الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-03-15

سياسة النأي بالنفس، والقضية السورية – بقلم: الدكتور عامر أبو سلامة


من أغرب الأشياء التي يسمعها المرء هذه الأيام، وتصك سمعه، وتدعوه للغثيان، قول بعضهم، لما يسأل عن القضية السورية: نحن ننـأى بأنفسنا، عن هذه القضية، ويفسر الأمر بتفسيرات مذهلة، ويفلسف الموقف، بلغة غريبة، لا تدري! هل هي لغة سياسة، أم اقتصاد، أم اجتماع؟ لا تدري، ولماذا لست تدري، لست تدري، وهذه واحدة من الأشياء التي تجعل الحليم حيراناً.

فان كان القائل عربياً، فأخلاق العرب ترفض هذا، لأن العرب اشتهروا بإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، ونجدة المستغيث، وعون المحتاج، وكانت لهم مواقف فتوة، في هذا الشأن، تدلل على عظيم كرم النفس عندهم، وكبير سعة الهمة، في حمل الضعيف، وكرم الضيافة.


لا يسألون أخاهم حين يندبهم           في النائبات على ما قال برهانا
وما حلف الفضول، عنا ببعيد، وبمثل هذه الأخلاق الحميدة التي كان العرب يتمتعون بها، صاروا مادة التأهل للدور الذي لعبوه، في تاريخ الحضارة الإسلامية، من هنا قال نبينا – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والحديث صحيح.

وأعتقد أن الذي يحدث في سورية، محك مهم، للأدعياء، والمتشدقين، وفضح لشعارات الزيف التي شغلوا الأمة بها، بل ظهر من هؤلاء شبيحة!!! من نموذج غريب، فالتشبيح ليس قتل إنسان أو ضربه أو سرقته فحسب، بل هو أشكال وألوان وطعوم وروائح، ومنها أن أقلب الحقائق، فأقف مع الجلاد ضد الضحية، ومع  القاتل في مواجهة المقتول، فهذا من أغرب الغريب، وأعجب العجب.

وإذا كان الأمر على المستوى الرسمي، حكومة، أو حزباً، نزيد الطين بلة، فمن سياستنا النأي بالنفس، فيتركب الفصل من مشهدين، ليس فيهما من الشهد شيء، بل هو مر كله.
            ************************************
وإن كانوا مسلمين، خصوصاً، إذا جمعوا بين العروبة والإسلام، فهم عرب، وهم مسلمون، فالإسلام يوجب علينا أن ننصر المظلوم، ونغيث المحتاج، ونعالج المكلوم، ونساند المضطهد، بكل أنواع المساندة، ونقف إلى جاني الحق، ونصطف مع قضية المسلم العادلة، حيث كان، مناصرين ومؤيدين ومدافعين عنه، ماله ودمه وعرضه، والدفاع عن أراضي المسلمين، من أفرض فروض الأعيان، والذود عن أعراض المسلمات، من ألزم لوازم النجدة، فالمسلم أخو المسلم لا يسلمه، ولا يخذله، بحسب امرأ سوءاً أن يرى أخاه المسلم، يفعل به كل هذا ثم ينأى بنفسه، فهذا من أكبر المدهشات، وأعظم المقلقات، وأفظع الكارثات، وأبشع المنظورات، وانتقام الله عظيم، وما كان بجارك، حلّ بدارك، نسأل الله أن يحفظ الناس، وأن لا يريهم مكروهاً، ولكنها سنة الله التي لا تتخلف، فالخذلان عاقبته وخيمة، ومن ظن أنه بهذا يسلم، فهو واهم، وأكلت يوم أكل الثور الأبيض.

والفقهاء تكلموا عن نظرية العقوبة بالترك، فالأفعال القبيحة لها عقوباتها، والتروك الشنيعة، لها تعزيراتها، فلا يعتقد أحد، أن هذا الذي يعلن، عن سياسة النأي بالنفس، يعمل صالحاً، لا والله، بل عين المصيبة يرتكب.  

( والله في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه)، فمن حق المسلم على المسلم، أن يقف معه في شدته، ولا حياد في هذا، والنأي بالنفس في مثل هكذا أمر، أخذ للنفس إلى الهاوية، هاوية المذلة، هاوية السياسة، هاوية الأخلاق، هاوية القيم، هاوية التاريخ، هاوية الجغرافيا، هاوية المستقبل، هاوية الواقع، هاوية الحاضر، هاوية الفرقة والشتات والتمزق.
                         **************************
وإن كانوا ليسوا مسلمين ولا عرباً، فالسياسي من تعامل بمكيال واحد، ولا يصح أن يكون انتقائياً، كما هو حاصل هذه الأيام في كثير من القضايا، ومنها قضية الشعب السوري وثورته العادلة، لقد عانينا وما زلنا نعاني، من الكيل بمكيالين، بل بمكاييل، في سياسة الدول، أو من خلال المنظمات الدولية، التي تزوق الأمور على مشتهياتها، وتكيفها على حسب مصالحها، دون النظر إلى القيم الإنسانية العليا.

فهذا والله، سبة على المجتمع الدولي، الذي يفاخر بالنظام الدولي الجديد، وعار على المتشدقين بحقوق الإنسان، أو حقوق الطفل، أو غير ذلك مما تعقد له المؤتمرات، وتصرف عليه الأموال الطائلة، اللهم إلا إذا لم يعتبروا شعب سورية، من البشر!!!! ليقولوها صريحة، لأن الشعب السوري، ملّ الانتظار، وشبع من الوعود، وسأم بيانات الشجب والتنديد.

أبعد كل هذه الكارثة، التي تقع على رؤوس أبناء الشعب السوري، هناك من يقول: سياستنا النأي بالنفس، فلا نتدخل بالقضية السورية، فيا فرحة النظام بكم.
              *******************************************
أما أولائك الذين يرفعون شعار النأي بالنفس، وعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي، من أمثال المالكي وحكومته، وفي الواقع يفعلون شيئاً آخر، ويتصرفون بطريقة ثانية، فهذه ألاعيب ما عادت تنطلي على أحد، فنقول لهم: كفاكم لعباً بالنار، فإن من يلعب بالنار، سوف تحرقه.

والأجرم منهم موقفاً، أولائك الذين ربطوا مصيرهم بمصير النظام، وصاروا جزءاً لا ينفصل عن مخططه في حرب الإبادة لأبناء الشعب السوري، وارتكاب المجازر الجماعية، فهؤلاء لا يمكن أن نطالبهم أن يقفوا مع الضحية، وأن تكون لهم مواقف إنسانية، فضلاً عن مواقف مناصرة للمظلومين من أبناء الشعب السوري، وهم يخوضون ثورتهم، ضد نظام البغي والفجور، فهذا موقف يحتاج إلى عقول غير هذه العقول، ونفوس مختلفة عن هذه النفوس، وقلوب لها وصف آخر، متمايز عن هذه القلوب التي في صدور هؤلاء، ولكن عليهم- ولا أقل من ذلك- أن يتبعوا سياسة النأي بالنفس، ويحسبوا خط الرجعة، ويتخلوا عن دعمهم لهذا النظام المجرم، قبل أن يفوتهم القطار، فيندموا، وساعة لات مندم.            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق