعلتهم هذه الحمية يمتلكون من الشجاعة ما يؤثرون فيه الموت على الحياة والمنية على الدنية فها هو سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يغضب غضبة  قوية وينتصر لامرأة مسلمة دخلت سوق بني قينقاع لتبيع حاجة لها فعمد يهودي حاقد خبيث إلى طرف ثوبها من الأسفل وربطه بدبوس في أعلى ثوبها وهي لا تشعر فلما قامت انكشفت عورتها فصاحت "وامحمداه" فسمع صرختها رجل مسلم فهجم على اليهودي فقتله فهجم اليهود على الرجل المسلم فقتلوه فلما بلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم صاح وأقسم قائلاً  "والله لا يساكنوننا بعد اليوم في مدينتنا " وجهز لهم جيشاً من الصحابة وحاصرهم خمسة عشر يوماً حتى اضطروا إلى الإستسلام وخرجوا من المدينة منهزمين صاغرين أذلاء إلى أذرعات أي درعا البطلة اليوم في سوريا وهلك معظمهم.

نعم : حدث هذان الموقفان: الموقف الأول من أجل امرأة مسلمة كشف عورتها يهودي حاقد. وحدث الموقف الثاني من أجل صرخة امرأة لم تتعرض لهتك العرض ولا خلع الملابس ولا للتعذيب وتقطيع الأوصال ، فقامت الدنيا ولم تقعد انتصاراً لعرض امرأتين من المسلمين.

أما اليوم ويا للأسف سوريا وأبنائها تناشد ضمائر العالم وملوك وحكام الدول العربية ولكن لا حياة لمن تنادي
لقد أسمعت لو ناديت حياً               ولكن لا حياة لمن تنادي

وكأن القوم موتى وجامعة الدول العربية لا وزن لها ولا لقراراتها التي لا تتجاوز وللأسف الكتابة على الورق.
ربَ وامعتصماه انطلقت                   ملء أفواه الثكالى اليُتمِ
لامست أسماعهم لكنها                    لم تلامس نخوة المعتصم

فكم من الحرائر تعرضت للسجون وكم من الحرائر هُتكت أعراضها. بل إن الأمر تعدى ذلك إلى تقطيع الأوصال والتمثيل بالجثث كما حدث للشهيدة زينب تلك الفتاة التي لم تتجاوز التسعة عشر ربيعاً من العمر  ـ رحمها الله تعالى ـ إنّ كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من العالم على يد المجرم السفاح بشار وعصابته المارقة وأزلامه جهاراُ نهاراً وفي وضح النهار.             
أيها الملوك والرؤساء والحكام العرب : إننا أبناء الشعب السوري نناشد الله فيكم ونحملكم المسؤولية أمام الله ثمَ التاريخ لما يجري لأهلنا والمسلمات في سوريا. أين نخوة الإسلام فيكم؟ أين الغيرة على أعراض المسلمات أين المروءة والشهامة ؟ بل أين نخوة حتى العروبة والجاهلية. أليس نصرة المسلم واجب شرعي وحق المسلم على المسلم أن ينصره إذا استنصره. ألا ينطبق قول الله عز وجل علينا جميعاً " إنما المؤمنون إخوة " إذا كان كل ما يحدث في سوريا وغيرها لا يحرك فيكم الدين والضمير فوالله إن بطن الأرض خيرُ من ظهرها ، إن واجب النصرة لإخوانكم فرض شرعي ولازم إنساني بقول الله سبحانه وتعالى " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر.... " صدق الله العظيم

إلى متى تجيزون لأنفسكم الأعذار والسكوت عن نصرة إخوانكم وأخواتكم المظلومين في سوريا لقد حذر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وتوعد بالعذاب الشديد لمن يطلب أخوه  منه النصرة ولا يستجيب إن العرض أغلى من كل شيء بعد الدين وأن الله سبحانه وتعالى يغار على أعراض المسلمين من فوق سبع سماوات فما لكم لا تغارون ولا تتمعر وجوهكم لما يحدث لأخواتكم إلا ما كان من عبارات الشجب والإستنكار أحياناً والاستجداء أحياناً أخرى. فما الذي تخشونه "والله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " صدق الله العظيم ، لقد كان الشاعر الجاهلي عنترة العبسي والله أشد غيرة وحمية للأعراض من الملايين من أصحاب العروش والكروش وممن يتسمون بالمسلمين.

فقد قال في أحد أشعاره :
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي              حتى يواري جارتي مثواها0
وقال أيضاً :
أصون عرضي بمالي لا أبـدّده            لا بارك الله بعد العرض بالمال.

أنا أعلم علم اليقين أن هناك أناساً من الحكام وغيرهم لا يحرك هذا النداء وهذه الاستغاثة والكتابة شعرةً فيهم لأن الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم وغاية رغبتهم ولذلك ينطبق عليهم قول الشاعر :

لينام أصحاب الكروش وينعموا              مابين غانية وعزف قيـان
لينام أصحاب العروش وينعموا             بأطايب الشهوات والسلطان
إن وعد الله ورسوله للمتقاعسين والمتخاذلين عن نصرة المسلمين وهم يقدرون على ذلك أليم شديد. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " رواه مسلم

مره ثانية : وامعتصماه : صرخة واحدة حرمت المعتصم النوم وأقضت مضجعه ووقف لها كالأسد الجريح ، وملايين الصيحات لليتامى والأرامل والثكالى والمعذبين في سوريا وغيرها من البلاد الإسلامية لا تحرك لمعظم أصحاب الجلالة والسمو ساكناً فأين هؤلاء من الإسلام ودين الله؟
                                            اللهم هل بلغت , اللهم فاشهد.
" سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
  في 2/ 11 / 2011م  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق