لاشك أن كافة ثورات الربيع العربي قامت لنفس
الأسباب الرئيسية من محاربة القهر والفقر والفساد، إلى تحقيق الحرية والعدالة
والعيش الكريم. ولاتختلف الثورة السورية عن أخواتها في هذه النقاط، ولكنها تزيد
عليها بواحدة هي أخطرها على الاطلاق. فالمشروع الذي أتى به الأسد الأب ثم الابن،
ولم يأت به القذافي ولامبارك ولاصالح ولا بن علي، أنهما قاما، بقصد أو بلا قصد،
على تغيير الهوية الدينية المذهبية للشعب السوري.
طبعاً يكفي سبب واحد من الأسباب الرئيسية المذكورة أعلاه لدفع أي شعب
للقيام بثورة على حكامه، فما بالك لو اجتمعت كلها معاً ومضافاً إليها تغيير الهوية
الدينية لبلد محافظ مثل سورية؟ من الواضح أن هذا المشروع هو (إيراني) بامتياز
ويهدف إلى استعادة أمجاد الامبرطورية الفارسية، ولكن هذه المرة عن طريق الغزو
الديني والثقافي والاقتصادي، وهذا مالم تخفه أو تخجل (الخمينية) من الجهار به. ومن
المفيد هنا أن نعلم أن (إيران) وحتى القرن السادس عشر كانت بلداً بأغلبية اسلامية
سنية، إلى أن استولى عليها (الصفويون) الشيعة بقيادة (اسماعيل الصفوي) في بداية
ذلك القرن وقاموا بتشييعها بحد السيف خلال فترة حكمهم التي استمرت لأكثر من قرنين.
وقد امتد نفوذهم أيضاً إلى الأحواز والعراق غرباً وأفغانستان وباكستان وتركمانستان
شرقاً وأذربيجان شمالاً وبعض مناطق الجزيرة العربية عبر الخليج جنوباً. إلى أن قام
ملك أفغانستان السني (كلزاي) بغزوهم وتدمير دولتهم في مطلع القرن الثامن عشر، ولكن
بعد أن كانت أغلبية الشعب الايراني والشعوب التي خضعت لسيطرتهم قد تشيعت. ويبدو أن
حكام (إيران الخمينية) رؤوا في نجاح التجربة (الصفوية) في تغيير المذهب الديني
لتلك البلاد دافعاً لتكرارها وللنظر هذه المرة باتجاه (سورية) بشكل خاص، ثم بقية
الدول العربية والاقليمية بشكل عام.
وكما سبق وشرحت في مقال سابق، فان المذهب
(النصيري) والذي سمي (بالعلوي) فيما بعد، نشأ في (عراق) العباسيين في القرن التاسع
منشقاً عن المذهب (الشيعي). ولكن مالبث أن قام الشيعة والسنة معاً بتكفير المذهب
الجديد لايمان أفراده بربوبية البشر، فهرب هؤلاء وأتوا إلى جبال الساحل السوري
وعاشوا منطويين على أنفسهم ومتعاونين مع كل غزو أجنبي عرفته البلاد. وحين وصل
الامام الخميني إلى السلطة في إيران عام 1980 كان (الأسد الأب) قد سبقه إلى
الاستيلاء على الحكم في سورية عام 1970. وقد وجد (الامام) في (الأسد الأب) ضالته
لاكمال (المحور الشيعي) ليصل به إلى البحر المتوسط، في حين وجد صاحبنا في (الامام)
ضالته كحليف اقليمي وسط محيط من الدول السنية العربية وغير العربية من حوله.
ولهذا، وبالرغم من العداء الديني والتاريخي الدموي بين المذهبين، إلا أن الرجلين وافقا
على ابتلاع كل ذلك والانخراط في تحالف أشبه بزواج المتعة يحقق كل واحد من خلاله
أهدافه وغاياته الخاصة والعامل المشترك الوحيد الذي جمعهما كان معاداتهما
التاريخية للسنة.
لابد من الاشارة هنا إلى أن (الأسد الأب)
كان يعرف تماماً أن (إيران الخمينية) هي (حليفة سياسية) وليست (حبيبة) بأي شكل من
الأشكال، ولهذ كان يتعاون معها بحذر ويده دائماً على رقبته. وكما أنه كان يعرف أن
مهمته بحكم (سورية) بواسطة أقليته المكروهة التي لاتتجاوز العشرة بالمئة ليس
سهلاً، فهو أيضاً كان يدرك أن المد الشيعي الايراني لو تمكن من (سورية) فمصيره هو
ومصير طائفته سيكون أسوأ بكثير حتى من مصير السنة. وقد كان الايرانيون يطمعون بمكاسب
أكثر بكثير، ولكنهم قبلوا بتلك التي منحها لهم مقابل التحالف معه، فأقاموا ماسمح
لهم من الحسينيات والشركات والمرافق، ودعوا السوريين إلى التشيع بالدروس الدينية
حيناً وبالاغراءات المادية والوظيفية حيناً آخر. كانوا على استعداد للانتظار
ويعرفون أن الرجل لن يعيش إلى الأبد، وأنه حين يرحل، سيترك وراءه أولاده الذين
يعرفون من هم. وحينها سيكونون جاهزين للانقضاض على (سورية) واحكام قبضتهم عليها واستكمال
عملية تشييعها تحت سمعه وبصره، وبالفعل لم يخيب (بشار) أملهم وفتح لهم الباب على
مصراعيه. وهذا المشروع (الصفوي) بامتياز كان مدعوماً غربياً وشرقياً: غربياً لأنه
يضمن أمن (إسرائيل) وشرقياً لأنه يضمن المصالح الروسية والصينية في المنطقة، أما
الشعب السوري فلم يكن في حسابات أحد. أما مايقال عن العداء الايراني لاسرائيل
والغرب، فلا أراه بأكثر من (قميص عثمان) للطرفين ولاأرى وجوداً له إلا في الاعلام،
وإذا نظرنا بدقة أكثر للأمور، فنجد أن من مصلحة إسرائيل وجود (محور شيعي) بجانبها
كخط دفاع أول عنها في حال وجدت نفسها في وسط دول عربية (سنية) وغير مدجنة تطالبها
بدفع فاتورة جرائمها. فاذا سلمنا بأن مهمة النظام الأسدي منذ البداية هي حماية أمن
إسرائيل وتصفية المقاومة الفلسطينية، وهذا مافعل حتى الآن، إذاً فمهمة حلفاء هذا
النظام لابد وأن تصب في نفس الهدف.
ولهذا وحين انطلقت الثورة السورية قبل عامين،
رأينا حلفائه (العلنيين) في الشرق وعلى رأسهم إيران وعملائها الاقليميين يستميتون
في الدفاع عنه، ورأينا حلفائه (المكتومين) في الغرب يكتفون بالقلق تارة وبالتنديد
تارة اخرى لمنح النظام المزيد من الوقت لتصفية الثورة كما حصل عام 1982 مع مجزرة
حماة. ويجب أن لاننسى هنا أن السياسات الغربية في الشرق الأوسط لايمكنها بأي حال
تجاهل الرغبات الاسرائيلية إلا إذا كان صاحبها يريد أن توجه له تهمة (معاداة
السامية) الجاهزة. ومن هنا نرى أن الثورة السورية لاتهم السوريين فقط، ولكن كافة الدول
العربية ذات الأغلبية السنية والتي قد يأتي الدور عليها لاحقاً لتشييعها بعد
سورية. كما أنها تهم دولة اقليمية سنية رئيسية غير عربية، هي تركية، والتي أعتقد
أنها مستهدفة من الشرق والغرب معاً لصعودها مؤخراً كقوة اقتصادية لايستهان بها في
ظل حكم له صبغة اسلامية واضحة. وهذا يعني أن عدم انتصار الثورة السورية سيعني تقدم
المد (الصفوي) خطوة جديدة باتجاه أمتنا وأنه سيبدأ باستهداف الجزيرة العربية وشمال
افريقية وصولاً إلى المغرب في الخطوات القادمة. أريد أن أذكر العلويين هنا أنهم
حين هربوا من العراق في القرن التاسع هربوا أساساً من الشيعة الذين حاولوا وأدهم
في مهدهم، وهم حين أتوا إلى سورية لم يقم الشعب السوري (السني بغالبيته) بافنائهم
والدليل على ذلك أنهم مازالوا موجودين حتى اليوم بالرغم من مؤامراتهم وتعاونهم مع
الغزاة ضده.
من جهتي، فأرى أنه إذا وقع العلويون تحت رحمة
الشيعة من جديد، فحينها ستكون نهايتهم المحتومة. والمضحك في الأمر أنهم يعملون على
هذا المشروع بأنفسهم وكأنهم لايعرفون المثل الشعبي القائل (لاأحد يأتي بالدب إلى
كرمه)، متجاهلين التاريخ ومتناسين ماذا يعنون حقاً بالنسبة للشيعة. وهذا برأي مايفسر
حبهم للجزمة العسكرية، فقد لبسهم الغرب واستعملهم لحماية ربيبته إسرائيل، ولبسهم
الروس أيضاً ليصلوا بهم إلى مياه المتوسط، ويلبسهم الايرانيون لاستكمال مشروعهم
الشيعي. فهل حقاً يجهلون ماهو في النهاية مصير (الجزمة العتيقة) بعد استهلاكها؟
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 23 ربيع
الأول 1434، 4 شباط، فيبروري 2013
هيوستن / تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق