تقترب ثورة
الكرامة السّوريّة من إتمام عامها الثّاني، في ظلِّ تقاعسٍ عربيٍّ ودوليٍّ واضح،
حيث أثبت هذا المجتمع - حكومات، وبعض الشُّعوب – عدم مشروعيّته الأخلاقيّة
والإنسانيّة، وعدم إدراكه للخطر الكبير المتضمّن الرّأي الشّعبيّ العام للأمّة السّوريّة،
والنّظرة التي بدأت تتبلّور لديها، ممّا لاقته من خذلان عربيّ ودوليّ.
إنَّ الشّعب
السُّوريّ العظيم الذي يعاني ويضحّي ويكابد من أجل حرّيّته، لا من أجل شيء آخر
أدرك أنَّ ما قدمه قد عرَّى وكشف الأقنعة، ووضع نقاط العروبة على حروفها الصّحيحة،
وأوجز خطابه لها بالدّماء التي لا ينضب تدفقّها بشكل يكاد يكون منقطع النّظير.
ولعلّ ما زاد
معاناته ما بدا من تقصير واضح وجليّ لدى
المعارضة السّياسيّة التي ما فتأت تقدّم الفشل تلو الفشل في أن تكون بحقٍّ مدافعةً
عن هذا الشعب، وصوتَه الذي لا يستطيع إسماعه إلا من خلال دمائه، وصرخات الثّكلى،
وبكاء الأطفال.
وأصبحت الأزمة
السّوريّة حقل تجارب لأغرار السّياسة وهواتها، وما إن يلوح بالأفق سنا أمل وبارقة
انفراج حتّى تضمحّل بتدخُّل معارض هاوٍ، أو بنعاق غراب، حتى أضحت تكتلاتهم مجرّد
دكاكين، وبقّالات، همُّ أصحابها الوحيد أن يحقّقوا الربِّح السَّريع، وأن يجمعوا
أكبر عدد ممكن من الزّبائن.
ولو توفَّر
لها من يُدافع عنها، مع حجم المأساة التي تلفُّها، على المستويين الإنسانيّ
والأخلاقيّ، وما يرافقها من تدمير للبنى التّحتية، والشّروع منذ فترة ليست باليسيرة
بإسقاط نظام الدّولة لا نظام السُّلطة، لاستطاعت أن تكسب شيئًا من الرّأي العربيّ
والإسلاميّ والدّوليّ، فكانت بحقّ وصمة عارٍ على جبين كل من ادَّعى تمثيله لها.
ومّما لا يخفى
أنَّ الثورة السَّورية بدأت تفقد شيئًا من الزّخم الذي رافقها منذ بدايتها، وأخذت
تخسر بعض أوصاف ثورات الرَّبيع العربيّ، من خلال بعض الرّؤى التي تشكّلت عند
الولايات المتحدّة الأمريكية ومن تبعها بوجود مجموعات متطرّفة وإرهابيّة، متناسية
عنف النّظام وإرهابه وإجرامه.
لقد أسهم هذا
العنف والإرهاب في إطالة الفترة الزّمنية للأزمة السّوريّة، وازدياد معاناة أهلنا
في الدَّاخل والخارج، وجعلت بعضًا ممّن يدعون تمثيلهم للثّورة وأهلها يرى؛ بل ويقدِّمُ
ضرورة الحوار على استمراريّة المقاومة المشروعة للشّعب الذي عانى ما عانى لعقود من
الزّمن، وأخشى ما أخشاه أن تتحوَّل هذه الرّؤية لدى مَنْ طرحها إلى قناعة بعد أن
كانت وجهات نظر و «فشَّات خلق»، وجدت فيها بعض الدّول مادَّة دسمة
للماطلة، ومبرِّرا للتّخلي عن المسؤولية الأخلاقيّة والإنسانيّة، وفوق ذلك كله
تثبيت سياسة النِّظام في ضرورة حلّ الأزمة عبر طاولة المفاوضات، وعقلانيّة الحوار.
وعندما
نتحدَّث عن الحوار، لا يعني رفضنا له؛ بل نحن نقبله وننادي به؛ لأنَّ أيّ عاقل لن
يقدِّم لغة السّلاح والعنف على لغة الإقناع المتمثّلة بالحوار، لكن نريد حوارًا
يحفظ للثّورة أهدافها، ويعيد للشّعب كرامته التي دنَّسها النّظام بإرهابه وإجرامه،
ولا يمكن تصوُّر حوار يكون فيه مكان لـ«لأسد»، أو من شارك أو ساهم
في ارتكاب الجرائم ضدّ الإنسانيّة بحقِّ أهلنا.
هذا هو الحوار
الذي نعلنه، وننادي به، مع الحفاظ على سيادة الدّولة، وحماية حقوق جميع مكوّنات
الشّعب السّوريّ، لذا وجب من وجهة نظرنا أن تجتمع شخصيّات المعارضة، والتي تدَّعي
تمثيلها للثّورة، وأن تجلس أمام مرآة الإنجازات خلال عامين انصرما من عمر الثّورة،
ليعرف مقدار الشّرعيّة التي يستحقُّها، استنادًا إلى أنَّ الشّرعيّة هي شرعيّة
الإنجازات، لا شرعيّة الخطابات واللّقاءات والمحاضرات والنّدوات، لا شرعيّة
المؤتمرات والمقابلات.
د. محمد عناد سليمان
أكاديمي ومعارض سوري
17 / 2 / 2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق