عندما تصبح الفتوى أداة رخيصة بيد الحكام ، ويصبح رجال
الدين يعملون بمهنة المحاماة للدفاع عن أسيادهم أمام القاضي العليم ، تأتي الفتاوي
مفصلة على مقاس الحكام ، ولكن هل تنطلي هذه الفتاوي على عامة الناس قبل أن تنطلي
على قاضي القضاة ، هذا ما جرى بالأمس حين تفاجئ السوريين بفتوى من مجلس الإفتاء
الأعلى السوري تقضي بأن الدفاع عن سوريا فرض عين على جميعِ أبناء الشعب السوري،
كما هو فرض عين على جميع الدول العربية والإسلامية، مؤكدا أن الوقوف في وجه الجيش
السوري ( الحر) خيانة ومساهمة في إضعاف قوته التي أُعدت ولا تزال للمعركة الفاصلة
ضد الصهاينة .
وأهاب مجلس الإفتاء بأبناء الشعب السوري القيام بالواجب
الشرعي، وبفريضة الالتحاق بالجيش ( الحر) للدفاعِ عن الوطن، وأكد أن الاستهداف
الجاري لسوريا هو بسبب مواقفها الداعمة لحرية القرار الوطني والكرامة الإنسانية
والمقاومة، ومواجهة العدوان الصهيوني وسياساته التوسعية.
وشدد على أن هدف الهجمة الاخيرة على سوريا، هو تفتيتها
كما فعلوا بعدد من الدول الأخرى بحسب تعبير البيان الصادر عن المجلس.
طبعا بعض العبارات ظاهرها جميل ، ومقنع ، ووطني ، وعروبي
، واسلامي ، لكن تأويل هذه العبارات والآيات والأحاديث التي تكأكأ بها مذيع
العصابة الاسدية ، لم يكن موفقا وخانه التعبير ، خاصة بعد أن افتضح أمر هذه الفتوى؛
وقبلها نداء البوطي في خطبة الجمعة الماضية بالقتال تحت راية الأمير بشار أمير
المؤمنين ، ومن مفارقات الزمن أن أحد المستجيبين لدعوته أراد الجهاد تحت لواء
الأسد لنصرة الإسلام لكنه بنفس الوقت يطلب فتوى في الصلاة كونها ممنوعة في الجيش
ويُعاقب عليها الضباط !! :
وهذا نص سؤاله :
" سؤال لفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي :
نحن مجموعة من الشباب الذي لبى دعوتكم للجهاد والنفير
العام تحت لواء سيادة الرئيس بشار الأسد وسننضم مباشرة للجيش العربي السوري حامي
البلاد والعباد من الاستعمار الأمريكي الصهيوني التركي القطري السعودي أعداء
الإسلام والمسلمين والذين كما نعلم جميعاً أرادوا لهذه الأمة أن تبتعد عن دينها
وإسلامها وأن تكون أداة بيد الفاسقين الليبراليين ..
السؤال هو : كما تعلمون سيدي فإن الصلاة ممنوعة في الجيش ويُعاقب عليها الضباط أشد
العقاب فهل يجوز لنا أن نجمع الصلوات الخمس لنصليها جميعاً في الليل وإذا ما
استشهد أحدنا خلال النهار هل تسقط عنه الصلاة التي لم يصليها " خوفاً من
العقاب " أو هل يجوز لنا أن نصلي صلاة الخائف لكن هنا بصراحة بشكل عكسي
فنختصر الصلاة لكي لا يرانا ضباطنا لا أعداؤنا .."
طبعا كل هذا الاستنفار من قبل مشايخ العصابة الأسدية هو دلالة
على النقص الشديد الحاصل في عديد القوات المسلحة ، والانشقاقات الكبيرة في صفوف
جيش الأسد ، وتخلف السوريين عن الالتحاق بالخدمة الالزامية ، وخاصة من الطائفة
العلوية ، فقد تحدث العميد المنشق أحمد رحال عن مجريات الخلاف في القرداحة بقوله: "
حين ذهبت مجموعة من عناصر الشرطة العسكرية وبأعداد كبيرة توجهت لمنطقة القرداحة
والقرى العلوية المحيطة بها من أجل تبليغ حوالي ( 2500 ) شاب علوي متخلفين عن
الخدمة الالزامية والاحتياط ، وجوبه الأمر بمعارضة الاهالي خوفاً على ابنائهم من
القتل، وحدثت بعض المناوشات مما اضطر بفروع الأمن باللاذقية للتدخل ، وحصلت ايضاً
بعض الاشتباكات مما دفع المشايخ للتدخل، وتم استدعاء مجلس مشايخ الطائفة حتى مشايخ
طرطوس (الداعمين لبشار بعكس مشايخ اللاذقية العلويين )، ووقعوا عريضة يطالبون بشار
الاسد بعدم طلب شباب الساحل العلويين للخدمة ، وان أراد الحفاظ على كرسيه فعليه أن
يصمد في دمشق والاعتماد على شباب الطائفة السنية فقط ، لان الطائفة العلوية قد
اشبعت من القتلى فداء لكرسي بشار، وأرسلت الرسالة لبشار، وهنا تدخل البوطي لدعوة
العامة للقتال تحت راية الأمير بشار و تبعه مفتي النظام بإصدار فتواه بدعوة الشباب
للالتحاق بالجيش الأسدي".
طبعا هذا الاستنفار له دلالة واضحة أن الأسد في الرمق
الأخير وهو يستنجد بأعوانه كي ينقذوه من الغرق.
أيضا دلالة على أن رصيده من العلمانيين قد نفذ لذلك لجأ
الى رجال الدين لتحريض العامة بلغة الدين .
وأنه فشل في دعوته لتقسيم سورية وبناء دولته الطائفية
لذلك عاد الى لغة الدولة الواحدة بعد أن خذله العلويين في تحقيق رؤيته تلك.
لكن المعضلة الكبرى أن الفئة المستهدفة من هذه الفتوى
جلها قد اكتوى بنار العصابة الأسدية .
وعاين اجرامه، و سيرى منهم قريبا - بإذن الله – النهاية
المحتومة فكيف يعقل أن يقصفه بشتى أنواع الأسلحة ثم يعود ليطلب منه النجدة .
أخيرا نقول لمشايخ الأسد نعم كلنا متفق على الجهاد اليوم
لحماية سورية والشعب السوري والحفاظ على الوطن ومقدراته ولكن من طاغية هذا الزمان،
قبل كل شيء، وهذا الجهاد شُرِّعَ لصيانة الدين والمال والنفس والعرض والأرض:
{يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبير وصدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ
به والمسجد الحرام وإخراجُ أهله منه أكبير عند الله والفتنةُ أكبر من القتل{.
وسوف نجاهد حتى يحصل المقصود ويتحقق الدفع، لأن صد
المجرمين عن سبيل الله تعالى أكبر، ولأن كفر النصيريين أكبر، ولأن قتل الأبرياء
وإخراج الناس وتعذيب الأسرى أكبر. والفتنة عن الدين بالحرب على الإسلام والحكمِ
بغير ما أنزل الله والاستهزاءِ بالدين أكبر عند الله ، كما قال الشيخ محمد أبو
الهدى اليعقوبي حفظه الله.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق