الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-03-21

الظلم وكاليجولا العصر الحديث – بقلم: د. عبد الغني حمدو


يمكننا تقسيم أنواع الظلم إلى قسمين رئيسيين:

الأول : الظلم الذاتي أو مايسمى بظلم الانسان لذاته وكما وردت في القرآن الكريم عندما تحدث عن بني إسرائيل والطلب من نبيهم موسى عليه السلام استبدال المن والسلوى بمأكولات أدنى  منهما , فقال عنهم الله تعالى (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
وفي أغلب الأحيان فإن ظلم النفس لايؤثر إلا على صاحبه , وتكون آثاره الجانبية على المجتمع قليلة أو معدومة

الثاني : ظلم الآخرين وهنا تقع المصيبة الكبرى عندما يكون الظلم نابعاً من الحاكم أو السلطة وتزداد شدة الظلم وتشتد على الآخرين عندما يتمتع الظالم بحرية مطلقة لاتجد من يردعه أو يحاسب هذا الظالم على ظلمه

فالتاريخ البشري حافل بالظلم وسفك الدماء ,بينما نجد أن العدل وفترات السلم تكون محدودة وسنواتها قصيرة جداً مقارنة بسنوات التلوث بالدماء الانسانية المسفوكة ظلماً وعدواناً  
في سنة (37-41 ) حكم الإمبراطورية الرومانية شخص اسمه (جايوث) والذي أطلق عليه الجنود اسم (كاليجولا) والتي تعني الحذاء الصغير , لانتعاله حذاءاً مكشوفاً كما يسمى عندنا (الكلاش) , تميز حكم كاليجولا بالظلم المطلق وإهداره للأموال وإذلال الناس والرعية , وحتى أعضاء مجلس الشيوخ أجبرهم على تقبيل قدميه , باعتبار هذه العملية هي شرف كبير يحظى به  من قبل قدميه ووصل فيه جنون العظمة تلك إلى تأليه نفسه , ومن الأمور الغريبة على سبيل المثال (كان يقدم المساجين طعاماً للوحوش في حفلة عامة (سيرك دموي ) شرط أن يكون السجين أصلع , والغريب في الأمر أن الإمبراطور ذاته كان أصلع )

واحتار المتتبعين لحياة كاليجولا وتصرفاته الغريبة في تفسير تصرفاته , وقد كتب عنه الكاتب الفرنسي (ألبرت كامي) مسرحية سماها باسمه محاولاً تفسير هذه الشخصية الغريبة في تصرفاتها
ولو تتبعنا حياة الطغاة على مر العصور لوجدنا أن هناك صفة مشتركة بينهم جميعاً هذه الصفة لم تكن وراثية تركيبية أو مظهرية وإنما هي صفة اكتسبت من ثقافة الشعوب كالشعوب الشرقية والتي اعتادت على حكامها في اجرامهم وظلمهم وأصبحت ثقافة متراكمة , فالحكم والسلطة فيها تقوم على حكم الفرد المستبد ,كالشمولية والديكتاتورية الفردية , أو الطائفية ..ألخ

هذه الحالة نتجت عن الحرية المطلقة للحاكم وغياب المحاسبة والتي يغيب معها الضمير الإنساني فيتحول الإنسان عندها لحيوان متعدد الأهواء مفترس شرس يغيب عن تصرفاته الحكمة ويحل مكانها الأهواء الشخصية , والحاكم المستبد والذي لايجد رادعاً أخلاقياً أو رادعاً إنسانياً يتمادى في تصرفاته , فهو يشعر بالعزلة الداخلية والملل , وبالتالي يجد فسحة من التسلية في تعذيب الرعية ويخترع الطرق الكفيلة بتمضية بعض الوقت في توجع الآخرين
لنعرج بعدها عن الأحداث التي تجري الآن في سوريا , ولعل الكثير الكثير من الناس يتساءلون, عن الأسباب التي جعلت من بشار المجرم أن ينحرف بتصرفاته عن تصرفات البشر وينحدر لتصرفات أبشع المجرمين وأخسهم وأنذلهم على الإطلاق , فقد سمعنا عن الكثير من الحكام الطغاة والمجرمين والقتلة ولكن من النادر أن تسمع عن حاكم يحاول بشتى الوسائل إبادة الشعب الذي تولى حكمه من بعد أبيه فهو يدمر كل شيء , ووصلت فيه الوقاحة في أن قال عن نفسه ومن خلال أعوانه أنه هو الله والرب والخالق .

لذلك يمكننا  القول أن أهم الأسباب التي جعلت سلوك إجرامه لامثيل له على مدى التاريخ البشري ينبع أساساً من تمجيد الناس له وشعوره المطلق بالحرية , وأن كل شيء يريده لابد من حصوله , عندها استهان بالناس الذين حوله وبالشعب كله وتفنن في الاجرام ضد الشعب السوري , والثورة السورية كانت مفاجئة له , ففي طفولته يشعر بحريته وطاعة الناس له , واستلم الحكم بدون معاناة , وأطاعه الناس ومجدوه وهللوا له ومنهم من عبدوه

وعندما تنظر للخارطة السورية الحزبية والمتمثلة في أحزاب المعارضة والموالاة , تسعى في جوهرها للحكم الفردي المطلق من خلال مفهومها العقدي المطروح داخل تلك الأحزاب , ومن النادر أن تجد من يؤمن بتعدد الآراء أوأن السلطة إن هي إلا مرحلة عابرة يرتبط وجودها بمدى نجاح مشروعها السياسي والاجتماعي والذي يهم الشعب

مع أن الحكم على بلدان الربيع العربي مازال مبكراً , ونتائجه مازالت غير واضحة المعالم , ولكن الثورة السورية تخطت جميع المقاييس المسموح فيها في التضحيات ضد نظام حكم مجرم ظالم , والسؤال هو:
هل ستسمح القوى السياسية والثورية في المستقبل بتنصيب حاكم يمتلك الحرية المطلقة في إدارة شؤون البلاد والعباد في المستقبل أم لا ؟
د.عبدالغني حمدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق