الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-03-04

ويسألونك عن الحقائق: قل هذه هي أسباب الاحتقان في لبنان (2) – بقلم: فادي شامية


يريد الأمين العام لـ "حزب الله" حقائق لا افتراءات، تشرح له أسباب الاحتقان، غير "التحريض الذي ليس له حدود". يسأل: "التحريض على ماذا يستند؟ هل يستند على حقائق؟ أو على افتراءات وأوهام؟ هذا الذي يجب أن نُدقق فيه وأن نبدأ من هنا. إذا كان يستند على حقائق، تعالوا لكي نُواجه بعضنا بهذه الحقائق".

وللتدليل على أن الاحتقان أساسه التحريض؛ يرمي السيد حسن نصر الله جملة ملفات انتقائية ليسأل عن علاقة حزبه بها؛ الانتخابات- ملف ذي صلة بمخابرات الجيش- ملف أمني ذي صلة بالقضاء العسكري- اغتيال اللواء وسام الحسن- التوتر في صيدا.


أولاً: في الانتخابات يستدل نصر الله بالتناقض في خطاب الخصوم؛ "هم يقولون إن حزب الله يعمل ولديه الفرصة مع حلفائه ليحصلوا على الأغلبية في الانتخابات المقبلة... دع الذي يتهمنا يشرح لنا كيف نحن نريد أن نؤجل الانتخابات". والواقع أن الحزب لا يريد تأجيل الانتخابات إلا إذا أيقن أنه سيخسرها. وفق قانون الستين سيخسر الانتخابات، ووفق القضاء أو الدائرة الصغرى يخسر الانتخابات، ووفق غيرها من القوانين قد يخسر الانتخابات، لذلك لا يوافق الحزب إلا على قانون يربِحُه الانتخابات، فالمسألة إذاً ليست خوف خصوم الحزب من تنامي شعبيته، على اعتبار أن الواقع يدحض ذلك، ولا الخوف لأن "14 آذار" ليست على ما يرام، فخصومة الحزب تجمعها، وليس الخوف من تراجع قوة "المستقبل" الانتخابية (لأسباب ردها نصر الله للعسرة المالية)، لأن المنافسين في الشارع السني أكثر خصومة للحزب من "المستقبل"... إنما المسألة أن نصر الله يريد النسبية؛ فيكسب بذلك في ساحة الآخرين حيث حرية الحركة متاحة، خلافاً لما عليه الحال في ساحته، فيكون بذلك ضمن نتيجة الانتخابات. هذا ما يريده الحزب من النسبية بدليل أنه قدّم طرحين متناقضين لكن يجمعهما عامل النسبية؛ القانون المسمى أرثوذكسياً، الذي يقسم البلد مللاً ونحلاً، وقانون لبنان دائرة انتخابية واحدة الذي يجمع البلد كلها في بوتفة واحدة، وكلاهما مقبول لديه للسبب نفسه. هل من وقائع تؤكد ذلك؟ فليرجع أي متابع لأرشيف الأخبار التي سبقت الدورة الماضية للانتخابات؛ هل يجد ذكراً لمهرجان انتخابي واحد في الساحة الشيعية يخالف "حزب الله"؟ بالتأكيد سيجد صرخات أصوات شيعية كثيرة اعتُدي على بيوتها وممتلكاتها وهُددت وخُونت لأنها تجرأت على منافسة الحزب في ساحته. الدولة كانت عاجزة والسلاح حاكم وهذا الحال ما زال سارياً إلى اليوم. 

ثانياً: في الأحداث الأمنية في عرسال وعكار وفي ملف الموقوفين الإسلاميين؛ وضع نصر الله الكرة لدى الأجهزة الرسمية، وهذا صحيح، لكن نصر الله نفسه أشار إلى ما يقوله الناس -ولو أن فيه مبالغات-: "مخابرات الجيش تأتمر بأوامر حزب الله... حزب الله هو الذي يسيطر على القضاء اللبناني...المجموعة التي دخلت إلى عرسال هي من حزب الله"... ثم عقّب بالقول: "هذا كله كذب وافتراء". غير أن هذا الجو (الاعتقادات) له ما بُني عليه، إذ لا يمكن للسيد نصر الله ولا لغيره أن ينكر نفوذ الحزب لدى مخابرات الجيش، فالتنسيق الأمني قائم منذ سنوات، تحت عنوان المقاومة، وقد تطور إلى مسائل أخرى، بحيث بات بمقدور الحزب توقيف الناس (خصوماً أو متهمين بالعمالة) ويحقق معهم ثم يسلّمهم إلى مخابرات الجيش ليحالوا بعدها إلى القضاء. حدث هذا في 7 أيار المعيب، وهو يحدث دائماً عندما يوقف الحزب من يتهمه بالعمالة (آخرهم طلال خليل الذي وقفه الحزب في 25/11/2012  وسلمه لمخابرات الجيش بعد أكثر من ثلاثة أشهر!)، إضافة إلى أن كثيراً من عناصر الحزب تحمل بطاقات وتصريحات خاصة صادرة عن مديرية المخابرات كما هو معلوم. هذه حقيقة تضارعها حقيقة نفوذ "حزب الله" الواضح لدى المحكمة العسكرية؛ بدلالة محاكمة المتهم المزوَّر بقتل الضابط الطيار سامر حنا، محاكمة شكلية، وبدلالة نيل العميل العوني –حليف الحزب- فايز كرم حكماً لا يتناسب مع حجم الجرم خلافاً لبقية العملاء، دون أن نغفل تأذي صورة مخابرات الجيش والجيش عموماً لدى الناس بعد 7 أيار 2008.  يضاف إلى ذلك التحريض المستمر على الموقوفين الإسلاميين والحالة الإسلامية كلها من قبل حليف الحزب الإستراتيجي؛ التيار العوني، ما يزيد من تأجيج المشاعر. هذه حقائق كلها؛ وقائع لا افتراءات.

ثالثاً: في اغتيال اللواء الحسن: لا يمكن لأي متابع للاغتيال إلا أن يربطه باكتشاف خلية سماحة- المملوك، وبنشاط الحسن الكبير في الجرائم التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ثمة اتهامات موجهة لـ "حزب الله" في هذا المجال؛ والحزب لا يقدم إلا ما يزيد الشكوك؛ ففضلاً عن مساره المناهض للمحكمة منذ قيامها، فقد رفع الحزب من قدر أربعة متهمين لديه بقتل الحريري لدرجة القداسة، متحدياً مشاعر المؤمنين بالمحكمة برفضه تسليمهم "لا بسنة ولا بسنتين ولا بـ 600 سنة"، ثم جاءت محاولة اغتيال النائب بطرس حرب فأضاف نصر الله إلى قديسيه محمود حايك المتهم بالجريمة، بدعوى أمن المقاومة، فمنع توقيفه أشهراً إلى أن سلمه مطلع الشهر الماضي، وسط شكوك في أن يتكرر مشهد المتهم بقتل الطيار سامر حنا. هذه الوقائع -وغيرها الكثير- هي الحقائق التي يبني عليها الرأي العام اتهاماته وشكوكه تجاه "حزب الله".

رابعاً: في التوتر في صيدا: تعمّد السيد نصر الله نقل متابعيه إلى مكان غير صحيح؛ "السكن في صيدا أصبح يحتاج إلى إذن من هذه الجهة أو تلك الجهة"! غافلاً بذلك وقائع أساسية، ذلك أن الشقة محل الجدل في صيدا لا تقطنها عائلة شيعية وإنما شباب ينتمون إلى "حزب الله"، وقد ملؤوها سلاحاً، والأهم أن الكشف عن وجود السلاح ورفض وجوده لم يأت من الشيخ أحمد الأسير ابتداءً، وإنما جاء من سكان مبنى دندشلي حيث الشقة، وقد توجه هؤلاء إلى دار الفتوى وتحدثوا للإعلام عن رفضهم للوجود المسلح في المبنى، مؤكدين أن عناصر الحزب رفعوا السلاح بوجههم لإسكاتهم. يضاف إلى ذلك أن الشقة في بناية دندشلي لم يكن هذا حالها قبل السابع من أيار، ولم يكن السلاح فيها بهذا الشكل قبل أشهر خلت... هذه وقائع أساسية قفز عنها نصر الله محرضاً جماعته الذين أسماهم عقلاء للتحرك؛ فيما هو يرفض إخلاء الشقة من المسلحين، كما يرفض مجرد الكشف عليها للتأكد من خلوها من السلاح كما يزعم، لكنه استبدل مسار الحكمة هذا بالقول: "ما حدا يعمل حسابات غلط معنا" .

وغير بعيد عن هذه الملفات التي انتقاها نصر الله انتقاءً؛ ثمة أصل لذلك كله –أغفله نصر الله عمداً- هو السلاح خارج كنف الدولة، سيما وأنه صار جزءاً أساساً من المعادلة السياسية الداخلية، وقد استخدُم -أو هُدد باستخدامه- مرات عدة، ما أدى إلى إجهاض الانتصارات الانتخابية للقوى الاستقلالية كلها؛ انتخابات العام 2006 بفعل الاعتصامات ومحاصرة الحكومة وصولاً إلى التغيير بقوة السلاح، وانتخابات العام 2009 بفعل التلويح باستخدام السلاح مرة أخرى وقلب الأغلبية النيابية وإسقاط الحكومة بما يشبه الانقلاب.

وفي السياق عينه؛ يأتي الاستفزاز المستمر الذي يمارسه التيار العوني للشارع السني - سواء تجاه تيار "المستقبل" أو الإسلاميين- علماً أن هامش الفصل بين الحالة العونية و"حزب الله" لم يعد واسعاً في التفكير الجمعي للشارع السني؛ الذي يعتقد أن ما يفعله التيار العوني إنما هو بتوجيه أو برضا من "حزب الله".

ثم يأتي العبث في الشارع السني من قبل "حزب الله" الذي ينشر المال والسلاح ويؤسس لحالات مؤيدة له، فيما لا يمكن وصفه حرية عمل سياسي بريء، علماً أن الحزب نفسه لا يتهاون مع أي حالة اعتراضية في شارعه، ولو كانت ذاتية المنشأ ومدنية التحرك، فيسارع إلى مهاجمتها وتخوينها فقمعها.  ويأتي في هذا الإطار؛ الموقف من الثورة السورية، وتجييش "حزب الله" للشيعة من أجل دعم نظام الإجرام في سوريا، بالموقف والمال والسلاح والرجال.

وصولاً إلى التلاعب بـ "التمثيل السني الصحيح" من خلال التغيير القسري، فالتغييب القسري لرئيس أكبر كتلة نيابية تمثل أهم موقع دستوري سني في لبنان، والتلطي وراء "التمثيل المسيحي الصحيح" من خلال طرح قوانين انتخابية، هدفها القريب الإيقاع بين المسيحيين والسنة، والهدف الأبعد السيطرة الكاملة على البلد.

هل يجوز للسيد نصر الله أن يدعي بعد هذه الوقائع كلها أن الاحتقان في البلد مبني على افتراءات وأوهام؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق