الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-01-14

أوراق متناثرة من دفتر الذاكرة في فترة الثمانينات مجتزأة من مذكراتي محطات صغيره في حياة إنسان عادي - بقلم: المهندس هشام نجار


عليهم بجداره فأكمل على فلسطين وأكمل على الجولان وأكمل على العرب كل العرب حتى بدا حكامنا في أعوام الأربعينات والخمسينات قمة في الطهارة والوطنية مقارنة مع فساد وجرائم وخيانات آل أسد ... وكان من الطبيعي أيها الأعزاء أن أصل بمحطاتي إلى ما آل إليه مصير الوطن في أعوام الثمانينات من القرن الماضي وخاصة ما تعرضت له مدينتي حلب وضواحيها من قبل الفرقة الثالثة بقيادة اللواء الطائفي شفيق فياض التي تم استدعاؤها على عجل من لبنان بعد أن حصل حافظ أسد على رسالة تطمين دوليه وإسرائيليه من أن وضعه في لبنان لن يطرأ عليه أي تغيير وأن مكانه محجوز هناك حالما يُنهي حربه منتصراً على الشعب السوري.كما تم تعزيز الفرقة الثالثة بكتائب من المظليين والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع إضافة إلى كل أطقم المخابرات المشكلة لهدف واحد وهو وضع الشعب في قمقم كتيم سمحوا لكفيه فقط لتخرج منه من أجل غاية واحده هي التصفيق لبطل الصمود الزائف.


اطمأن حافظ أسد لهذا الرسالة فأرسل مع الفرقة الثالثة كتيبة مظليين , وكتيبتين من الوحدات الخاصة ومثلها من سرايا الدفاع. قسّم شفيق فياض حلب إلى قسمين : الشرقي أو القسم التاريخي القديم من المدينة واستباحتها عصابات الأسد لسبعة أيام بحجة محاربة العصابات المسلحة . وبعد أن انتهوا من مهمتهم هناك قتلاً وتعذيباً وسحلاً واعتقالا وتخريباً أعلنوا عن منع التجول في المنطقة الغربية اعتبارا من منتصف الليل وحتى إشعار آخر.

 أعزائي القراء
كتبت في إحدى محطاتي ما يلي... بدأت أفتش مع  زوجتي أم لؤي مكتبتي بدقه عن أية بصمات قد تستغلها عصابات التفتيش ألأسديه ككتاب في الفقه مثلاً فيكلفني حياتي أو شريط للشيخ عبد الحميد الكشك يكون سبباً لإرسالي إلى المجهول, أو قد تكون بقايا لرسالة في كيس تجميع الأوساخ من صديق يعيش في أوروبا مثلاً سبباَ لتوجيه تهمه من أنني عميل استخبارات لدوله أوروبيه. بدأت باتخاذ بعض الاحتياطات فمزقت بعض الرسائل الغير هامه إلى نتف صغيره وأخفيت بعض الكتب ولم يكن لدي أكثر من ذلك لأخفيه...في صبيحة أول يوم من منع التجول. كانت طائرات الهليكوبتر تمر من فوق رؤوسنا متجهة إلى القرى الغربية والجنوبية حيث تهبط فيها ثم يقوم المظليون بتجميع شباب القرية وينصبون لهم محاكم ميدانيه في عشر دقائق لينتهوا إلى حكم بتنفيذ عقوبة الإعدام وما أن ينتهي التنفيذ حتى يغادرون إلى قرى أخرى فينجزون مهمات مماثلة فيها, فذبحوا شباب الوطن ويتّموا أولاد الوطن ورمّلوا نساء الوطن...كل ذلك تم بدم بارد مشحون بسمّ قاتل مغلفٍ بحقدٍ جارف ضد أبناء الشعب السوري المُبتلى بهذا النظام... كنا نراقب من النافذة لنرى أبناء الحارة رجالاً ويافعين يحشرون بسيارة زيل عسكريه واقفة في زاوية الشارع وشاحنات أخرى وراءها  بانتظار دورها فيحشروهم كالأغنام فيها ... كنت أقول لزوجتي ..أنظري هذا أحمد إبن عادل وهذا خالد زوج  أم سميرة وهذا حج صالح ...وهذا... وهذا...و ذاك.. آه يا وطن لقد أفرغوك من شبابك ورجالك...ليستبيحوا كل حرماتك ويحولوك إلى مزرعة سموها تجاوزاً بالوطن  في حوالي الساعة الرابعة عصراً من اليوم الأول من حظر التجول دخلت طلائع عصابات الأسد بنايتنا..قلت لأم لؤي استعدي لقد وصل الزوار
  وكنا جاهزين لاستقبالهم كانوا ستة أفراد اثنان بلباس مدني يحمل كل منهما مسدساً عرفت بعدها أنهما برتبة رقيب إلا أن الرقيب علي كان قائد ألمجموعه وكان يخاطبني بلهجة ساحليه متميزة أما الرقيب الآخر فلهجته تدل على أنه من قرى حلب
 أما الأربع الآخرين فكانوا مجندين بلباس عسكري ثلاث منهم يحملون كلاشينكوف والرابع يحمل رشاش عيار ٥٠٠ انتشروا في البيت كالجراد لم يبق كرسي إلا ونبشوه  ورفعوا قوائمه إلى الأعلى ولا كتاباً إلا مزقوه  ونثروا أوراقه ولا زرعة ورد  وياسمين إلا  وعرّوها من ترابها .. قام احدهم بتجميع نتف رسالة ممزقه مرمية في سلة المهملات يعيد ترتيبها عساه أن يتفوق على المفتش كولومبو فيصل لحل اللغز ويحصل على الجائزة
 وبعد ساعه أخرج الرقيب علي مجموعة اوراق متضمنة اسماء لمطلوبين مصنفه حسب الترتيب الهجائي ..وصل الى حرف النون وبدأ يذكر امامي اسماء من عائلة نجار الأسماء متشابهة فمحمد ..وأحمد.. ومصطفى.. وعادل ..وخالد ... كلها اسماء موجوده في كل عائله ,فأنكرت معرفتي بأي منها الاّ انه وبعصبية ملفته للنظر أمرني ان انزل معهم ليتم تعليبي بشاحنة الزيل إسوة بالآخرين ..موقفان جريئان انقذ الوضع ,الموقف الأول صدر عن زوجتي بجرأة ملفته للنظر فخاطبته بحده: تأخذون الأبرياء وتقولون ليوم فتعيدونهم جثة هامده اذا كنتم ستأخذونه فخذوا كل العائله معه..أما الموقف الثاني فصدر عن الرقيب مساعد قائد المجموعه حيث خاطب الرقيب علي بحزم وقوه : لا لن نأخذه طالما ليس له إسم, إلتفت إلى قائلاً عذراً أستاذ هشام إبق مع عائلتك..أحُبط الرقيب علي وخرج وهو يلوح بالمسدس بوجهي : قد نعود في أي لحظه مفهوم...مفهوم...مفهوم!
في اليوم التالي كان اقل وطأة من سابقه إلا أن الاتصالات الهاتفية مازالت مقطوعة بين أهلنا وأصدقائنا لنطمئن على مصيرهم .كان أول عمل  نقوم به هو الاطمئنان على الوالدة بالرغم أن الدبابات مازالت تصول وتجول في الشوارع وتتمركز في بعض الساحات ,تركنا  أولادنا لؤي وقصي عند جيراننا وتحركت مع أم لؤي باتجاه بيتها
 .... وبصعوبة بالغه وصلت مع زوجتي أم لؤي إلى بيت الوالده  قطعنا المسافه سيراً على الأقدام بين بيتنا الكائن قرب جامع الروضه في حي السبيل وبيت الوالده عند أول شارع فيصل قرب جسر القطار بزمن أمتد إلى ساعه ونصف عوضاً عن خمس وعشرين دقيقه في الحاله الطبيعيه وذلك لمرورنا على أكثر من ثمان حواجز كل حاجز لا تعرف من صاحبه ولمن تعود ملكيته..يسألوننا عن بطاقاتنا الشخصيه...عملنا.. وجهتنا..هل لدينا أحد من الأقارب والأصدقاء في المعتقل...ولكن القضية ليست هنا بل عندما اقتربنا من بيت الوالده حيث بدأ يطرق مسامعنا صوت ضجيج مجنزرات تبين لنا عن قرب أنها دبابات عائده ملكيتها لشفيق فياض قائد الفرقه الثالثه متجهة باتجاه منتزه السبيل.. وليت الأمر كان مقتصراً على هذا الاستعراض الذي يتماشى مع استباحة  البلد من قبل عصابات الأسد, إلا أن هذه الدبابات كانت تجر وراء كل منها شاب فقد حياته مقيداً رجليه بسلسله  معدنيه إلى حلقه خلف الدبابه رأسه يهتز صعوداً وهبوطاً حسب تضاريس الطريق... اهترأت ألبسته... وانسلخ جلد رأسه وظهره باستباحة مبتكره لآدمية البشر  وهي تدور بجثث هؤلاء الشباب شوارع المدينه في عملية يخجل منها مجتمعين هولاكو وكيم إيل سونغ وهتلر وستالين ومناحيم بيجن  ...
بعد هذا المشهد الإجرامي مكثت وزوجتي لفتره غير قصيره
 في حالة ذهول لأشهر لم تفارقنا الكوابيس ليلة واحده
 أعزائي القراء هذا ما كتبته عن جرائم النظام في عامي ١٩٨٠ و١٩٨١ والفريده في ابتكارها ...أكتفي بهذه المواقف وإن كان هناك مواقف أخرى لا تقل إيلاماً عما ذكرت ..قد يكون لها مناسبة أخرى نعود إليها, واليوم إخوتي وأخواتي يُنفّذ الوريث دروس أبيه بل ويزيد عليها ما سهى عنه حتى صار علم ابتكار الجرائم بحق الشعوب حقاً محفوظاً لآل أسد.

   فبعد مرور ثلاثين عاماً على جرائم الأب..يفتح الابن كتب أبيه ليختار من مؤلفاته ما يساعده على إعادة المارد السوري إلى القمقم  ولكن هيهات له أن ينجح, فالشعب اتخذ قراراً حاسماً وهو : الشعب يريد إسقاط النظام ومحاكمة كل رمز من رموزه وعن كل يوم من أيام حكمه وحكم أبيه وإن غداً لناظره قريب.
مع تحياتي

المهندس هشام نجار
المنسق العام لحقوق الإنسان - الولايات المتحده
عضو في المجلس الإقليمي لمناهضة العنف والإرهاب وتعزيز الحرية وحقوق الإنسان

هناك تعليق واحد:

  1. فاعوري اصلي ابن عفنان15‏/01‏/2012، 12:38:00 ص

    النصر قادم باذن الله وسيذهب بشار واتباعه الى اوسخ مزابل في التاريخ

    ردحذف