الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-01-27

وقفة تأمُّل – بقلم: د.عبدالغني حمدو


التأمل في الديانة البوذية هي المرحلة الثانية والتي تلي التجرد من كل ماهو دنس واحترام كل كائن حي، وتسمى عندهم (اليوغا) ليصل الشخص بعدها إلى الحكمة والمسماة عندهم (النيرفانا) وهي تحقيق التوازن بين قوى الانسان المادية وقواه الروحية (إخماد القوى الروحية )

في الثقافة اليونانية اعتمد سقراط في فلسفته الأخلاقية على تفريغ عقل الشخص ومن ثم إعادة بنائه مرة اخرى، معتمداً بذلك على أن من يدعي المعرفة، عندما يعيد النظر ويتأمل في نفسه بعيداً عن عواطفه، سيجد نفسه أنه لاشيء، وعندما يستطيع الانسان محاكمة نفسه، سيجد حتماً أن ماكان يدعيه هو غير موجود، وسيسعى جاهداً عندها الوصول للحكمة .


إلى جانب ذلك انتشر السفسطائيون، وهم الذين يجادلون في الحق ليقلبوه باطلاً، والباطل يجعلوه حقاً، وجعل أرازل الناس في مقام الصفوة، وأخيارهم في مقام  السوء .

وفي ديننا الاسلامي الحنيف اختصر الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته بكلمات قليلة، منطلقاً من أن الأخلاق هي أساس البعثة وأساس الاسلام بقوله عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وذروة الأخلاق في الاسلام هي الحكمة، عندما وصف الله تعالى رسوله الكريم بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم ) والخير العظيم للناس يكون في اكتساب الحكمة بقوله تعالى: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب)، والحكمة لن تجد لها طريقاً في النفس مالم يكن هناك تأمل، ومحاسبة الضمير.

لنقف وقفة تأمل في واقعنا وواقع الثورة السورية، وعلينا أن نحاسب أنفسنا أولاً، وعند محاسبتها سنصل حتماً لحلول منطقية تساعدنا في السيطرة على القمة، وطرد  المتعتدين والقتلة والظالمين منها ومحاسبتهم بعد ذلك على جرائمهم.

أولاً: الخطاب الاعلامي وهو أهم مرتكزات الثورة، إن نجح في تقديم الصورة الأخلاقية للثورة السورية، والصورة المستقبلية للدولة بعد نجاح الثورة، وأن الثورة ترتكز على أسس أخلاقية ثابتة وإرساء قواعدها في بناء الدولة الحديثة، والتي من أجلها قامت الثورة، لأن هذه الأسس لم تكن موجودة، في إقامة العدل بين الناس، والمساواة بين الجميع، وأنه لاتوجد امتيازات وراثية لفئة على حساب فئة أخرى. وأن الثورة ليست ضد طائفة معينة، وإنما هي ثورة لصالح الجميع، لبناء الانسان السوري في مجتمع يسوده العدل والمساواة، على مبدأ تكافؤ الفرص .

ثانياً: المجتمع الدولي، أثبتت شهور الثورة أن المجتمع الدولي العربي والاسلامي وغيرهما، ليس عندهم إلا الكلام، والذي يعبر عنه (لا تسمع منهم إلا همساً) وهذا يقودنا للتأمل في الوسائل الواجب اتباعها، حتى تحقق الثورة أهدافها، نجد أنه ليس أمامنا مناورات كثيرة في هذا المجال، وبالتالي علينا التفكير في إيجاد وسائل دعم تعتمد على تبادل مصالح فردية مع بعض الدول، والتي نأمل عندها الدعم المادي والعسكري واللوجستي للثورة السورية.

ثالثاً: في الأيام القلية الماضية، أعلن النظام عن وسيلته الوحيدة للبقاء في القمة، وهو التهديد علناً عبر رئيس العصابة وإعلامه هو أنه لابد من القضاء على الثورة، عن طريق اللجوء لكل وسائل القوة، وإبادة كل المناوئين له مهما بلغ عدد القتلى، وفظائع المجازر المرتكبة والتي سيرتكبها ضد المناوئين له، وله مؤيدون كثر داخل سورية وخارجها، كما عبر عنها أهل حلب اليوم، في الرقص والتهليل على المذابح التي ارتكبت في حمص وحماة اليوم، وإعدام الأطفال والنساء في حي الزيتون في حمص .

رابعاً: وعندما ننظر ما بداخلنا وبعد التجرد من العواطف ومحاكاة العقل، فالحكمة هنا تقول  علينا أن نسخر جميع إمكانيتنا الروحية والمادية في مواجهة عدونا وهو النظام ومن يسانده، واستخدام كل وسائل القوة ضد القوة التي يستخدمها العدو، فكلما زادت قوة الثورة وضرباتها ضد مفاصل العدو كلما زادت شعبيتها، وتعددت مواردها، يقابلها في الوقت ذاته ضعف العضو .

خامساً وأخيراً : فالمعركة هي معركة بقاء ولا يمكن التراجع أبداً مهما غلت التضحيات، فالتراجع هو الدمار الشامل والذي سيطول الملايين من الشعب السوري، أما الاصرار والتقدم سيعقبه النصر حتماً، وعندها ستكون التكاليف البشرية أقل بكثير مما سيحصل عند التراجع، فقد اختاروا الحرب للنهاية، وعلى الثوار أن يجابهوا العدو بنفس الأسلوب، بقدراتهم الذاتية، وكل شخص من موقعه ومقدرته على الفعل، فالحكمة هنا تقول السن بالسن والعين بالعين والباديء أظلم، ونهاية الظالم يذهب هو وأهله، وهو نهاية الظالمين وقريباً بإذن الله تعالى.

د.عبدالغني حمدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق