على الحدود السورية التركية وفي إحدى القاعات التي خصصت لاجتماع مجموعة من السياسيين السوريين , وخلال الاجتماع ومداخلات من هنا وهناك , وقف شاب في العشرينات من عمره , مرتدياً اللباس العسكري ويتحدث بطلاقة , وكان جزءاً من كلامه النقدي ملمحاً لجزيءٍ من كلمات ألقيتها في هذا الاجتماع .
كنت قد بدأت مداخلتي
بالقول
منذ أكثر من ثلاثين سنة
وأنا أطوف حول سوريا باحثاً فيها عن موطئا قدم لي فيها , أو ثغرة للمرور عبرها ,
ولكن لم أجد ماأبحث عنه , ولولا سواعد المجاهدين والأبطال من أبنائنا الثوار
والمقاتلين والمجاهدين , ماكان لي أن أعبر إلى هذا المكان .
وكان تعقيب الشاب عندها ,
لايوجد مايمنع دخول أي شخص كان محروماً من العودة لوطنه الآن .....
فالمتتبع لسيرة حياتي ,
والمواقف والصعاب التي واجهتني وما تزال ربما قد يجد العذر لي في أنني حتى الآن لم
أدخل لقريتي الجميلة في ريف اللاذقية , ولم ألتق أمي والتي تحلم بالنظر إلي منذ
ثلاثين عاماً , وعمرها قد جاوز التسعين سنة , زوجة شهيد مفقود منذ الثمانين وأم
لأول شهيدة في سورية وهي تقاتل عصابات الاجرام في الواحد والثمانين , وابنها المفقود
منذ ذلك الزمن الصعب مع من سجن من أبنائها عقد او عقدين , وابنها الذي أنا ترقب كل
لحظة لقاؤه لإحدى وثلاثين سنة قد مضت وهي مازالت تنتظر
يسألني كل من تشردوا من
أقاربي السؤال الآتي:
لماذا لاتعود أو على الأقل
اذهب لزيارة أمك وشقيقاتك ورؤية بلدك بعد هذه السنين الطويلة والممتدة لعقود قد
مضت ؟
الاجابة صعبة,والجميع من
حولي بدأ يشكك , عندما لم يجدوا جواباً صادراً من عندي إلا الصمت
اقاربي كانوا يتوقعون مني
الكثير
كانوا وما زالوا يعرفون
الطريق الذي سلكته والأذى الذي أصاب العائلة كلها بسببي منذ بداية الثمانينات فكل
العائلة أصبحت في الدائرة الحمراء بسببي , والتهديدات التي كانت تصلهم من قوى
الظلام في الداخل قبل الثورة إن لم يكف ابنكم عن الكلام ويتبع الصمت فالأذى على
الجميع منكم
يعلمون أنني من صناع
الثورة ومن الداعين لها قبل الربيع العربي وخلال ثوراته , واندلاع الثورة السورية
, ويحسبون أن مكانتي ستكون عالية في المعارضة الخارجية وسأكون عنصراً داعماً
للثائرين من عائلتي , ومن أبناء قريتي والقرى المحيطة فيها
كنت أبو الهول في نظرهم
وعندما وجدوني مكبلاً اليدين والقدمين ومُركوناً في زاوية مظلمة من قبل من التحقوا
بنا في الثورة , فكانت الحسرة كبيرة منهم علي ومني وممن عمل على إقصائي .
يلومونني بزفرات وتنهدات وصمت
فيها بعد ذلك
وأمي والله أشتاق لحجرها
أشتاق لكل حنانها للمسة حنان منها
ولكن ؟ لن يبلغ شوقي إليها
ولن يصل إلا إلى ذرة صغيرة من شوقها إلي
أستحي من العودة لقريتي
ولقاء أمي وإخواني وأخواتي, والمقاتلين من أقربائي وأبناء منطقتي
هو الحياء الذي يمنعني من
الجميع
أعرف أن لي عند سكان المنطقة قيمة معنوية كبيرة ولكن
القيمة المعنوية يجب أن تطلى بالقيم المادية
فعذراً يا أمي لا أستطيع
القدوم فليس معي سعر هدية أقدمها إليك وأعلم أن هديتك الوحيدة هو لقائي
عذراً منكن يا
شقيقاتي , شوقي كبير والذي
يمنعني الوسيلة
أخي الغالي والذي أمضيت
اثنا عشرة سنة في سجون الجلاد مشتاق لك ولكن وأنا في الخارج بعد ثلاثين سنة
لاأستطيع لقاؤك مالم يكن معي على الأقل مبلغ من المال أهديه إليك وأنت وعائلتك لم
تهربا وما زلتم متمسكين في الأرض والوطن , كما هرب أخوك منذ زمن بعيد
عذراً يا بني الكبير
الثائر المجاهد جاء لزيارتي لكي أذهب معه وأعقد قرانه على من اختارها قلبه , وعاد
بعد أيام حزيناً لامتناعي عن الذهاب , لأنه لم يجد عندي شيئاً أقدمه له في هذه
المناسبة السعيدة , ولا خاتما من فضة أو من حديد
لا أستطيع الرجوع يا أمي
لا أستطيع أرجوك سامحيني مع أن قلبي أصبح عليلاً من الشوق والحرمان
د.عبدالغني
حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق