آيات اليوم تتحدث عن نفسها ولا تحتاج فعلاً لا إلى شرح
ولا إلى توضيح، علينا فقط أن نتصور أنها تتنزل علينا مباشرة، وأنها تخاطبنا
مباشرة، وأنها تصف حالنا نحن بالذات، ثم نحاول فهم ما استشكل من كلمات فإذا بنا في
صميم الثورة، وفي صميم المعركة مع هذا النظام الجائر الظالم الكافر الذي ينتهك كل
الحرمات والمقدسات، وإذا بالقرآن يخاطب ضعفنا ويخاطب ترددنا ويستنفر عزائمنا،
ويشرح لنا وضع عدونا وحالته النفسية، ويحذرنا من التردد ومن النفاق، و يخبرنا أن
آجالنا مكتوبة لا مهرب منها ولا مفر.
يقول الله تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً {71}
وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ
أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً {72} وَلَئِنْ
أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً
{73} فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ
نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {74} وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ
أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ
نَصِيراً {75} الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ
كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء
الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً {76} أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ
الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ
يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا
لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ
قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ
تُظْلَمُونَ فَتِيلاً {77} أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ
كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ
مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ
قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ حَدِيثاً {78} مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا
أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً
وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً {79}
هذه حالنا تماماً في حالة الحرب، يأمرنا الله أن نأخذ
حذرنا أي أن نستعد ونحذر من أعدائنا، ثم يقول: انفروا واخرجوا للجهاد في جماعات
صغيرة أو كبيرة، أو في جيش واحد، وقد اختارت الثورة أن تكون كتائبها ثُباتاً أي
عدة جماعات متفرقة صغيرة نظرا لصعوبة الوضع خاصة عند بدء العمل المسلح.
بعدما توجب القتال انقسم الناس إلى أقسام: قسم يشري نفسه
في سبيل الله ويستجيب لأمر الله ويقاتل فيُقتل أو ينتصر. وقسم يقاتل مع الشيطان
والطاغوت والطاغية، وقسم ينتظر ويتردد ويتثاقل ويخترع الأعذار، فإذا انتصرنا جاء
مسرعاً ليقول: لقد كنت معكم بقلبي وكنت أدعو لكم وكنت أتمنى أن تنتصروا، وإذا أصاب
المقاتلين والثوار أي أذى فرح في نفسه لأن المصيبة لم تصبه هو وظن أن ما يلحق
الثوار من خسائر ودمار لن يصيبه ولن يصيب أهله ولن يصيب بيته، ولقلة عقله يظن أن
هذه نعمة من الله عليه فهو يعتقد أن الله يحبه إذ أنجاه من هذه المصيبة، ولا يدري
المسكين أنه قد تصيبه مصيبة أعظم، وأنه إن لم يشارك في الثورة فسيخسر الدنيا
والآخرة، ولا يرى أن الله يمد له في غيه لكي يزداد إثماً. أما إذا حصل نصر وفتح
للثوار فتراه يتحسر على أنه لم يكن معهم خاصة عندما يرى مغنماً لا يستطيع المشاركة
فيه، أو يرى شهرة لم يحصل منها على نصيب أو يرى منصباً لم يصل إليه، فيتمنى لا
حباً في العمل والجهاد والبذل ولكن طمعاً في المغنم والمنصب والمال والشهرة.
ثم يأتي التحذير لكل من لم يشارك في هذه الثورة بما
يستطيع: وما لكم....؟ ألا ترون جرائم هذا النظام؟ ألا ترون المشردين؟ ألا ترون
النساء والأطفال؟ ألا ترون القتلى والجرحى كل يوم؟ وأنتم أمام شاشات التلفاز
صامدون. لا يستفيد منكم أهلكم وإخوانكم وشعبكم شيئاً. ألا ترون الأطفال والنساء
يستغيثون كل يوم وينادونكم النجدة ويطلبون منكم النصرة؟ الأطفال والنساء والرجال
الضعاف الذين يتمنون الخلاص من هذا الننظام المجرم ويتمنون أن يستطيعوا مغادرة
قراهم ومدنهم بسلام لينجوا بحياتهم بعد أن فقدوا بيوتهم وأموالهم ومتاعهم وتجارتهم
وزراعتهم وصناعتهم. هؤلاء أمانة برقابكم ونصرهم واجب عليكم ودعمهم بكل ما تملكون
حق عليكم.
قاتلوا أيها السوريون، فأنتم خرجتم في سبيل الله وقلتم
هي لله، فلا تهنوا ولا تضعفوا ولا تترددوا، فأنتم مع الحق ومن كان مع الحق فهو
المنتصر، أما أعداؤكم فهم مع الشيطان ومع
الباطل وأنتم أمام هذا الاختبار الرهيب هل ستقفون مع الحق ومع العدل ومع الحرية أم
ستقفون مع الباطل ومع الشيطان ومع الذلة والمهانة والعبودية؟
ألم تر....؟ لقد كانت البداية سلمية وكان ينطبق علينا
قول الله تعالى كفوا أيديكم وانتصروا لحقكم بالحسنى وبالعمل السلمي الذي لا قتال
فيه واستعينوا بالصلاة والدعاء والصبر والإنفاق وقاوموا الظلم بما تستطيعون، ولكن
الأمر تغير والقتال فُرض علينا فكيف صرنا نخشى الناس ونخشى العدو ونتمنى أن الله
لم يكتب علينا القتال خوفاً ورعباً من الموت، وصرنا نسأل الله تعالى سؤال الشاك:
"لم كتبت علينا القتال؟" فيرد الله تعالى علينا: لم تخشون القتال أتخشون
الموت؟ ماذا تتأملون من هذه الدنيا؟ متاعها قليل وبهجتها قليلة ومهما طال عمركم
فيها وحصلتم على أموال وأولاد وشهرة فكل ذلك لا يساوي عند الله شيئا، والآخرة هي
دار القرار وهي الحياة الحقيقية وهي الملك الحقيقي والمتاع الحقيقي فلم تخشون لقاء
الله؟
ويذكرنا الله تعالى بأنه لا ملجأ ولا مفر من الموت، فهو
ملاقينا ونحن نسير كل يوم خطوة باتجاهه، على طريق مرسوم آخره لقاء الموت، في وقت
لا نعلمه، وفي مكان لا نعلمه، وبطريقة لا نعلمها. ولكنه قادم نحونا ونحن نسير
نحوه، فأين المفر؟ هل تظنون أن الموت كان بسبب القنبلة أو الرصاصة أو الصاروخ أو
لأنكم بقيتم في المكان الفلاني ولم تهربوا إلى المكان الفلاني؟ هذا تفكير من لا
يفقه معنى الموت، ولا يفقه معنى الحياة، ولا يفقه معنى إرادة الله تعالى والأجل
المحتوم منذ الأزل. كم من هارب من رصاص الموت ليموت على سريره حتف أنفه، وكم من
طالب للموت يقف بوجه الدبابات والصواريخ والموت يفر منه.
وكما قال الكارهون للقتال في زمن الرسول صلى الله عليه
وسلم له، يقول كارهوا القتال اليوم لمن يقاتل في سبيل خلاصهم وحريتهم وكرامتهم:
لولا أنتم لما حصل لنا ما حصل! كل ما يصيبنا من مصائب هي بسببكم وبسبب ثورتكم. وكل
ما يصيبنا من خير بسبب تقوانا وحب الله لنا (تماماً كمن قال: نحن أبناء الله
وأحباؤه). فنقول لهم كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأمثالهم: كلٌ
من عند الله. الإحسان والإنعام والمصائب والابتلاءات كلها من عند الله الذي خلقكم
ليبتليكم والذي سيجازيكم على أعمالكم خيراً بخير وشراَ بشر، ولكنكم لا تفقهون. ما
يصيبكم من خير فمن الله وبفضل الله وبإحسان الله، وما يصيبكم من شر فبأعمالكم
وبذنوبكم واختباراً لكم وابتلاءً، ويعفو عن كثير.
والحمد لله رب العالمين، وكفى به شهيداً على كل شيء،
سميعاً بصيراً، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
معتز فيصل
21.03.2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق