الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-03-18

الحكومة المؤقتة ...لماذا؟ - د. مصطفى الحاج حامد


الثورة السورية أختلفت عن كل أخواتها من ثورات الربيع العربي، لأسباب عديدة، منها مايتعلق بأهمية موقع سورية الجغرافي الاستراتيجي، وخصوصية بلاد الشام وطبيعة الصراع العربي الاسرائيلي من جهة، والتنازع الطائفي السني الشيعي من جهة أخرى, ومنها ما يتعلق بطبيعة الشعب السوري وحبه للزعامة والصدارة والأنا المرضية التي تكاد تطغى على كل الأصعدة الثورية، السياسية منها والعسكرية ،حتى على العمل الاغاثي والطبي. ويخطئ كثيراً ويجافي الحقيقة والواقع من يظن أو يتوهم أن هذا يخص المعارضة الخارجية دون أهل الداخل، فليست سلبيات الداخل بأقل من الخارج التي بدأت تظهر وتزداد مع توسع المناطق المحررة وانحسار خطر النظام وتهدديه. فهذه صفات عامة لكل الثورة السورية.


عدم التعود على العمل المؤسساتي واحترام قوانينه وواجباته وأصوله من قبل المنتخبين والناخبين، والسعي العجول لتثبيت موطئ قدم في المستقبل السياسي  ولو حساب الثورة، تقديم المصلحة الشخصية والجهوية والحزبية والفئوية على المصلحة العامة في كثير من الأحيان، بجانب فقدان الخبرة السياسية، كلها سلبيات كان لها الأثر السيئ على عمل المجلس الوطني بشكل عام  والائتلاف الوطني بشكل خاص. 

عشية تشكيل الائتلاف، التي جاءت في يوم أنجز المجلس الوطني إعادة هيكلته وإنتخاب أمانته العامة، كان سقف الآمال المعلقة على الوعود الوردية بدعم السلاح النوعي والاغاثي والطبي عالياً جداً، مما دفع حتى المترددين وأصحاب الرؤية السلبية للإئتلاف يغيرون رأيهم بين ليلة وضحاها، وبضغوط خارجية تم تشكيل الائتلاف ليقود الثورة، وكان المطلوب من المجلس الوطني أن ينهي دوره تلقائياً بنفسه ويفسح المجال لغيره قيادة المرحلة الجديدة.

عدم تحقق أي من تلك الوعود بدعم الائتلاف وظهور الخلافات التي بدأت تطفوا على السطح مبكراً، وعدم تمكن الائتلاف من العمل المؤسساتي بشكل يمنع التصرفات الفردية والمبادرات الشخصية جعلت الآمال التي علقت عليه تتلاشى مع مرور الوقت. وعلى عكس ذلك كان المجلس الوطني- رغم فقدانه لبريق الاضواء- يستعيد أنفاسه ويلملم أطرافه وينظم مكاتبه من جديد، ويكثف جولاته وزياراته للداخل والخارج ، ليثبت أنه هو الجسم الأساسي المحرك  للمعارضة السورية وقلبها النابض وأن بقاءه على الساحة كان لمصلحة الثورة السورية. وأكبر دليل على ذلك هو الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة الانتقالية التي كلها من أعضاء المجلس الوطني السوري.

هذا الوضع جعل المعارضة السورية تبدو كأنها جسم برأسين ومركب بقبطانين، مما سبب حالة من الحرج  والارباك لكل من الطرفين ولأهل الداخل والخارج ولكل  الدول التي تتعامل مع المعارضة السورية. ومن هنا قد تكون الحاجة لتشكيل الحكومة المؤقتة حاجة ماسة على الأقل لإصلاح هذه الصورة ولملمة الصفوف وتوحيد الجهود العاملة وقيادة المرحلة القادمة بمركزية واحدة. وهذه لوحدها كافية للدفع بتشكيل هذه الحكومة.

 المناطق المحررة -التي تزداد وتتوسع مع مرور كل يوم - وحاجتها لإدارة وطنية جامعة تقوم على تنسيق الجهود وتنظيم العلاقة بين المجالس المحلية والقوى الداخلية، يجعل من الواجب الاسراع بتشكيل هذه الحكومة، فالحياة لا تقبل الفراغ وسيأتي من يملئ هذا الفراغ إن لم نبادر لأيجاد من يقوم به بشكل يؤمن سلامة الوطن والمواطن.

من يعارض تشكيل الحكومة له مبرراته المحقة وتحفظاته الحقيقية، فحكومة بدون تأمين- وليس وعود كما وعد المجلس والائتلاف - دعم مادي كافي، وبدون تعهد باعتراف دولي رسمي لهذه الحكومة، سيجعل الفشل نهايتها المحتومة، والخوف من أن تصبح جسماً ثالثا للمعارضة السورية بجانب المجلس والائتلاف. يضاف لهذا، الخشية من أن تكون الحكومة هي بداية لمشروع التقسيم ،بعد أن يصبح هناك حكومتين معترف بهما من قبل أطراف مختلفة  في بلد واحد.

لكن برأيي المضي في تشكيل الحكومة بعد هذه المرحلة أصبح ضرورة وحاجة ماسة لا يمكن التراجع عنها، وعدم وجود البدائل قد يكون أحياناً هو الحل الوحيد الذي لا يمكن تجاوزه والحياد عنه، وقد يكون الشر الذي لابد منه والمخاطرة التي يجب خوضها بدون تردد على أسوأ تقدير.

الحكومة المؤقتة من أهم الاختبارات الصعبة التي على المعارضة السورية النجاح بها، ومن أدق المراحل التي يجب تجاوزها بحذر شديد ،فنجاحها نجاح للثورة السورية وفشلها فشل وخيبة أمل لكل سوري في الداخل والخارج. التحديات الداخلية حساسة وكبيرة والمكائد الخارجية مخيفة وكثيرة، التكالب الايراني الروسي أمام العجز العربي والتواطئ الدولي يجعل هذه الحكومة هي قميص من نار لا يلبسه إلا الأبطال.

 الحكمة والخبرة في معالجة التحديات،  التضحية والصدق والاخلاص والايثار و تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والفئوية والحزبية، تأجيل الطموحات الشخصية وكبت الأنا المرضية في هذه المرحلة الحرجة أهم ما نحتاجه لحماية ثورتنا من الانزلاق في مخاطر كثيرة يخطط لها أعداؤنا في الداخل والخارج وما أكثرهم. فهل نكون عوناً لهم أم عوناً للحكومة كي يتحقق النصر بدون تأخير أونقصان.
 د.مصطفى الحاج حامد    
طبيب وكاتب   
drmh2009@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق