الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-03-04

... ويسألونك عن الحقائق: وقائع تورط "حزب الله" في الدم السوري – بقلم: فادي شامية


المستقبل - الأحد 3 آذار 2013 - العدد 4620 - شؤون لبنانية - صفحة 4
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=561378
يحار المرء عندما يسمع الخطابات المنمقة للسيد حسن نصر الله، وقد ضمّنها عظاتٍ دينية، وتذكيراً بالآخرة، وهي تطفح بالاستكبار والتهديد والإساءة! يعجب كيف يحرّف الحقائق وينتقي الوقائع ليرسم الصورة التي يريد؛ ثم يسأل عن الوقائع في معرض الافتراءات. في خطابه الأخير فقرات كثيرة تستدعي فعلاً التذكير بالوقائع، وتبيان الافتراءات؛ لكن ضيق المقام يحصر المعالجة بشق واحد هو الشق السوري، باعتبار أن كثيراً من الوقائع المتعلقة به غير معلومة بالمقدار المطلوب (على أن يعالج الشق اللبناني بمقالة ثانية).  


ما أراد السيد نصر الله قوله -في الشق السوري- أنه وحزبه والشيعة ضحايا عصابات إرهابية في منطقة الهرمل- القصير، وأن الدولة تركت هؤلاء لمصيرهم فحملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وما عدا ذلك افتراءات، فـ "لا سيطرة على أي قرية سنية، أو يسكنها أهل سنة، في تلك المنطقة على الإطلاق، والذي حصل هو العكس. المعارضة المسلحة هي التي قامت في الأشهر القليلة الماضية بالسيطرة على قرى يسكنها لبنانيون شيعة وقامت بتهجيرهم وحرق بعضهم".

أضاف نصر الله: "أهم ما نحتاجه لنأخذ موقفاً صحيحاً هو الاطلاع على الوقائع. عندما تأتي حضرتك وتقول لي هناك مخطط، هناك مشروع؛ آتني بدليلك، آتني بمعطى، معطى حسي، معلومة، سند، أي شيء". ومع أن نصر الله نفسه لم يأت بأي دليل على ما نفاه (باعتبار أن البينة على من ادعى وفق خطابه إياه) ولا على ما ادعاه؛ إلا أن الوقائع التي طالب بالبناء عليها تشير إلى عكس ما قال تماماً.

أولاً: في معرض نفيه السيطرة على أي قرية سنية؛ أكد نصر الله أن حزبه يسيطر على القرى الشيعية في ريف القصير، وهذا بحد ذاته إقرار بالتدخل في الشأن السوري، لأن القرى ذات الغالبية الشيعية هناك تخضع للسيادة السورية من جهة، وتضم عائلات لبنانية وسورية من جهة أخرى؛ وهذه القرى هي: الجنطلية- الفاضلية- حاويك- بلوزة ( سكان هذه القرى الأربعة شيعة سوريون ولبنانيون)- الديابية (سكانها شيعة سوريون بالكامل)، إضافة إلى القرى التي تضم لبنانيين فقط: الصفصافة-الحمام-مطربا-زيتا-كوكران-وادي حنا. في هذه القرى سلّح الحزب الأهالي من لبنانيين وسوريين، وفرض سيطرته الكاملة، ولما كانت تلك القرى تضم لبنانيين أو سوريين سنة، فقد فرض عليهم الحزب هجرة قسرية؛ تحت طائلة الاعتداء على الأنفس والأعراض. وبالوقائع يسري هذا الوضع على قرية الصفصافة (500 نسمة من السنة والشيعة اللبنانيين؛ تهجر أهلها السنة منها) وبلوزة (قرب الحدود وسكانها لبنانيون وسوريون سنة وشيعة) وحاويك (2000 نسمة سكانها لبنانيون وسوريون سنة وشيعة).     

ثانياً: لم يكتف الحزب بالقرى الشيعية أو المختلطة -في المذهب أو الجنسية- التي احتلها؛ وإنما مد سيطرته إلى القرى السورية المجاورة. وبالوقائع يسيطر الحزب بالرجال أو النيران على القرى الآتية: المصرية- السوادية (سكانهما سنة سوريون)- البجاجية (قرب قاعدته في زيتا وسكانها سنة سوريون)- السمكانية (سكانها سنة سوريون هجّرهم الحزب بالكامل)- السماقيات (سكانها سنة سوريون طلب الحزب منهم حمل السلاح معه أو المغادرة)- أكوم (هجّر الحزب أهلها ونهب الممتلكات). ويحاول الحزب من خلال معارك ريف القصير احتلال المزيد من القرى السورية (أهلها سنة بالكامل) وهي: أبو حوري- البرهانية- النهرية- سقرجة- الأذنية- الخالدية. 

ثالثاً: يستخدم الحزب الأراضي اللبنانية في الحرب الدائرة على طول الحدود مع القصير؛ مرابض مدفعية نشطة في جرود الهرمل تقصف الداخل السوري- معسكرات تدريب للسوريين واللبنانيين في الهرمل وبعلبك لإعدادهم للقتال في سوريا - معسكر اعتقال في بلدة القصر المقابلة للقصير... وهذه الوقائع تعني أن المسألة أكبر بكثير من لبنانيين يدافعون عن أنفسهم في قرى داخل سوريا.

رابعاً: إذا كان صحيحاً أن الذي يقاتل في القصير لبنانيون شيعة من أهل المنطقة؛ فما بال شهداء "الواجب الجهادي" يشيَّعون في بعلبك والجنوب والضاحية الجنوبية؟ في الوقائع؛ أن الحزب شيّع كثيرين؛ وممن اعترف بهم رسمياً: علي حسين ناصيف المعروف بأبي العباس (30/9/2012)، وحسين عبد الغني النمر (7/10/2012)، وحيدر محمود زين الدين (1/11/2012)، وباسل حمادة (10/11/2012)، وربيع فارس (1/2/2013)، وحسين محمد نذر (2/2/2013)... وجميع هؤلاء ووروا الثرى في مقابر في البقاع أو بيروت أو الجنوب، علماً أن قتلى آخرين للحزب شيّعهم بعيداً عن الإعلام، بما في ذلك قتلى المعارك الأخيرة في ريف القصير، الذين اعترف مصدر بالحزب بسقوطهم.

خامساً: حصر السيد نصر الله تورط حزبه بمنطقة القصير؛ لكن الوقائع والشهادات المتزاحمة تؤكد تورطه فيما هو أبعد من ذلك بكثير؛ ففي منطقة السيّدة زينب في ريف دمشق يقاتل الحزب بشراسة تحت عنوان: "الدفاع عن مقام السيدة زينب"، ويمتد نشاطه إلى أحياء أخرى في دمشق؛ الحجر الأسود، وأبو رمانة، والمزة. ويقاتل الحزب أيضاً في مدينة الزبداني، وفي بصرى الشام، وقرب مطار دمشق، وفي نقاط قريبة من الغوطة الشرقية وفي منطقة القلمون السورية، ومناطق أخرى تصل إلى حلب، وفي هذه المناطق جميعها بث الثوار أفلاماً تؤكد ذلك (أشار نصر الله في خطابه إلى أفلام "يوتيوب" فيها نداءات طائفية في منطقة القصير متخذاً منها دليلاً على وجود جماعات إرهابية). كما أن الإعلام الحربي التابع للواء أبي الفضل العباس (يضم مقاتلين شيعة لبنانيين وعراقيين وإيرانيين) بث مؤخراً مشاهد لقتال هذا اللواء للدفاع عن مقام السيدة زينب؛ تظهر –بفخر- عناصر للحزب المذكور يقاتلون في سوريا.  

سادساً: في الوقائع أيضاً؛ أن تورط الحزب في الدم السوري لم يبدأ قبل عدة أشهر، ولم ينحصر بـ "الدفاع" عن قرى حدودية يسكنها لبنانيون شيعة كما يزعم نصر الله؛ إذ لا يستقيم عقلاً أن تتحول غالبية الشعب السوري من محبة السيد حسن إلى بغضه وحرق صوره منذ الأسابيع الأولى للثورة بلا سبب. ثمة شهادات هائلة على تورط الحزب في دعم النظام بالرجال حتى في الأشهر الأولى، يوم كانت الثورة سلمية بالكامل، وعلى سبيل المثال لا الحصر: بيان "ائتلاف شباب الثورة في سورية" في 20/3/2011، وبيان طلاب جامعة دمشق في شهر نيسان 2011، وشهادة الجندي المنشق والفار إلى تركيا أحمد خلف في 12/6/2011، (شهادته موثقة، لصالح منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة)، وشهادة المقدم السوري المنشق حسين هرموش في 14/6/2011 (القائد الأول لـ "الجيش الحر")، وشهادة الجندي في الحرس الجمهوري المنشق وليد القشعمي في 21/7/2011، وشهادة محامي حماة العام عدنان البكور في 29/9/2011، وشهادة شيخ الثورة السورية الضرير أحمد صياصنة في 16/3/2012، وشهادة العقيد أبو ياسين في1/4/2012، وغيرها كثير من الشهادات التي تؤكد تورط الحزب المذكور في الدم السوري منذ بدايات الثورة.

سابعاً: مع أن خطابه كان غارقاً في المذهبية – "لأنه لا يوجد الآن أناس لا يتكلمون إلا بهذه اللغة" كما قال- إلا أن ذلك لم يمنع السيد نصر الله من التأكيد أن "النزاع في سوريا ليس نزاعاً سنياً شيعياً" وهذا صحيح، باعتبار أن الحاصل في سوريا ثورة شعب عظيمة، دون أن يعني ذلك عدم وجود نزعات طائفية داخل الثورة؛ أشار إليها السيد نصر الله في الخطاب إياه، لكن من الذي يغذي النزعة الطائفية في الصراع الدائر في سوريا؟ أليست إيران التي تضع ثقلها إلى جانب النظام المجرم (صرّح الشيخ مهدي طائب، القريب من المرشد خامنئي: أننا لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم الأهواز فسنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا التي هي المحافظة الإيرانية رقم 35، وهي تعد محافظة إستراتيجية بالنسبة لنا... لهذا اقترحت الحكومة الإيرانية تكوين قوات تعبئة لحرب المدن قوامها 60 ألف عنصر من القوات المقاتلة لتستلم مهمة حرب الشوارع من الجيش السوري)؟ أليست دعاية "حزب الله" في أوساطه أن "الدور جايي علينا إذا سقط نظام بشار"؟ أليس حثهم الشباب على الدفاع عن مقام السيدة زينب "كي لا تسبى مرتين"؟ أليست دعاوى مواجهة السفياني –الذي هو "حتم من الله"... "سيخرج من الشام".. و"يملكها"-؟! من الذي يبث هذه الأفكار في الشارع الشيعي أليس "حزب الله"؟


أخيراً يسأل السيد نصر الله من منطلق الضحية: "ماذا فعلت الدولة لثلاثين ألف لبناني موجودين هناك (في القصير)، وليس كلهم شيعة بل من مختلف الطوائف، ماذا فعلت لهم؟، وماذا سعت لهم؟" في حين أن الحكومة وأكثر الأجهزة الرسمية تخضع لقرارات الحزب وسياسته؛ إما بحكم القانون انطلاقاً من تابعيتها للحكومة الخاضعة للحزب، وإما بحكم نفوذ "حزب الله" الواضح في غير جهاز رسمي؛ فهل يسأل حزب الله نفسه، أم أنه محترف في قلب الأدوار؟! وفي مطلق الأحوال؛ إذا لم تفعل الحكومة شيئاً للبنانيين في سوريا، فهل يجيز ذلك للحزب أن يدخل الحرب في هناك نيابة عن الدولة وعن اللبنانيين؟ من أوكله هذه المهمة؟ ومتى طالب أصلاً الحكومة –الذي هي تحت سيطرته- ليسمع ردها؟

إنها الأسئلة الواجبة في معرض الوقائع التي طلب السيد نصر الله البناء عليها! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق