إن الواقع
السياسي لا يجب فصله عن ديننا الحنيف الخالد الذي جاء للبشرية كلها شرقا وغربا،
شمالا وجنوبا، عربا وعجما، فما السياسة الشرعية إلا جزء من تعاليم ومبادئ إسلامنا
الحنيف، لا يمكن أن تنفصل عنه، ولذا يجب أن تكون مواقفنا السياسية في التعامل مع
المجتمع الدولي منبثقة من الإسلام، رضي من رضي وغضب من غضب .. فلا وصاية لأي دولة
غربية على الثورة، ولا مجال للسماح لأي دولة في العالم التدخل في كيفية مسار
الثورة بعد الوحش !! فالثورة انطلقت سلمية فطرية، وحولها النظام بحماقته ومن حوله
العالم الغربي الداعم له والصامت عنه إلى
جهادية فطرية .. فلا مجال للعبث بفطرة الشعب الصافية النقية .. السلمية والجهادية
!!.
إننا لا نعجب أن ينصب عليها هذا البلاء، وهذه
المحنة القاسية من عدة جهات :
§
من الوحش
الطاغي الذي يرمي الثورة عن قوس واحدة ..
§
ومن الغرب (
أمريكا وأوربا ) : فأمريكا وأوربا مع النظام إلى أن تجد البديل الذي يتوافق مع
مصالحها، وان كانت تطالب مراوغة بتنحية النظام وأنه فقد شرعيته، فكلامها هذا جاء
على أساس ثقته من أن هذه الثورة السلمية لن تستطيع إسقاط النظام، ولهذا اكتفوا
بالشجب والتنديد والعقوبات العقيمة، فالثورة السورية ليس من ورائها مصالح نفطية أو
صنما يمجدها بديلا عن النظام، أو حارسا يحفظ لها أمن وحياة السرطان الإسرائيلي كما
حافظ عليها النظام الفاشي، ولقد كتبت
الصحف الصِّهيونية بالخط العريض : إنَّ تل أبيب تصلِّي للرب في أن يَحْفظ
بشار الأسد .!!!
§
ومن الشرق (
إيران وروسيا والصين ) مكرا وكيدا ودعما بكافة أشكال الدعم اللوجيستي والأمني .
§
ومن بعض الدول
العربية ( الجامعة العربية) يخذلونهم ويثبطونهم، ويرجفون في الإعلام والفضائيات
ويعوقونهم عن السير، ويلهثون وراء سراب السياسة الغربية ..
إن نجاح الثورة السورية هو الخوف وهو
البعبع والهلع للغرب وأذياله في الشرق، وذلك
من جهات عدة :
1- إن نجاح الثورة السورية هو نجاح للعدالة والحرية
وهذا ما لا يريده الغرب وإن كانت تتبجح بشعارات الحرية والعدالة والمساواة،
فشعاراتها خاوية، مفرغة من داخلها، ليس لها رصيد فطري أو روحي أو إيماني وإنما
رصيد مادي لا يسمن ولا يغني من جوع .
إن نيل الإنسان للحرية والعدالة والكرامة وفق منهج
الفطرة يعني التمرد على كل أنواع العبودية والتبعية للغرب، والذل والهوان، فالفطرة هي التي انتفضت في الثورة السورية،
ونفضت عنها الغبار الذي تراكم طوال السنين، نفضته وهي ترفع إصبع الشهادة مكبرة
الله اكبر، ولم تنفضه وهي تمد يدها للغرب أو للشرق . بل لله، "هي لله، هي لله
" .
وهذا ما يزعج الغرب الذي تعود أن يتجه العالم إليه،
ويتذلل إليه.
2-
إن نجاح الثورة السورية ووجود دولة عادلة ذات سيادة حقيقية هي تغيير في قوانين
اللعبة الدولية، بل لن تكون هناك لعبة من الأصل، فالثورة لا تلعب، بل تبني الإنسان
روحا وجسدا، وتصلح وتنير عقله ودربه، وتعيد للبلاد حضارتها، فكل شبر في بلاد الشام
كان منارا للعالم يستنير به، وشعاعا للعلم يهتدي به، وكل موضع قدم شاهد على العزة
والكرامة التي نالها الإنسان مهما كانت طائفته وملته في بلاد الشام .
وبالتالي سوف تكون هناك تداعيات إقليمية جديدة على
الساحة العربية تضعف من السياسة الغربية، وهذا ما لا يريده الغرب أيضا .
يجب على قادة الائتلاف الوطني والمجلس
الوطني وقادة الجيش الحر والثوار بشكل عام أن يعوا تماما معنى
ثورتهم وأهميتها بالنسبة إلى سوريا والى العالم، فالعالم لن يدعهم ينجحوا في
ثورتهم بكل سهولة، فسوريا تختلف عن تونس وعن ليبيا وأيضا عن مصر لما لها من
امتدادات في العراق ولبنان وفلسطين والأردن وتركيا ..
وهذا يتطلب من قادة الائتلاف الوطني
الاستعلاء على سياسة الغرب، والانتباه الى ما يحاك حولها من مؤامرات ومؤتمرات ليتحكموا
بها وفق مصالحهم وسياساتهم في المنطقة، فمهما كان موقف أوربا وأمريكا وروسيا
والصين وإيران وحزب اللات بين الشد والجذب، وبين خذ وهات، فكلهم تقف موقف العداء
من الإسلام والمسلمين ومن الثورة السورية .. وكلها تقف مع الدولة اللقيطة، ومن كان
في شك في ذلك فلنتأمل ولننظر إلى ما فعلته
السياسة، والدبلوماسية الدولية لقضية فلسطين، لقضية كشمير، لقضية
بورما حيث يحرق المسلمون أحياء ..
إن المحاولات المزعومة للاستفادة من التناوشات
والصراعات والاختلافات الدولية من أجل صالح الثورة السورية هو وهم وسراب فما زالت
دبلوماسية حل قضية فلسطين تدور وتدور ولا تصل من دورانها إلى شيء ..
ولذا كان من واجب قادة الائتلاف الوطني
عدم حضور هذه المؤتمرات ومقاطعتها، فليس الهدف من هذه المؤتمرات سوى تشتيت
الانتباه، وتمييع القضية، وإطالة عمر الوحش، وإنما كان على قادة الائتلاف إن
أرادوا أن يحضروا مثل هذه المؤتمرات أن يضعوا النقاط على الحروف من أول لحظة ..
وأن يعلنوا للعالم بكل عزة وكرامة إما أن
تكونوا مع الثوار أو مع الوحش .. فإن كنتم مع الثوار ادعموهم قلبا وقالبا، ماديا
ومعنويا .. وإن كنتم مع الوحش فأنتم
والوحش سواء فلا سلام ولا حوار.. وبيننا وبينكم الأيام .... وينتهي المؤتمر خلال
دقائق معدودة !!
إن الغرب والشرق لو سمع هذا الوضوح وهذا الحسم من
قادة الائتلاف الوطني لطأطأ رأسه وهرول يسترضى الثوار .. لأنه يعلم أن حياته
وبقائه ليس مرتبطا بوحش يفطس اليوم أو غدا، ولكنها مرتبطة بالشعوب، وبأمة تعبد ربا
واحدا، وترفع راية واحدة ..
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل
عمران:139)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق