الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-01-10

العهر السّياسيّ ...وخطاب الأسد... بقلم: د. محمّد عناد سليمان



بعد أسبوعين من عمل بعثة المراقبة التي أرسلتها جامعة الدّول العربيّة لمراقبة الأوضاع في سورية، خرجت علينا بمشروع بيان تدعو فيه النّظام السّوريّ إلى حماية المدنيّين، وكأنّ على عينها غشاوة قبل قدومها، فلم تعلم أنّ المدنيين يُقتلون كلّ يوم بأداة القمع الأسديّة، وهم بحاجة إلى حمايةٍ قبل قدومها الشّريف بشهور.

ثمّ ذهبت هذه اللّجنة في بيانها إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث دعت النّظام السّوريّ إلى الالتزام ببنود البروتوكول العربيّ، الذي نصّ صراحة منذ ولادته على وقف جميع أعمال القتل بحقّ الشّعب السّوريّ الأعزل، وإلى سحب جميع المظاهر المسلّحة من المدن والبلدات السّوريّة، وكأنّ البروتوكول وليد لحظة البيان، متناسين أنّ هذه البنود والنّصوص قد مضى عليها أكثر من شهرين، وبعد منح المهلة تلو المهلة لنظام الأسد ليستكمل منهجيّته في القتل والتّعذيب والتّنكيل.


وقد قابل الشّارع السّوري الثّائر هذا البيان بالرّفض والإدانة، من خلال البيانات التي أعلنتها المجالس الثّوريّة المتنوّعة في «المجلس الأعلى لقيادة الثّورة السّورية»، و«الهيئة العامّة للثّورة السّوريّة»، و«اتحادات التّنسيقيات»، لما في هذا البيان من مضامين ساوت بين الضّحية والجلاد، وهو أمر لا شرعيّة فيه، ولا قبول له عند الشّعب السّوريّ الثّائر، خاصّة إشارته الواضحة إلى وجود مجموعات مسلّحة، حتى انطبق عليهم العنوان القائل: «شاهد مشفش حاجة».

لكنّ نظام الأسد وجد فيه مادّة دسمة، تناسب نهجه وسيره في القمع الوحشيّ بحقّ المتظاهرين السّلميّين، فانبرى رأس الأفعى، ورأس النّظام، بعد يومين من تقرير اللجنة، ليخرج من مخدعه مخاطبًا نفسه ومن أُمروا بالسّجود له بخطاب وصفَه مؤيدوه بـ«التّاريخي»، و«الحاسم»، و«المتّزن» وغير ذلك من الأوصاف التي إنْ دلّت على شيء فإنّما تدلُّ على العهر السّياسيّ بما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

لأنّ النّظام السّوريّ طوال أربعين عاما أسّس لدولة سوريّة، ولقيم سوريّة لا علاقة لها بهذا العصر الذي نعيشه، فالدّولة الحديثة لها معايير، منها ديمقراطية ومرجعية المواطنة، وفصل السّلطات، وتكافؤ الفرص وغير ذلك.

لكنّ هذه الحداثة لم ترَ نور الحياة في الدّولة السّوريّة؛ لأنّ النّظام القائم فيها أراد أن يركّب الدّولة والمجتمع على مقاسه، فجعل من الدّستور السّوري دستورًا استثنائيًا يعطي الرّئيس صلاحيات لم تُمنح لـ«لويس السّادس عشر» مثلا، حتى وصل الأمر به مثلا «أن يقول لسكرتيره: اهدموا مدينة حلب». وكذلك منع محاكمة الرّئيس إلا على الخيانة العظمى بأكثرية ثلثي مجلس النّوّاب؛ فتستبعد محاكمته أصلا.

ولم يعد للدّولة مفهوم، وإنّما الموجود هو مفهوم السّلطة، ومؤسسات الدّولة هي مؤسسات الحكومة فقط، وهذا ظهر واضح المعالم في ثورة الكرامة والحريّة التي انطلقت منذ عشرة أشهر، عندما لجأت السّلطة إلى أجهزة الأمن لقمع الحراك، حتى أخذت صلاحيات تفوق صلاحيات الحكومة، فمثلا في سوريا «ثلاثة عشر عملا خاصًّا وعامًّا يحتاج إلى موافقة أمنية كـ«الحلاق» و«بائع الفلافل». فأصبحت سوريّة في عهد الأسد دولة لا معايير لها، دولة جيّرت سلطتها لأجهزة الأمن، فلا يُرعب الوزير مثلا إلا الرّئيس، وأجهزة الأمن.

هذه الحال السّورية أدّت بطيبعة الحال إلى تشوّهات في المجتمع السّوري، فالمواطنة ليست مرجعيّة سوريّة، وإنّما استبدلت بمرجعيّة طائفيّة وعشائريّة. حتى إنّ المجتمع المدني لم يعد له أي دور؛ بل صار مشوّهًا ومتأخرًا، وكذلك المجتمع الأهلي، فلم تعد سورية دولة، وإنّما مجموعة من النّاس تحكم مجموعة من النّاس دون معايير فيما بينهم.

لذلك من الطّبيعي أن ينتشر الفساد، وأن يصبح هذا الفساد أمرًا عاديًا، وتحوّلت إلى «شطارة» في غالب الأحيان، وأصبح المجتمع استهلاكيًّا في اقتصاد متخلّف أصلاً، حيث يبلغ الدّخل السّنوي للفرد السّوريّ أقلّ من ألف دولار.

أمّا العهر السّياسيّ فكان ولا يزال عنوان النّظام الذي يتغنّى به، ويعزف عليه، حيث راح  يستبدل الآثام والجرائم التي يرتكبها بشعارات «المقاومة»، و«الممانعة»، و«الصّمود»، و«التّصدي»، ولسوء الحظّ هذه الشّعارات «المقاومة»، و«الممانعة» اقتنع بها بعض العرب.

وأطلّ علينا اليوم رأس الأفعى بشعار جديد، يُضاف إلى قائمة شعارات العهر السّياسيّ لديه، وهو ما يسمَّى بـ«الـعروبة»!! وكأنّ الـ«عروبة» لا تتمثّل، ولا تتحقَّق إلا ببقاء «بشار» على هرم السّلطة، وكلّ من يسعى إلى غير ذلك فهو خارج عن ميدان الـ«عروبة».

وبالمحصلة فإنَّ هذا النّظام القائم قد انتزع الدّولة من معاييرها، وفصَّلها على مقاسه، ومارس سلطاته بشكل همجيّ ومزاجيّ، وسيطرت أجهزة الأمن على الدّولة، فنتجت عنه تشوّهات اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة، وعهر سياسيّ تمثّل بشعارات زائفة، يريد أن يُقنع النّظام نفسه بها، بعد أن ثبت للعام أجمع أنّه بريء منها، براءة السّيدة «عائشة» رضي الله عنها من حادثة «الإفك».

د. محمّد عناد سليمان
أكاديميّ ومعارض سوريّ.
عضو المنظمة العربيّة لحقوق الإنسان في سوريا.
عضو المجلس الوطني السّوريّ عن المجلس الأعلى لقيادة الثّورة السّوريّة
أبناء الجولان السوري المباع
10 / 1 / 2012م.

هناك 4 تعليقات:

  1. لا فض الله فوك ...فهذاهووصف الحالةالسورية ياسيدي ...ولكن ماهوالحل الآن لشعب يُقتل ودماءًتسيل ...أنا لاأعلم ولكن أفرض سؤالاً ربما ألقى له إجابة .

    ردحذف
  2. ما شاء الله يا دكتور نرفع رؤسنا بامثالكم

    ردحذف
  3. بارك الله فيك يا دكتور .. ونعم المقال

    ردحذف
  4. أبوحكيم - السعودية - الرياض



    من الأساس ما فائدة المراقبين! ألا ترا أعينهم ما نقلته جوالات المواطنين!
    وما عساها تفعل جامعة الدول العربية وهي فيما بينها متناحرة.

    وهل البيت الخرب يستطيع أن يحمي من حر أو قر أو مطر.

    ردحذف