الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-02-08

هل تنجح خطة النظام الأسدي الإجرامية في وأد الثورة مرة ثانية ؟! (1/2) – بقلم: بقلم: د. طارق باكير


من حين أن خبا صوت المآذن في مساجد حماة ، بعد الانتهاء من تدميرها في أواخر شهر شباط من عام 1982م ، وتوقفت أجراس الكنائس أيضا ، وساد المدينة صمت المقابر المعهود، بعد نحو شهر من الحصار والقصف المتواصل بالطائرات وراجمات الصواريخ  ، وتدمير البيوت فوق سكانها ، واستباحت المدينة ، وارتكاب المجازر الجماعية الفظيعة بحق السكان المدنيين ، والتي يقدر عدد ضحاياها شهدائها ، بأربعين ألف مواطن ، مابين رجل وطفل وامرأة ، إضافة إلى تشريد عشرات الآلاف من الأسر ، التي باتت مستهدفة من جانب العصابات الأسدية ..


       ومن حين إعلان المعارضة المستقرة خارج القطر (انكفاءها ) ، بعد أن (نفرت) وتجمعت من أجل نجدة حماة ، ثم تراجعت لأن حماة قد ذبحت ، وانقضى الأمر ، ولأنها وجدت نفسها عاجزة عن النصرة ، ثم أعلنت صراحة ، أنها تنكفئ عن المواجهة المسلحة رحمة وترفقا بالشعب، لأن الحكم الأسدي مستعد لتدمير المدن فوق سكانها ، من أجل البقاء في السلطة ، ومستعد لارتكاب المجازر الجماعية بحق المدنيين بلا حدود ، على مسمع العالم ، وأمام ناظريه ، دون أن يحرك هذا العالم ساكنا ، أو يوجه مجرد إدانة لما حدث في حماة خاصة ، وفي تدمر وحلب وإدلب، والمدن السورية الأخرى .. فكان هذا التصريح ، الذي أرادت المعارضة به إبعاد الحرج عنها بسبب انكفائها ، كان بمثابة تأكيد للنظام الأسدي ، على نجاعة هذه الخطة القمعية اإجرامية المدمرة ، وجدوى تكرارها كلما لزم الأمر .. ثم انشغلت هذه المعارضة بنفسها ، وصارت تبحث عن مخرج أو حل .. فأعياها المخرج أو الحل !
      
ومن حين راح حافظ أسد يتقبل التهاني من أعوانه ومستشاريه ، بمختلف أشكالهم وألوانهم ، على نجاح خطته العسكرية في إخماد الثورة الشعبية ، غير آبه بما جر على البلد من تدمير ، وعلى المواطنين من قتل واعتقال وتشريد .. وما تبع ذلك من إعلان المعارضة الانسحاب من المواجهة ، أمام تلك الهمجية والوحشية ..

منذ ذلك الحين ، صار لدى الحكم الأسدي خطة عسكرية استراتيجية (مجربة ) ، لإخماد أي ثورة تعارض النظام ، وتطالب بالحرية والكرامة والعدالة ، وبات مطمئنا إلى أن حكمه محصن من الداخل بالقوة العسكرية الباطشة ، التي تأكدت فاعليتها ، مهما بلغ التدمير ، ومهما بلغ عدد الضحايا ،  ومحصن من الخارج بالنفوذ الواسع لإيران وروسيا ، والضمانات والتفاهمات ، التي طمأنت الدول المعنية بوضع المنطقة ، على ضمان الهدوء والاستقرار ، الذي يهدف بالدرجة الأولى  إلى أمن (إسرائيل ) ، وحماية حدودها من جهة سورية من أي اختراق ، يعكر صفو أمنها واستقرارها ، بعد أن ضمنت (إسرائيل)  حماية حدودها على الجبهات الأخرى بالمعاهدات والاتفاقات .. وساد شعار : الأسد .. إلى الأبد ، وفتح باب الفساد والبغي والظلم والغطرسة والتجبر على المواطنين ، للعصابات الأسدية وأتباعها على مصراعيه ، بلا رقيب ولا حسيب !

       ولقد شكلت الثورة الشعبية السورية الحالية ، ثورة (الحرية والكرامة ) ، التي انطلقت في (15 آذار 2011 م) ، في خضم الثورات العربية ، وما بات يعرف بثورات الربيع العربي ، شكلت مفاجأة غير متوقعة للنظام السادر في غيه وتجبره على المواطنين ، المطمئن إلى حكم سورية إلى الأبد .. ووجد أنه أمام ثورة عارمة من نوع آخر ، ومن غير الممكن تكرار تجربة حماة معها ، وهي على هذه الحال ، والقضاء عليها بالحسم العسكري والسلاح ، وذلك نظرا لأنها ثورة شعبية سلمية منظمة ، ترفع شعارات وحدة وطنية ، ولا تحمل سلاحا ، ولا تنتسب إلى جماعة أو طائفة ، وليس لها لون سياسي ..

       وصارت الثورة تنتشر وتتسع مظاهراتها بطريقة متسارعة ، واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تعم مختلف محافظات القطر ، ووجد النظام نفسه في حصار حقيقي، وليس أمامه من خيار سوى الرحيل ، أو الاستجابة لمطالب الشعب ، والقيام بإصلاح شامل حقيقي ، وهو ما سيؤدي - أيضا - إلى الرحيل الحتمي ، بعد أن بلغ الظلم والاضطهاد والاستبداد والفساد مبلغه.

       كما أيقن النظام أن هذه الثورة لن تهدأ ، ولن تنكفئ ، ولن تتراجع ، دون أن تحقق مطالبها في الحرية والكرامة والعدالة ، وأنها تتجه إلى اكتساح معاقله ، وتهدد باجتياح حصونه ، وأن لاشيء يمكن أن يوقف زحفها .

       وهنا تفتقت عقلية الإجرام الموروثة المتأصلة لدى النظام الأسدي،عن خطة تقضي بتحويل المواجهة إلى مواجهة مسلحة ، لكي يبرر استعمال السلاح على أوسع نطاق ، غير آبه بما يمكن أن يخلف هذا النهج على الوطن من تدمير شامل . وبدأت الخطة بمواجهة المتظاهرين بالرصاص، وإعطاء التعليمات بقتل مجموعة منهم في كل مظاهرة ، بذريعة وجود مسلحين مندسين ، وتحميل المسلحين مسؤولية القتل، من أجل إرهاب المتظاهرين ، والحدّ من انتشار المظاهرات ، أودفعهم إلى حمل السلاح لحماية أنفسهم ، وليمنعوا عنهم القتل والاعتقال والاختطاف والتنكيل الشديد، الذي يصل حد الموت ، من جانب أجهزة القمع ، بحق المنتفضين المتظاهرين العزل .

وزاد هذا التوجه نحو عسكرة الثورة ، حالات الانشقاق عن الجيش الخاضع لسيطرة النظام، وأجهزته القمعية المكلفة بمواجهة المتظاهرين بالرصاص ، من جانب العسكريين الشرفاء الأحرار ، الذين رفضوا توجيه رصاص أسلحتهم إلى صدور المتظاهرين السلميين ، وقتل إخوانهم،  وصار العسكريون المنشقون مضطرين للدفاع عن أنفسهم من ملاحقة قوات النظام . ومع ازدياد هذه الحالات ، تشكلت نواة جيش مسلح  ، وصار هذا الجيش يتوسع ويزداد ، وانضم إلى صفوفه بعض المدنيين ، حذر الوقوع في الاعتقال ، والتعرض للتنكيل بهم .. وصار في كل منطقة كتيبة عسكرية ، أو عدد من الكتائب المسلحة بما تيسر لها من السلاح ، وصارت هذه الكتائب تسيطر على بعض المناطق وتؤمنها ، وتمنع قوات النظام من دخولها ، والاعتداء على سكانها .
      
وبهذا ظن النظام الأسدي أنه في دفع الثورة نحو التسليح والعسكرة ، قد وجد المبرر لكي يتصدى لها عسكريا ، بذريعة أنه يتصدى لمسلحين ، وأن يستعمل كل ما أوتي من قوة عسكرية ، وبطش وعنف وإجرام لإنهائها ، وصل إلى حد اقتحام قوات الجيش الأسدي للمدن والقرى والأحياء ، والتنكيل بسكانها أشد التنكيل ، وتدمير الممتلكات ، وحرق البيوت بعد نهبها ، كما وصل حد استعمال الطائرات الحربية القاذفة ، المعدة أصلا لمهاجمة الأهداف العسكرية المحصنة ، والصواريخ البالستية البعيدة ، أو المتوسطة المدى ، في قصف المدن والأحياء والمنشآت المدنية من مدارس ومساجد وكنائس ومستشفيات ، إضافة إلى استعمال المدافع وراجمات الصواريخ .. غير أنه وجد أن الثورة تتعاظم ، رغم كل هذا البطش والفتك ، وأن السحر – كما يقولون – قد انقلب على الساحر ، وأن دفع الثورة السلمية ، إلى حمل السلاح ، ومواجهة العصابات الأسدية، وتنامي القدرة العسكرية للثورة ، وتحرير مناطق واسعة ، وتطهيرها من العصابات الأسدية ، أوجد معادلة جديدة على الأرض ، خلاصتها أن هذه الثورة لن تتوقف ، ولن يستطيع أحد إيقافها ، قبل أن تحقق أهدافها في إسقاط النظام الأسدي بكل أركانه وأدواته المجرمة . (يتبع)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق