عندما ينتقل الناس من بناء إلى آخر عبر
فتحات في الجدران، وينزل السكان من أعلى طابق عبر الحبال، وينتقل أفراد العائلة
الواحدة إلى الجنة صحبة، حين تفقد كل ذكرياتك وتعود إلى منزلك فتتوه عنه، حينما
يصبح اصطياد الناس مهنة ويصب ظلم العالم كله وتخاذله وصمته في بلد واحد.. لتخرج
من منزلك وأنت تودع أهلك، حين تمشي على الأرض ولا تعلم ماذا تحمله لك الثواني
القادمة، حينما يتحول بلد بكامله إلى معتقل وتسمع أنين الناس في أرواحهم، حينما
ترى ابتسامات تنطوي على ألم وتسمع ضحكات من وجع .. حين تعبر شارعاً
كاملاً على طوله منحنياً متجنباً رصاص قناص وإذا سقط أمامك أحد لا ينبغي عليك حتى
الالتفات إليه،
حينما يقوم الأطفال بواجب الكبار ويتخلص السجان أمامهم من بشريته
وقلبه وإحساسه وضميره ويقتلهم دفعة واحدة، حينما تتحول الحدائق إلى هدف حربي
والمدارس إلى ملاجئ والأطفال إلى رجال ونساء .. حينما يكبر الشاب في سنتين عقوداً
بل قروناً ليجمعوا التاريخ ويعيشون معه الحاضر .. حينما يولد الطفل ثائراً وتقف
أمام المقابر فتتمنى لو كنت مكان أصحابها ثم تنظر في عيني طفل فترى فيهما حقه
وإصراره على الحياة .. حينما تعمل بجد على أمل إنقاذ ما تبقى لأجل الآخرين .. حين
ترى الأخبار التي تعيشها بل حين تصبح أنت الأخبار ذاتها وترى نفسك وما تملكه على
الشاشات التي يشاهدها الملايين، حينما تضطر للحديث عن شجونك إلى من لا يفهمونها
وتضطر للسكوت أمام من يفهمونها .. حينما تنتشر آلامك على جدران الآخرين في عالم
افتراضي وتتواصل اجتماعياً عبر مواقع افتراضية لتطمئن عن أصحابك وإخوانك الذين
يقطنون الشارع المجاور .. حينما تفقد طموحاتك وأحلامك وتحول مسارك وتغير
مهنتك ويكون جسر الحياة معبراً إلى الموت ..
حين تصبح قضيتك قضية أمة .. بدل أن تكون
قضية الأمة قضيتك .. وتشعر أنه ما بيدك حيلة رغم أنك تقدم أقصى ما لديك
لتراه لا شيء أمام ما يحدث .. حينما تأكل رغيفاً عفناً وتحمد الله أن هناك ما
تأكله ..
حين تموت فلا تجد من يخرج في جنازتك ليس
فقط لأنهم لا يعرفون من الذي مات بل لأنك مقطع الأوصال متناثر .. حين يفقدك أقاربك
ولا يعلمون ما حل بك وأنت مرمي بواحة القمامة جريحاً لا يمكنك حتى طلب المساعدة،
حينما تتألم فلا تجد من يطبطب على ألمك ويجلس بجانبك ليسري عنك همومك لأنهم في حال
أسوأ أو ربما ليسوا في كل هذه الدنيا .. حينما تفقد عزيزاً وراء عزيز ، وتبارك
فرَحاً لمن ظننته فقد حبيباً لما تبين أن حبيبه لازال حياً في أفظع فرع للمخابرات،
حينما لا يكون للأنوثة مكان ولا للطفولة شفاعة ولا يكون للرجولة دور .. حينما تشعر
بالذعر إن غاب عن سمعك القصف وأصوات الرصاص ويتبلد إحساسك ويقسو قلبك لكثرة ما
رأيت من أموات شنعت بهم أيدي حاقدين .. حينما تغيب ملامح الشهداء ولا تكفي في
الموت رصاصة .. وتعيش دوامة الحزن فلا تكاد تحزن على فلان حتى يلحقه آخر ولا ينال
فقيدك حتى حقه في ثلاثة أيام، حينما تصبح سبطانة الدبابة أرجوحة ، وفوارغ القنابل
مزهرية .. وتنظر إلى الأرض فتراها منثورة بدل الورد ببقايا الرصاص .. حينما يصبح
للسكين مهام تخص رقاب البشر .. وتنقلب المقاومة والممانعة ضد الشريك لا ضد العدو
.. ويصبح الغدر شيمة من شيم من آويتهم يوماً بدعوى المناصرة ضد عدوكما .. حينما
تشعر بالتقصير مهما فعلت حتى لو خاطرت بروحك وحين تخسر كل شيء وتقول
الحمد لله على كل حال .. فاعلم أنك في ثورة تاريخية عظيمة واجهت أعتى نظام فاسد
مجرم في التاريخ، أنت حينها في سورية.
بقلم: شام صافي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق